العدد 584 - الأحد 11 أبريل 2004م الموافق 20 صفر 1425هـ

«الغرب الأوسط الأوسع» لا «الشرق الأوسط الأوسع»: الحقيقة الغائبة (1/3)

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

«فكلنا سخرنا من تنبؤات كثيرة شهدها الماضي وأصبحت تبدو ساذجة الآن».

لست أعرف من أين جاءت التسمية: «الشرق الأوسط»، ومن هو صاحبها، غير انه تحول إلى مصطلح هلامي فضفاض؛ كل يفسره بحسب مصالحه الخاصة ونظرته الاستعمارية والايديولوجية، وسنرى كيف تداوله العرب والعجم من الناس من دون تمحيص كاف، وقبلوا به كما تقبل العروس عريسها بالصمت الذي يؤخذ على أنه إيجاب بالقبول ودلالة على الرضا.

وبالأمس القريب خرج علينا جورج بوش الابن بمشروع جديد من المحتمل أن يُقَّدم في «قمة الدول الثماني» إذا ما وفقت لذلك له علاقة بهذا «الشرق الأوسط» سنتداوله بشيء من التمحيص والتفنيد المشبع عاطفة لما جاء في مضمونه من دعوة إلى النهوض في مجالات عدة من مجالات الحياة، مؤسس على وثيقة صادرة عن «الكتاب العرب» في «تقريري الامم المتحدة عن التنمية البشرية العربية للعامين 2002 و2003» وهو: «الشرق الأوسط الكبير» كما سماه العرب و«الشرق الأوسط الأوسع» (هناك ما يقارب من 647 موقعا على الانترنت له علاقة بهذا المسمى) أو «منطقة الشرق الأوسط الكبرى» كما سمته الادارة الاميركية، وهي على ما هي عليه من النقص في كل ما تحمله المفردتان: «الكبير» و«الأوسع» من معنى محير كما هو الحال في المسمى: «الشرق الأوسط» المتعدد الوجوه. فـ «الشرق الاوسط» كان كبيرا جغرافيا أكبر بكثير مما جاء في «المشروع الإميركي» الحديث: «الشرق الاوسط الأوسع» هو: «بلدان العالم العربي، زائدا باكستان وافغانستان وايران وتركيا و(اسرائيل)»، (أنظروا هنا كيف تتساوى الأخيرة في الأهمية هذه النقطة مع بحر كبلدان العالم العربي). بيد اننا لو تصفحنا كتب التاريخ لوجدنا أن هناك اختلافا كبيرا في تحديد ماهية هذا «الشرق الأوسط» فهو تارة: «آسيا الغربية» و«الشرق الإسلامي» وهو تارة «ارمينيا، اذربيجان، البحرين، قبرص، مصر، جورجيا، ايران، العراق، «اسرائيل»، الاردن، الكويت، لبنان، عمان، فلسطين، قطر، السعودية، سورية، تركيا، الامارات، اليمن»، وتارة هو: «المنطقة الواقعة عن شرق البحر المتوسط، من تركيا حتى شمال إفريقيا وشرقا حتى ايران» وتارة هو: «موقع الحضارات القديمة مثل فينيسيا وبابل والفرعونية ومولد اليهودية، المسيحية والإسلام» وتارة هو: «الدول التي تقع جنوب غرب آسيا وشمال شرق إفريقيا»، وهو بالنسبة إلى «السي آي أه» قائمتان رئيسية وفرعية، الرئيسية تضم تحت عباءتها: «البحرين، مصر، ايران، العراق، «اسرائيل»، الاردن، الكويت، لبنان، عمان، فلسطين، قطر، السعودية، سورية، تركيا، الامارات» والفرعية تضم: «ارمنيا، اذربيجان، جورجيا، كازخستان، طاجكستان، اوزبكستان، تركمنستان، كيرغيستان، قبرص، القرن الإفريقي، الجزائر، ليبيا، المغرب، الصحراء، تونس، تشاد، مالي، موريتانيا، النيجر، السودان، افغانستان، باكستان». وعند العرب هو «الدول العربية» لا غير. ويطلق عليه «الشرق الاوسط الادنى» وعند «جورج بوش الابن» هو «جزء مهم من العالم» ربما هو كل العالم!. ويطلق عليه «المشرق العربي» ويضم إليه كل من سورية، فلسطين، لبنان، الاردن. وهناك مصطلحات أخرى وهي على هذا النحو: «المسألة الشرقية» وتعني: «العلاقات السياسية بين بعض الدول الأوروبية وبين الامبراطورية العثمانية إبان (القرنين 18 و19) ومطلع القرن العشرين» ومصطلح «تشريق أوسطي» و«يستخدم لتأثير الأحداث في الشرق الأوسط». كما يطلق عليه بالانجليزية Middle East وبالالمانية Mittlerer Osten وبالفرنسية Le Moyen Orient. وهناك إجماع على أن الشرق الأوسط كان أكثر مناطق العالم استهلاكا لمشروعات ترتيب الأوضاع الإقليمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».

هذه العجالة ستأخذ بالمسمى «الشرق الأوسط الأوسع» لكونه ناتجا عن الدولة الداعية له والساعية إلى تحقيقه، ولإيماننا بأنه «ربما» يمثل السياسة الأميركية تجاه المنطقة تمثيلا صحيحا. ومسمى «الشرق الاوسط الكبير» مصطلح غامض غموضا كبيرا فهو حمال أوجه، فقد يكون كبيرا مقاما («العلي الكبير» القرآن) أو كبيرا حجما بمعنى (جثته الجغرافية الضخمة)، أو كبيرا سنا (شيخ كبير) طاعن في السن (أي أن المنطقة شاخت)، أو كبير عقلا وهذا مستبعد لما آل إليه وضعنا المعاصر. وكبير أي ذو قيمة عالية جدا (ربما لما به من خيرات). وكبير أي ذو وفرة في الشيء (ربما وفرة في النفط والماء والزرع والبشر). أما «الشرق الأوسط الأوسع» فهو يمكن فهمه على أنه خرق يسع كل شيء ويمكن أن يوضع فيه كل شيء بحسب رغبة أميركا حتى العالم كله.

تقول «ميدل إيست أون لين» عبر صفحاتها الانترنتية ان «تعبير الشرق الأوسط» عموما «يثير في كل منا انطباعات ملأى بالحياة وعواطف غنية». غير انه في «أذهان الغربيين» لا يعدو عن كونه «صورا مرعبة عن الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة، والصراع بين الفلسطينيين واليهود، صدام حسين والعقوبات الأميركية على العراق، الحكومات العربية الفاسدة، «إسرائيل» باعتبارها القوة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، والأصوليون الإسلاميون والإرهابيون العرب». ولذلك فإن الغربيين ونتيجة لما تحمله وسائل إعلامهم «يحملون العرب آراء سلبية، فهم في نظرهم إرهابيون، متعصبون دينيا، ومتخلفون حضاريا. وهم يعتبرون الحكومات العربية استبدادية وغير ديمقراطية». من هنا لا يرى الغرب «الشرق الأوسط» سوى الأوطان العربية مجتمعة بكل سلوكياته المشينة، وإن كان اعترف كبار مثقفيه وعلمائه بأن «الشرق الأوسط» هذه الأوطان العربية مجتمعة «هو مهد الحضارة الغربية» معترفا بإنجازنا الحضاري يوم نقلنا له العلوم والحساب والدين والقانون والادب والشعر والمسرح.

غير أن هذه المشاعر والآراء السلبية والأوهام والهواجس عندنا وعندهم اختلط بعضها بعضا حتى اصبح من العسير تميز الخيط الابيض من الخيط الاسود منذ أن أعلن بوش مبادرته التي أخذها كما يقال من صلب فكر «المفكر العربي» الذي نشر في تقريرين لـ «الأمم المتحدة» خاصين بمنطقة الدول العربية وليس «الشرق الأوسط الأوسع». وقد برزت علامات استفهام كبيرة عن معنى هذه المبادرة، «وسط أجواء وأوضاع تمر بها منطقتنا المتفجرة». وصفق لها كثيرون علنا وسرا «وهم الذين يتطلعون إلى اللحاق بركب الدنيا والحضارة بعد أن تخلفنا عنها قرونا».

وحشد فريق آخر كل ما في وسعه من أدوات ليعترض عليها بشكل مطلق لا مجال فيه للتبصر» أما البعض الآخر «أمسك العصا من الوسط، فأخذ على العرب تسرعهم في الرفض أو القبول قبل دراسة محتوى المبادرة الأميركية دراسة وافية ومتأملة».

ولنذكر فقط ببعض الكتابات التي جاءت من قبل كتاب عرب لهم توجهاتم الحزبية والفكرية في شأن هذه المبادرة، فالاسلامي المعروف فهمي هويدي يقول في شأن هذه المبادرة: «ان المشروع: «له جذوره التي تمتد إلى العام 92 حين اعد بول وولفوتيز مساعد وزير الدفاع آنذاك ديك تشيني (في ولاية بوش الأب) دراسة عن توجهات سياسة الدفاع في الولايات المتحدة، دعا فيها إلى إعادة النظر في الاستراتيجية، بعدما خلت لها الساحة، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين، ودخول العالم حقبة القطب الأوحد. في تلك الدراسة تحدث وولفويتز عن ضرورة منع ظهور أي منافس للولايات المتحدة في الساحة الدولية، ودعا إلى الاهتمام بتوسيع مناطق الديمقراطية والسلام في العالم». وقد شاءت المقادير أن يصبح وولفويتز نائبا لوزير الدفاع في الإدارة الحالية، وتشيني نائبا لرئيس الجمهورية». ويضيف «أن صك مصطلح الشرق الأوسط الكبير وتخير دول بذاتها للانخراط فيه يعبر عن حال من الاستعلاء المسكون بسوء النية. فالإدارة الأميركية التي أعطت لنفسها حق تقسيم العالم إلى أبرار وأشرار، مارست الأسلوب نفسه وقررت أن تخترع إقليما جديدا بتلك التسمية المبتدعة. وهو الأسلوب الذي اتبعه الإنجليز أيام إمبراطوريتهم الاستعمارية حينما تحدثوا عن الشرق الأدنى والشرق الأوسط. فضلا عن ذلك فالاختراع الأميركي الجديد يطمس معالم المنطقة المعنية ويتجاهل هويتها، من حيث انها لم تعد عربية أو إسلامية، وكان لابد من أن يفعل ذلك لإفساح المجال للحضور الإسرائيلي الذي يحتل الحيز الأكبر في الاهتمام الأميركي».

ويؤكد هويدي ان «إطلاق المبادرة مهرجانا لتدشين حملة بوش الانتخابية، وقد تحولت حكاية إصلاح أحوال الأمة إلى إحدى أوراق الحملة، التي يريد منظموها أن يبرزوا خلالها أيادي الرئيس بوش البيضاء على البشرية». أما الكاتب المصري (اليساري) فقد اختصر كل شيء بشأن هذا المشروع/المبادرة بقوله في صحيفة «القبس» الكويتية: «مصطلح «الشرق الأوسط الكبير» هو آخر العنقود من مواليد الفكر الإمبريالي الأميركي»! فهو بالنسبة إليه لا يعدو كونه فكرا امبرياليا محضا مرفوضا جملة وتفصيلا.

وكتب عمار علي حسن في «صحيفة الحياة» في فبراير2004 مقالا بعنوان مشروع «الشرق الأوسط الكبير»... هل يمكن المزاوجة بين الإسلام والليبرالية؟» قائلا ان «الصيغة التي تسعى الولايات المتحدة في الوقت الراهن إلى تطبيقها في المنطقة تحت لافتة «الشرق الأوسط الكبير» تقوم أساسا على تعميم «النموذج التركي» على الدول العربية والإسلامية، ما يعني إيجاد حال من التوافق بين الإسلام والعلمانية، أو حدود التصور الديني وما تتطلبه الليبرالية، بشقها السياسي «الديمقراطي» وشقها الاقتصادي «الرأسمالية» من أطر نظرية وسلوك عملي في آن. وهذه الصيغة إن كانت تطالب الأنظمة الحاكمة بـ «إصلاح سياسي» و«تحرر اقتصادي»، فإنها في الوقت ذاته تسعى إلى «لبرلة» أفكار وتصورات الحركة الإسلامية المعاصرة».

أما الكاتب صالح البشير فقد كتب في «الحياة» عن «الشرق الأوسط الكبير ونشر الديمقراطية: عارضان إمبراطوريان»، قائلا: «هل تفعل الولايات المتحدة، إذ تبتدع ذلك «الشرق الأوسط الكبير»، غير ما فعلته كل امبراطورية انتصرت وتسعى إلى إحكام سلطانها؟ فالإمبراطوريات المنتصرة مهما بلغت من «الفضائيّة» وتخففت من كل جاذبية «ترابية»، لا يمكنها أن تسجل ولادتها قطبا مهيمنا وبلوغها تلك المنزلة، إلا على الأرض وبواسطة الفعل فيها وفي مصائر كياناتها، التي تبدو ضربا من طقس تأسيسي: صنع الخرائط أو إعادة رسمها، واجتراح الكيانات أو إلغائها، وإدراج أهلها في مسارات وفي تواريخ، أو في وجهات تاريخية أخرى».

وأضاف مستطردا أن «التاريخ لا يتقدم مستقلا، بل تمليه الإمبراطوريات. وقد يكون من سمات الإمبراطورية ومن تعريفاتها المحتملة أنها «صاحبة السيادة على التاريخ». وان «مثل ذلك النازع إلى إعادة رسم الخرائط، فعلا إمبرطوريا خالصا وتأسيسيا، هو ما قد يكون الدافع «الخفي» والأقوى للحرب الأميركية الأخيرة في العراق، التي لا يجد المرء لها مبررا، لا أسلحة الدمار الشامل، التي استندت إلى معلومات كاذبة وملفقة، ولا التواطؤ مع إرهاب «القاعدة» التي لم تطأ أقدامها أرض العراق إلا بعد احتلاله(!)، ولا عدوانية نظام صدام الغريزية التي «دُجنت» منذ حرب الخليج الثانية، ولا حتى تهديده لـ «إسرائيل» الذي بات أثرا بعد عين، إن افترضنا أنه كان في يوم من الأيام ماثلا. أما تخليص العراقيين من جلادهم، فنُجلّ الولايات المتحدة عن مثل ذلك «الإيثار». يبقى إذا ذلك النازع الإمبراطوري تفسيرا لما حدث، اندفاعا جارفا لا يعبأ بالعالم وبتوازناته وبهيئاته وبالقوانين والأعراف السارية فيه. وقد حدس العالم ذاك بصفته الإمبراطورية تلك فتصدى له ولم يفلح».

«الشرق الأوسط الكبير» بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هوالمفهوم المعبر عن نزوعها الإمبراطوري إلى الفعل المباشر في شئون العالم، إذ تتجاوز مجرد التأثير إلى صوغ الكيانات ونظمها وإعادة رسم الخرائط، وحيث تتخطى الاضطلاع بدور «القيادة» إلى تولي مسئولية الحكم المباشر». وبذلك نستنتج «أن هذا النزوع الإمبراطوري لابد أن يستند إلى طرح إيديولوجي. ويبدو أن الولايات المتحدة وجدت ضالتها تلك في «نشر الديمقراطية» الذي «قد يمثل إيديولوجية الإمبراطورية الأميركية في طورها المستجد هذا، تلك التي ستُوظف على ما نحو ما توُظف الإيديولوجيات عادة، تسويغا لسيطرة، وخطابا يتستر على غاياته بسخائه المبدئي أو القيمي»

العدد 584 - الأحد 11 أبريل 2004م الموافق 20 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً