العدد 584 - الأحد 11 أبريل 2004م الموافق 20 صفر 1425هـ

الحوار مع المعارضة... ما المناخ المطلوب؟

تقي الزيرة comments [at] alwasatnews.com

شخصية قريبة من دوائر صنع القرار، دار بيني وبينها حديث طويل عن المعارضة البحرينية، ومطلب تعديل الدستور، ومسائل أخرى عن أهمية الحوار ومعالجة التوتر السياسي، وازدحام الساحة بقضايا محلية وإقليمية، والانفلات الأمني الذي حدث هنا وهناك.

يقول محدثي: «المعارضة تطالب بالحوار، ومن الواضح أنها مازالت حتى الآن، تجهل أهمية خلق المناخ المناسب للحوار، ولم تلتفت أيضا قياداتها إلى ضرورة تطوير صورتها العامة، وتثبت لنا وللمجتمع أنها شخصيات قيادية ناضجة وعلى قدر من المسئولية. فجميع مشروعاتها تستهدف التصعيد والتوتر، وتختار عمدا المناسبات الوطنية الحساسة لكي تطرح مشروعاتها، وكأن المناسبات الوطنية لا تعنيها في شيء، أو لا يهمها اقتصاد البلد واستقراره».

فقلت له: «ولكن المعارضة، وتحديدا التحالف الرباعي، بادر إلى تأجيل ندوته الجماهيرية والعريضة الشعبية احتراما ودعما لسباق الفورمولا 1، وأصدر كذلك بيانا واضحا أكد فيه توجهه نحو بناء معارضة سلمية، وأعلن استنكاره لأعمال الشغب والتخريب، كما أعلنت بعض الشخصيات في الوسط الديني الشيعي والتحالف الرباعي، مثل الشيخ علي سلمان، الالتزام بالحفاظ على السلم الأهلي كخيار استراتيجي، فضلا عن رفض مشروع (الاعتصام السلمي) الذي دعا إليه طرف مجهول... أليست هذه الإشارات كافية لإثبات حسن نوايا وسلمية أساليب التحالف الرباعي، ونضج قياداته؟».

فكان جوابه: «نعم، نحن نقدر للتحالف الرباعي هذه الخطوة ولا شك في أنها ستحسب لصالحه، ولكننا بحاجة إلى مؤشرات وممارسات أكثر في هذا الاتجاه. فمازالت هناك بعض الأصوات المتشددة تمارس أجندتها التصعيدية، بينما يهمّش دور المعتدلين في الساحة، ومازالت بعض الشخصيات تمارس أدوارا متشددة وتلقي خطابات تصعيدية، ما جعلنا نشك في نواياها». وأضاف قائلا: «وما لم يتحرك المعتدلون ويعبرون عن رأيهم بكل جرأة وصراحة، فلن نستطيع الوصول إلى المناخ المطلوب لإقامة حوار أو سلسلة حوارات هادئة. كما أن الحفاظ على هيبة الدولة والحكومة أمر ضروري، ولن يرضي أي مسئول أن تمرّغ هيب الدولة، وافتعال المشروعات الاستفزازية، وحالات المواجهة والتوتر. الجميع بحاجة إلى ضبط النفس وإثبات حسن النوايا. مطلب تعديل الدستور، أو أية مطالب أخرى تتعلق بالبطالة أو غيرها، لا يمكن معالجتها بهذه الأساليب الاستعراضية. علينا جميعا تحكيم العقل وعدم ترك التيار المتشدد لكي يحكم الإيقاع السياسي. هذه مسائل خطيرة جدا، وسنكتشف يوما بعد يوم، أن الخطاب المتشدد في المعارضة، أدى إلى دخولنا في نفق مظلم».

ثم زدته سؤالا: «لماذا لا تبادر الحكومة نفسها إلى فتح باب الحوار وإبداء النوايا الطيبة؟»، فأجاب قائلا: «الحكومة جادة في مسألة تطوير المشروع الإصلاحي وتطوير مؤسساته الدستورية وفصل السلطات، والخطاب الملكي واضح جدا في موقفه تجاه تعديل الدستور، وكرر مرارا بأن أي تعديل يجب أن يتم من خلال المؤسسات الدستورية نفسها».

فقاطعته قائلا: «ولكن التعديل بحسب الدستور الحالي، ومن تحت قبة البرلمان غير ممكن، لأن مجلس الشورى المعين من جلالة الملك، يتمتع بصلاحية أكبر من صلاحية مجلس النواب. فحتى لو صوّت كل النواب لصالح التعديل وصوّت كل أعضاء مجلس الشورى ضد التعديل فالكفة الترجيحية هي لصالح الشورى بحسب دستور 2002». فرد عليّ بقوله: «هذا الرأي غير دقيق، ويفترق أن كل أعضاء الشورى هم ضد تعديل الدستور، والواقع غير ذلك بتاتا، فالكثير من أعضاء الشورى صرّحوا مرارا بأنهم سيؤيدون مشروع تعديل الدستور، وخصوصا إذا استطعنا جميعا خلق حال توافق وطني بشأن تعديل الدستور، ومناخ عقلاني وحضاري للحوار».

واستدرك قائلا: «إلا أن التحالف الرباعي لا يسعى إلى خلق هذه الحال وتوفير المناخ المطلوب، وإنما توجه بصورة عاطفية ومنفعلة إلى مقاطعة النواب بدلا من التحالف معهم، واعتبر أن أي حديث أو علاقة مع النواب تعد بمثابة اعتراف بمجلس النواب. وبدلا من تبني مواقف ومشروعات وطنية تثبت للرأي العام أنهم معارضة عقلانية وواعية وتدرك طبيعة التحديات والتحولات المحلية والإقليمية التي تشهدها المنطقة، نراهم مستمرين في تبني الندوات والمؤتمرات والعرائض التي تحاول الاستعراض واستفزاز الدولة، وتعكير الاستقرار الاقتصادي، والتشويش على مناسباتنا الوطنية ومشروعاتها التنموية».

ثم سألته قائلا: «إذا أين الحل؟ وما الخيارات المتاحة؟ كيف لنا أن نعمل لخلق حال التوافق الوطني المناسبة لاجتياز هذه الحال المتوترة؟»، فقال: «المعتدلون الناشطون في الساحة السياسية عليهم التحرك بوتيرة أكثر وبصورة أقوى، والإعلان صراحة عن رأيهم وقيادة الرأي العام. يجب عدم ترك الساحة للمتشددين والشباب المنفلت. أنتم مطالبون بالتحرك بوتيرة أكثر، فالدولة وفرت للجميع حرية التعبير وحرية تشكيل الجمعيات السياسية وإقامة الندوات والتحالفات، إلا أن المتشددين هم أكثر منكم استفادة من هذا المناخ الديمقراطي، وهم أيضا أكثر من ادّعى بأنها ديمقراطية عديمة المحتوى».

فقلت له: «بصراحة هناك تقصير أيضا من بعض الجهات الرسمية. فهي، في ردة فعل عاطفية منها، قامت بتقديم الكثير من الشخصيات التي كانت أصلا بعيدة عن نبض الشارع، وأغدقت عليهم التعيينات والمراكز المهمة هنا وهناك، وأغفلت عقلاء القوم ومثقفيهم، المشهود لهم بالاعتدال والإخلاص والملتصقين (والمنشغلين) أكثر بالهم الوطني. فالعاطفة المنفعلة باعتقادي الأخرى أثرت في القرار الرسمي، وقادته إلى قرارات ومواقف خاطئة، أدت إلى تجاهل المعتدلين وإقصاء العقلاء والمثقفين والمحترفين. وكأنها ردة فعل متعمدة، نكاية في المعارضة التي قاطعت الانتخابات. في اعتقادي أننا جميعا نتحمل مسئولية تحكيم العقل، وعدم الانفعال بصورة عاطفية، وأن نبادر إلى تبادل الإشارات الإيجابية وردود الفعل الحضارية، لتوفير المناخ المطلوب للحوار وللتوافق الوطني. فالمسألة ما عادت محصورة فقط ما بين الدولة والتحالف الرباعي، نحن أيضا كمجتمع اقتصادي ومدني سنتضرر من توتير الساحة. فما ذنبنا نحن في هذه التجاذبات والانفعالات؟»

العدد 584 - الأحد 11 أبريل 2004م الموافق 20 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً