العدد 596 - الجمعة 23 أبريل 2004م الموافق 03 ربيع الاول 1425هـ

فلسطين... والعودة إلى البدايات (3)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

راهنت «إسرائيل» على عامل الوقت لتآكل الحقوق الفلسطينية فأجلت الاستحقاقات الكبرى إلى زمن لاحق مستفيدة من الضعف العربي والانقسامات بين الدول العربية. كذلك راهنت على حاجة الولايات المتحدة لدورها الإقليمي المحدود وتهديد الاستقرار في المنطقة حين تحتاج واشنطن. آنذاك كانت وظيفة «إسرائيل» الأمنية تراجعت بعد حرب الخليج الثانية بعد أن انتشرت جيوش أميركا في المنطقة وباتت تستطيع استخدامها عندما تضطر إلى ذلك. إلا أن تل أبيب حاولت تجديد دورها من خلال اقناع الإدارة الأميركية بضرورة توسيع مفهوم «الشرق الأوسط» وادخال الكثير من الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي إلى دائرته.

لجأت «إسرائيل» إلى كل أساليب الخداع وتحايلت على القرارات الدولية وماطلت في تنفيذ الاتفاقات التي وقعتها مع الجانب الفلسطيني وضغطت على القيادة التاريخية للعب دور «الوكيل» أو الشرطي الإسرائيلي في الضفة والقطاع. ونجحت تل أبيب في الكثير من الحالات في توريط القيادة الفلسطينية وجرها إلى ارتكاب تجاوزات سياسية ضد المعارضة الأمر الذي جعل منظمات حقوق الإنسان توجه سلسلة انتقادات قاسية بسبب تلك التجاوزات.

باختصار أرادت «إسرائيل» تلويث سمعة القيادة التاريخية وتوريطها في انتهاكات صارخة ضد الإنسان الفلسطيني وحقوقه المدنية والسياسية لتجد لنفسها براءة ذمة مما ارتكبته هي من مصادرات وطرد وقتل ومجازر وانتهاك لحقوق الشعب الفلسطيني.

بداية تجاوبت بعض الاتجاهات السياسية في القيادة التاريخية مع طلبات تل أبيب وتورطت في انتهاكات صارخة وكاد الأمر يتحول في حالات معينة إلى نوع من المواجهة الأهلية بين التنظيمات الفلسطينية. إلا أن رعونة «إسرائيل» وطلباتها لم تتوقف عند حدود معقولة. فكانت تطلب المزيد بعد كل مرحلة من دون أن تقدم المقابل الموضوعي لذلك. بل لجأت إلى زيادة الاستيطان وبناء المزيد من المستعمرات في أراضي الضفة والقطاع وأسكنت مئات العائلات «المهاجرة» من دول المعسكر الاشتراكي في الأراضي التي اتفق على إعادتها.

راهنت «إسرائيل» على عامل الوقت ووجدت نفسها بعد ضرب قوة العراق العسكرية في حرب الخليج الثانية في موقع الأقوى وبالتالي تستطيع الحصول على الأكثر فلماذا تقبل بالأقل وتتنازل عن أراض إلى سلطة مفككة تمر في ظروف عربية هزيلة. كانت «إسرائيل» تريد أخذ ما تريده من الجانب الفلسطيني من دون مقابل. وكان الجانب الفلسطيني في المقابل تتقلص علاقاته العربية ويزيد من رهانه على العامل الدولي (الأميركي) مطمئنا إلى أن واشنطن لن تتخلى عن ضماناتها وتتنكر لما وقعته من اتفاقات وتعهدت بتنفيذه .

اعتمدت القيادة الفلسطينية في تنازلاتها على فكرتين: الأولى الضعف العربي وميل ميزان القوة إلى مصلحة «إسرائيل». والثانية دور العامل الدولي (الولايات المتحدة) في إنتاج صيغة تسوية معقولة وعادلة تعتمد مبدأ التنازل عن «النصف» مقابل الحصول على «النصف».

كل هذا كان قبل 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وبعد 11 سبتمبر «كان ما كان» إذ تخلت الولايات المتحدة عن وعودها وضماناتها، كذلك تنازلت عن دور «الراعي» وتحولت إلى ذئب يشجع شارون على المزيد من الافتراس. والقصة لاتزال في فصولها الأولى.

القيادة الفلسطينية الآن أمام وضع صعب، فهي أصبحت من دون حماية ولا ضمانات ولا مظلة دولية. وكل ما تخلت أو تنازلت عنه بات من الماضي. فشارون الآن يطالب بنصف الحصة المتبقية، ويرفض قيام دولة مستقلة ذات سيادة والولايات المتحدة أعلنت تأييدها لخطته في رسالة خطية.

القيادة الفلسطينية اليوم تجد نفسها في وضع يشبه تلك الأيام الأولى في بدايات إعلان الكفاح المسلح والتحرير الشامل لفلسطين من البحر إلى النهر. فالعدو يرفض القبول حتى بالقرارات الدولية، وأميركا تخلت عن وظيفة «الراعي»، وعرفات محاصر، والسلطة مهددة بالاقتلاع، وشارون أعلن أنه سيستمر في سياسة التصفيات والاغتيالات والاجتياحات الصغيرة.

الآن أعاد التاريخ الدائرة الفلسطينية إلى منطلقاتها الأولى. فالتسوية بحاجة إلى طرفين، والسلم يجب أن يقوم على تنازلات متبادلة... وهذا الأمر غير متوافر الآن وبالتالي فإن الرهان على الدور الأميركي سقط، كذلك بناء دولة فلسطينية في الضفة والقطاع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 596 - الجمعة 23 أبريل 2004م الموافق 03 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً