العدد 586 - الثلثاء 13 أبريل 2004م الموافق 22 صفر 1425هـ

الشيخ عبدالأمير الجمري... رجل صنعته العذابات والتضحيات

عبدالجليل خليل comments [at] alwasatnews.com

.

تمر علينا هذه الايام ذكرى وضع الشيخ عبدالامير الجمري تحت الاقامة الجبرية 1 ابريل / نيسان 1995، ثم الاعتقال في 14 ابريل 1995. واستذكار بعض جوانب حياة الشيخ الجمري هو استذكار لنضال الامة من أجل حقوقها.

الحديث عن الشيخ الجمري حديث ذو شجون، فالشيخ أعطى كلّ ما يملك وحين تحقّقت بعض الثمار غاب عن الأنظار حاله حال الشهداء، فقد شاءت القدرة الإلهية أن يستريح المحارب لحكمةٍ يصعب على المرء فهمها، وخصوصا أن الساحة الآن في أمسّ الحاجة إليه، فالشيخ لم يكن فيلسوفا ولا مفكّرا أو منظِّرا، لكنّه كان أبا عطوفا على أبنائه ورجل مبادرات. كان الجمري رجلا له تاريخ صنعته العذابات والسجون.

لم يكن هناك حدّ أو فاصل يفصله عن أبناء الشعب على رغم انشغالاته وتدهور صحّته، فزياراته لأهل البحرين شرقا وغربا، شمالا وجنوبا بقدر الإمكان، لم تتوقّف سواء في المناسبات أو الأعراف، وسواء في وقت الشدّة أو الرخاء، فباب الشيخ ظلّ مفتوحا للرجال والنساء والشباب. وكان قلبه حنونا على الشباب، خصوصا حين يحتاجون إلى الدعم المادي أو المعنوي، وكان إذنا صاغية لكلّ مشكلاتهم وهمومهم الخاصّة والعامّة. وكان متواضعا يجلس مع الصغير والكبير يُشاورهم ويُشاورونه ولا يجد في نفسه غضاضة أن يعمل برأيهم إذا وجد فيه مصلحة أو ثبت في رأيهم صحّة. ولستُ أبالغ حين أقول إنّه ما كان يُفرِّق بين أبنائه وكلّ الشباب، خصوصا أيام المحنة. ولعلّكم تذكرون حين عُرِضَ عليه إطلاق سراح أبنائه مقابل السكوت عن المطالب فردّ على الوسيط قائلا: «كلُّ الشباب أبنائي» قالها على رغم شدّة الألم الذي كان يعتصره من فراق الأبناء، بعضهم في السجن والبعض الآخر في المنافي. ولأنّ شعوره بالأبوة كان صادقا لم يستطع أن يعيش بعيدا ولا منعزلا عن أبنائه، وإنّما كان دائما حاضرا بينهم يتحسّس آلامهم ويدافع عن ظلامتهم. فلم يسمع عنه يوما أنّه وقف موقفا سلبيا من أيّة قضية كان يستطيع فيها أن يقول شيئا مؤثرا فسكت، أو يقوم بعمل إيجابي فتراخى. بل كان حاضرا في الساحة على الصعيد الاجتماعي والسياسي لم يمنعه خوف ولا تعذّر بأعذار.

دخل في القضاء في العام 1977 حين كان البعض يعارضه ويشكّك في صحة قراره، لكنّه دخل لقناعته بحاجة الناس إلى الحلول العملية بدل التنظير والتماس الأعذار. دخل بعد أن حصل على الإجازة الشرعية وظلّ محافظا على نهجه وانفتاحه على مشكلات الناس حتى فصل تعسفيا العام 1988 فخرج نظيفا كما دخل، وخدم الناس بقدر الاستطاعة.

وفي الوقت الذي كان الشيخ يصرّ على التمسّك بالثوابت والأصول الإسلامية إلا أنّه كان يحمل عقلا منفتحا جمعه في العمل الإصلاحي حتى ببعض الذين يتبنّون أطروحات أخرى حين رأى فيها للوطن مصلحة وليس فيها على الدين مفسدة. ولعلّ أكثر ما كان يُميّز الشيخ في كلّ سنيِّ العمل السياسي والاجتماعي التزامه النهج السلميّ حتى في أحلك الظروف. وليس هذا ادعاء، فالكل يستطيع أن يُراجع خطب الشيخ وبياناته الموثّقة ولن تجد كلمة فيها عنف ولا دعوة فيها تحريض. وهذا هو الخط الوسطي الذي التزم به الشيخ ودعا إليه في خطبه، حضورٌ فاعلٌ، انفتاحٌ إيجابيٌّ ونهجٌ سلميٌّ لأهدافٍ عادلة.

رجل المبادرات

لم يكن الجمري ليقبل أن يرى الساحة تحترق في حضوره فيغلق بابه خلفه وينام. وما كان يفّوت أيّة فرصةٍ يمكن أن يحقّق من خلالها بعض الحقوق فيتقاعس حتى وإن كلّفه ذلك السجن والتشريد له ولعياله. ولذلك تقدّم مع إخوته من داخل السجن بالمبادرة في 1995 التزاما بالأسلوب السلمي وحفاظا على مصلحة الوطن.

ولم ينس الشيخ الاول من ابريل 1995م والزنزانة الانفرادية لثلاث سنوات ونصف ولا المحاكمة الظالمة، ولم يكن ساذجا بتفاصيل الامور لكنّه ما أن رُفعت عنه الإقامة الجبرية حتى تقدّم بمبادرة الموافقة على ميثاق العمل الوطني بشرط إطلاق سراح المعتقلين وعودة المبعدين وعودة الحياة النيابية، لأنّ همّه الوطن وشغله الشاغل مطالب الناس. ولن ننسى زيارته التاريخية لجمعية الإصلاح ودعوته المخلصة لرصِّ الصفوف واتحاد القلوب، والالتفاف حول راية الوطن. والحقُّ يُقال إنّ أهل المحرّق الكرام وعلى رأسهم الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة ردّوا التحية بأحسنَ منها، وشاركوا بثقلٍ كبير من رموزهم في أكثر من مناسبة، توِّجت بتشكيل لجنة تنسيقية، لكنّ غياب الشيخ حال دون تفعيلها، وتبقى المبادرة خطوة تنتظر الاستثمار.

مواقف مشهودة

وما كان الشيخ يرفع شعارا إلا وكان أول العاملين به، وما كان يطالب الناس بالعمل ثم يتراجع ويختبئ حفاظا على سلامته وسلامة أهله.

عرفه الناس عند سقوط الشهداء فكان أول المصلّين على جسد الشهيد هاني عباس خميس في السنابس وهاني الوسطي في جدحفص في ديسمبر/كانون الاول 1994، والوحيد يستنهض الناس في الدراز للصلاة على جسد الشهيد عبدالحميد عبدالله قاسم في مارس/اذار 1995 على رغم كثافة قوات الأمن وغزارة مسيلات الدموع. وعرفه الناس يقيم صلاة الجماعة في بني جمرة والدراز وفي مسجد الصادق (ع) بالقفول حتى في أوقات الحصار واستخدام الشرطة للهراوات والرصاص المطاطي. وعرفه الناس حين اعتصم مع رفاقه احتجاجا على عدم تنفيذ بنود المبادرة وأصبح منزله مركزا لأكبر حركة احتجاج عرفها تاريخ البحرين في 1 نوفمبر/تشرين الثاني.

خرج الشيخ أخيرا من الإقامة الجبرية في فبراير/شباط 2001 أكثر إصرارا على خدمة شعبه واستقبلته الجماهير بالزهور والرياحين في جامع الإمام الصادق(ع) بالدراز. وما كان لأحد أن يعبُر ذلك المنعطف الخطير ويعود إلى موقعه كما كان كبيرا في قلوب الناس لولا ذلك التاريخ الطويل من النضال. بدأ من النجف الأشرف مُتفقِّها في الدين لأكثر من أحد عشر عاما عاد بعدها لبلده نائبا في برلمان الثلاثة وسبعين وقاضيا، ثمّ رمزا ومعارضا لا يكلُّ ولا يمل. ويبقى الجمريُّ حتى يعود (إن شاء الله) تاريخا من النضال والعذابات ولحنا يستلهم منه العزم والثبات

إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل خليل"

العدد 586 - الثلثاء 13 أبريل 2004م الموافق 22 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً