العدد 583 - السبت 10 أبريل 2004م الموافق 19 صفر 1425هـ

الاستبداد السياسي و«بلطجة» غسيل الأموال

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ذات يوم رحت أقرأ في كتاب الإنجيل فأعجبتني عبارة جميلة لها مدلول كبير «الكبرياء يسبق السقوط». الطرزانية في كل شيءٍ تسبب الخسائر وتؤدي إلى الكارثة. والامبراطوريات السابقة التي مرت على البشرية سقطت ذات لحظة عندما مارست القمع والتسلط ومازال هناك جدل فكري واسع عن أسباب سقوط الحضارات. الفيلسوف اليوناني أرسطو آمن بأن الاستبداد السياسي عامل أساسي لانهيار السلطة وكذلك هي نظرية الفيلسوف ابن خلدون والمفكر الأميركي بول كينيدي. والحضارات مثل الأفراد تمر بفترات تطور من الطفولة إلى مرحلة الكهولة إلى مرحلة الشيخوخة. معالجة الكواكبي للاستبداد معالجة محكمة وكشف عن عقل تنويري سواء في حديثه عن الاستبداد السياسي أم الديني، لأن الاستبداد السياسي يؤدي إلى التخلف ويقضي على الابداع ويميت التنمية.

كانت روما سيدة العالم وذهبت بسبب الاستبداد، وكان المسلمون ذات يوم سادة العالم؛ حكموا غرناطة وامتدت دولهم إلى آسيا وغيرها، لكنهم عندما استبدوا وقمعوا الحريات واحتكروا الدين وصادروا الطوائف الأخرى - على أن كل طائفة هي «الفرقة الناجية» لجنّةٍ «عرضها السماوات والأرضين» - ضعفوا فسقطوا فكانوا طوائف بلا دين على حد قول شكيب أرسلان: «ويل لأمةٍ كثرت فيها الطوائف وقل فيها الدين».

وفي العصور الحديثة: ألمانيا الهتلرية احتلت ثلاثة أرباع العالم وسحقت وهكذا هي الدولة الصفوية والعثمانية... إلخ. وهذا ما حدث للعراق فمن الديكتاتورية إلى حيث الاحتلال. لقد أثبتت التجارب أن الحرية والديمقراطية هي الكفيلة بأخذ الامم نحو التغيير. طبعا لا أن تأتي بطريقة خذوه فغلّوه من دون مراعات لخصوصية أية أمة وخصوصا بالنسبة إلى خصوصيتها الفكرية، وإنما بطريقة الاعتدال والتناسب. والديمقراطية تعني صندوقا واقتراعا، وقبل كل شيء هي عبارة عن توازنات قوى فكيف تصبح قويا اقتصاديا وسياسيا ولو لم يخدمك الواقع كثيرا، وذلك ما يدخلنا في الحديث عن الاستبداد الاقتصادي، وهناك مقولة اقتصادية جميلة تقول «عليك ألا تحلم بالحرية ما دمت تمد يدك للخبز». وهذه نقطة في غاية الأهمية فالقوة السياسية مهما كانت كبيرة تصبح ضعيفة بلا شريان اقتصادي يرفدها.

ما نحتاج إليه في عالمنا العربي هو ديمقراطية تؤمِّن الخبز وتحد من انتشار الفساد المالي والاداري. ليس ذلك صعبا إذا حاولنا أن نعمل من أجل ذلك بعقل ووعي واتزان ومن دون خضّات عنيفة. قبل يومين انتهيت من قراءة كتاب جميل اسمه «غسيل الأموال. الظاهرة، الأسباب، العلاج» لمحسن الخضيري. ولا أكتمكم أن الكتاب فتح عيني أكثر على صور التلاعب والطرق و«البلطجة» في ابتلاع أموال المجتمعات، وقد ذكر مجالات غسيل الأموال من قبيل مجال المضاربات على الأسهم في البورصات الوليدة الناشئة، ومجال المضاربة على أسعار الأراضي والعقارات والشقق الفاخرة، ومجال المزادات والمناقصات الحكومية وغير الحكومية، ومجال الهدايا وبيع التحف النادرة، وصناعة السينما ومكاتب الانتاج السينمائي، وأعمال الديكور والتصاميم الهندسية المختلفة، ومجال تنظيم المهرجانات والاحتفالات السياحية، والملاهي... لقد انتقلت من الاستبداد السياسي إلى الاستبداد الاقتصادي أو ما يعبّر عنه اليوم بالجريمة الاقتصادية. والشكر طبعا موصول للكواكبي والخضيري وكذلك إلى عالمنا العربي.

لقد أثبتت التجارب أن سياسة الخطوة خطوة، سياسة عادة ما تكون محمودة العواقب.

إشارات

- بعض الروائح بدأت تفوح من هيئة التقاعد و«اللّه الساتر»... والظاهر أن الهيئة هذه المرة بحاجة إلى عطور جديدة للرش على المكيفات وتلطيف الهواء، فلربما تتم كتابة ذلك تاريخيا في كتاب «شيلني واشيلك»، ولو كان بـ 20 ألف دينار. يا بلاش.

- سترة قرية الكرماء انتقلت من المطالبة بإسعاف إلى المطالبة بمرتفع... فهل يسمع المسئولون؟

- سؤالنا لوزير الصحة: متى ستقوم بتثبيت أطباء الأسنان وعددهم تقريبا 44 طبيبا، هذا عدا عن 300 طبيب غير مثبّت مازالوا بعقود مؤقتة أخرى؟

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 583 - السبت 10 أبريل 2004م الموافق 19 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً