العدد 577 - الأحد 04 أبريل 2004م الموافق 13 صفر 1425هـ

هل ينسى الأميركيون ما حصل لهم في الصومال؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بعد حرب فيتنام مرت العسكرية الأميركية بتجربتين كان لهما أكبر أثر على الخطط الاستراتيجية والسياسية للقوة العظمى، كان مسرحهما الصومال والبلقان. الحدث البارز في تجربة الصومال حصل بتاريخ الثالث من أكتوبر/ تشرين أول 1993، اليوم الذي قتل فيه 18 جنديا مع طلوع الفجر في مقديشو ولم يحصلوا على فرصة لإبراز قدراتهم العسكرية بعد أن نصبت لهم ميليشيا عيديد كمينا أدى إلى مصرعهم وتدمير مروحيتين حاولتا التدخل لإنقاذهم.

وقتل مئات الصوماليين خلال المعركة التي وثقها أحد أفلام هوليوود Black Hawk Down . وقام جمع غاضب بجر جثث الجنود الأميركيين في شوارع مقديشو، وتناقلت محطات التلفزة العالمية الصور وكررت عرضها، ما قاد إلى تغيير السياسة الأميركية في الصومال، فسحبت على الفور قواتها من مهمة حفظ الأمن التي كانت تعمل تحت راية الأمم المتحدة. وأجبر الرئيس كلينتون على تحمل نتائج الحدث الذي حولته الميليشيات الصومالية إلى هزيمة ضد القوة العظمى، طيلة الفترة المتبقية لحكمه على رغم أن سلفه جورج بوش الأب هو الذي أمر بالتدخل في الصومال. ومن النتائج أيضا، انسحاب الولايات المتحدة من برنامج حفظ السلام التابع للأمم المتحدة وزيادة عدم ثقة الأميركيين بالهيئة الدولية!

تجربة البلقان

في الحروب التي وقعت في منطقة البلقان وخصوصا الحرب التي شنها حلف الأطلسي على صربيا، مرت العسكرية الأميركية بتجربة مريرة أخرى، وكان الفارق في هذه الحرب، أنه كان ينبغي على الطائرات الحربية الأميركية المغيرة التعرض لأهداف حددها موظفون بيروقراطيون في قيادة الحلف ببروكسل، ولأول مرة دخلت الولايات المتحدة في حرب فرضت فيها قيود مشددة.

بعد حرب صربيا لم تعد الولايات المتحدة ترغب بالعمل في حرب تعهد قيادتها إلى قيادة متعددة الجنسيات، وقررت منذئذٍ ألاّ تشارك في قوة متعددة الجنسيات ليست تحت قيادتها، وهذا يعكس نظرة الأميركيين للحلف. وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قال ذات مرة: «لقد أصبح حلف الأطلسي آلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يمكن الاستعانة بها عند الحاجة»، وهو من السياسيين النادرين في العالم الذين تخرج الحقيقة من أفواههم مهما كانت نتائجها.

وعندما شنت الولايات المتحدة حملتها على العراق، كانت واشنطن تعرف مسبقا أن العراق غير قادر على مواجهتها، لكن هذا لم يمنع التفكير باحتمال تعرض وحداتها العسكرية لهجمات. وحينما اختفت فرق الحرس الجمهوري من شوارع بغداد ودخلت الدبابات الأميركية وسطها تساءل الكثيرون عن مكان أفراد الحرس الجمهوري. وقد وضع العسكريون احتمال وقوع حرب شوارع وقتال من بيت إلى بيت، فيما استعان البنتاغون بخبرة الجيش الإسرائيلي لتجنب تكرار ما حصل في شوارع مقديشو. وبعد أن بدأت المقاومة العراقية حملتها ضد الاحتلال، وضعت في حساباتها آثار ما حدث في 1993 في مقديشو وراحت تنتظر الفرص. الملاحظ أن الهجمات استهدفت الأميركيين من جنود وموظفين أكثر من جنسيات أخرى. وترى أن إنزال خسائر بشرية عالية في صفوف الجانب الأميركي يعبر عن هدفين: الأول توجيه ضربات موجعة للأميركيين، ونظرا إلى الموقف السياسي الاميركي المنحاز لـ «إسرائيل» فإن العرب والمسلمين سيفرحون وهو يرون أميركا تتألم. وكذلك الدول المجاورة مثل إيران وسورية إذ تصبح احتمال تكرار تجربة العراق ضدهما أكثر تعقيدا.

ثانيا: ان الصور المروعة لجثث الأميركيين التي ستعرض على الشعب الأميركي ستثير نقمة عامة داخل الولايات المتحدة، وتعيد المتظاهرين ضد الحرب إلى الشوارع طلبا لسحب القوات. منذ حرب فيتنام التي كانت معرض خلاف حاد بين البيت الأبيض والرأي العام الأميركي، يعلم كل رئيس أميركي أنه لا يمكن شن حرب لا يرغب الشعب الأميركي بها. وهكذا كان من الضروري أن تختلق إدارة بوش الأكاذيب لتأليب الأميركيين على صدام، تارة بتهمة امتلاك أسلحة الدمار، وتارة باستخدام بوش مشاعر شعبه تجاه هجمات سبتمبر، أو دعوى وجود علاقة بين صدام والقاعدة. ولكن هذه الإدارة لم تنجح بتقديم أدلة تؤكد أيا من التهمتين سواء قبل الحرب أو بعدها.

المؤكد أن واقعة الفلوجة التي أسفرت عن مقتل أربعة خبراء أميركيين والتمثيل بجثثهم، لن تدفع قوات الاحتلال إلى الانسحاب من العراق، لكنها قد تتكرر لهدف إحباط معنويات جنود الاحتلال، الذين خضعوا قبل الحرب إلى تدريبات نفسية وحرب المقاومة، وعرض عليهم فيلم Black Hawk استعدادا لما هم مقبلون عليه.

ستظل صور الجثث المحترقة والمعلقة على الجسر في ذاكرة الأميركيين لفترة طويلة، لكن واقعة الفلوجة لم تأت من فراغ، لأن الولايات المتحدة مهدت بنفسها لما حصل، وينبغي مراجعة سجل الحوادث الماضية. فبتاريخ 28 أبريل /نيسان من العام الماضي أطلق جنود أميركيون النار على مظاهرة سلمية في الفلوجة وقتلوا خمسة عشر شخصا، ولم يكن هؤلاء قد اقترفوا شيئا غير التظاهر ضد الاحتلال! في هذا اليوم بدأ الأميركيون يخسرون صدقيتهم، فبعد أن كسبوا الحرب ضد صدام كان المفترض عليهم كسب السلام مع العراقيين. في يونيو/حزيران الماضي اقتحم جنودهم مسكن تاجر سيارات عراقي مع أن باب المسكن كان مشرعا أمامهم وهددوا زوجته وشقيقته المشلولة وراحوا يصرخون في وجهها كي تنهض على قدميها. مثل هذين الحدثين حصل كثيرا في الفلوجة التي تعتبر معقل مؤيدي النظام السابق، لكنها لم تحصل في مناطق تخضع لسيطرة جنود من دول أخرى، فهل سلوك الأميركيين يختلف لهذه الدرجة عن سائر البشر؟

العدد 577 - الأحد 04 أبريل 2004م الموافق 13 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً