العدد 596 - الجمعة 23 أبريل 2004م الموافق 03 ربيع الاول 1425هـ

هل يتمكن بوتفليقة من تحقيق المصالحة الوطنية؟

بعد انتصاره الساحق

صلاح الدين الجورشي comments [at] alwasatnews.com

.

نجح عبدالعزيز بوتفليقة في الحصول على التفويض الشعبي للبقاء خمس سنوات أخرى على رأس الدولة الجزائرية. فالفارق في الأصوات بينه وبين منافسيه كان كبيرا، ما فاجأ المتابعين لهذه الانتخابات، الذين توقعوا أن تكون موازين القوى متقاربة، وخصوصا بالنسبة إلى المرشح علي بن فليس. وسواء صحت بعض اتهامات المعارضين له بتزوير النتائج أم لا، فالمؤكد أن هناك جزءا مهما من الرأي العام الجزائري مؤمن بقدراته على إدارة شئون البلاد، ومطمئن لأدائه السياسي، وواثق بوعوده الخاصة بتحقيق المصالحة الوطنية وتحسين الأوضاع العامة. يضاف إلى ذلك أن بقاءه في السلطة أثار ارتياح كثير من الأطراف الدولية والإقليمية، إذ لوحظ أن فرنسا كانت في مقدمة من هنأ بوتفليقة ورحب بانتصاره. كما اعتبر بعض المراقبين أن العملية الانتخابية تمت وفق المعايير الأوروبية.

الآن وقد تجاوز الرئيس الجزائري العقبة التي كان متخوفا منها، ماذا يمكنه أن يحقق لناخبيه؟


هذه عناصر النجاح

عوامل عدة ومتشابكة ساعدت على تحقيق هذه النتيجة من أهمها ما يأتي:

- الإنجازات التي تحققت على الأرض. وعلى رغم أن خصومه يحاولون التقليل من أهمية ذلك، فإن عموم الجزائريين ربما نظروا إلى الأمور من زاوية مختلفة. فالوضع الاقتصادي تحسّن نسبيا، بفضل عاملين على الأقل، هما: انحسار ظاهرة العنف والارهاب من جهة، وازدياد مداخيل النفط من جهة ثانية.

- تحسن الوضع الأمني بعد السنوات العجاف التي قضت على الاستقرار وكادت أن تقلب موازين القوى. وعلى رغم الجدل الذي دار حول صيغة الوئام الوطني، فإن تحييد الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحل جناحها العسكري، ثم العفو الذي شمل كل المسلحين الذين سلّموا أنفسهم، ساعد بشكل حاسم على عزل بقية التنظيمات المتطرفة، التي تراجعت قوتها كثيرا أمام ضربات الجيش.

- تشتت خصومه وضعف المعارضة. فعلى رغم الحريات الواسعة المتوافرة حاليا في الجزائر، فإن أحزاب المعارضة لاتزال ضعيفة، وتفتقر إلى استراتيجية موحدة، وهو ما يفسر عدم قدرتها على تهديد موازين القوى. لكن مع ذلك هناك جانب من الصورة لايزال غامضا، فحزب جبهة التحرير يشكل القوة الرئيسية في هذه المرحلة، وبما أن غالبية كوادر الحزب قد وقفت إلى جانب علي بن فليس، الذي خاض حملة انتخابية ناجحة نسبيا، فكيف تفسر النسبة التي حصل عليها، والتي لم تتجاوز ثمانية في المئة؟

- استثمار جيد للتناقضات والتباينات القائمة بين مختلف الحركات الإسلامية. لقد حافظ بوتفليقة على علاقة تعاون وثيق مع «حركة السلم» التي أسسها المرحوم الشيخ محفوظ نحناح، والتي أعلنت تأييدها للرئيس الحالي. كما نجح في تحييد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بل وكسب مناصرة شق من القياديين لترشحه. وعزز ذلك بالعلاقات التي أقامها مع الحركة الصحافية وشيوخ الزوايا، إلى جانب ولاء ما يسمى بـ «الإسلام الرسمي».

- حسن التعامل مع المؤسسة العسكرية التي وإن تمسكت - ظاهريا على الأقل - بالبقاء على الحياد، إلا أن ذلك الموقف لم ينعكس سلبيا على بوتفليقة. وخلافا لبعض التوقعات فقد استفاد من ذلك الموقف، وخصوصا بعد أن ارتفعت أصوات معارضة وطالبت بتدخل الجيش في الحياة السياسية، وقامت بتحريضه ضد الرئيس الحالي بحجة حماية المسار الديمقراطي من التزوير، على رغم أن الجنرالات سبق أن اتهموا بكونهم هم الذين جاءوا ببوتفليقة من الإمارات ودعموه في انتخابات العام 1999. فالمؤسسة العسكرية لم تنقسم هذه المرة على نفسها كما توقع البعض، بعد الهجوم العاصف الذي شنه الجنرال خالد نزار على الرئيس الحالي، وهو ما يعني أن المعطيات داخل المؤسسة العسكرية قد تغيرت عما كانت عليه خلال المواجهة مع جبهة الإنقاذ وسنوات الحرب الأهلية. لقد أراد الجيش أن ينأى بنفسه هذه المرة عن منطقة الشبهات، ويترك السياسيين يتحملون مسئولياتهم. ففي الجزائر توجد حال من تقاذف المسئولية بين العسكريين والسياسيين. فالمدنيون يتهمون باستمرار الجيش بكونه المعرقل للنمو السياسي من خلال المحاصرة الشديدة للمؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها السلطة التنفيذية التي لا يمسك بها إلا من يرضى عنه الجنرالات. لكن لهؤلاء وجهة نظر أخرى، اذ وجه الجنرال محمد التواتي في تصريح قديم أدلى به لمجلة «جون أفريك» 1994، قال يومها: «الجزائر لا تملك الطبقة السياسية التي تستحقها، ففي كل مرة نعود فيها إلى ثكناتنا يلجأون إلينا في أول صعوبة تعترضها. ففي العام 1988 تمت دعوتنا لإعادة الأمن العام ثم اتهمونا بأننا أطلقنا النار على الجمهور. وفي العام 1992، توجهت إلينا أحزاب سياسية كثيرة ومنظمات المجتمع المدني بنداء من أجل إنقاذ الجمهورية».


من الوئام إلى المصالحة

قال بوتفليقة لتبرير ترشحه لدورة ثانية إن السنوات الخمس التي قضاها في الحكم لم تكن كافية لإتمام الإصلاحات التي وعد بها. لهذا ينتظر المراقبون ما سيقوم به بعد أن حصل على التفويض الشعبي للبقاء فترة أخرى. ولعل أبرز الملفات التي ألح عليها وجعل منها شعار حملته الانتخابية هو «الانتقال من مرحلة الوئام المدني إلى مرحلة المصالحة الوطنية». ويقصد بذلك الانتقال إلى مرحلة إعادة إدماج الذين كانوا يعتبرون سابقا خارجين على القانون والدولة في الحياة السياسية. وإذ لايزال الغموض يكتنف ملامح الخطة التي ستنفذ لتحقيق هذا الغرض، فإن الموضوع ليس سهلا أو بسيطا. فقيادة جبهة الإنقاذ، تراهن على استعادة وضعها القانوني ودورها السياسي، على رغم التغييرات الواسعة التي تمت بالجزائر. وهو ما يفسر تأييدها بصيغ مختلفة لبوتفليقة، إذ يأمل كثير من القياديين في أن يتخذ قرارات «شجاعة» تتعلق بمستقبل حركتهم.


هل يقبل الجيش بجبهة الإنقاذ؟

في مقابل ذلك لا يعرف كيف سيكون رد فعل المؤسسة العسكرية في صورة إن قرر الرئيس الشروع في تحويل شعار «المصالحة الوطنية» إلى حقيقة سياسية. فالجيش كان ولايزال من أهم القوى المعادية لعودة «الإنقاذيين» إلى العمل السياسي. وعلى رغم التصريح الشهير الذي أكد فيه رئيس الأركان محمد العماري أن الجيش سيقبل بنتائج صناديق الاقتراع، حتى لو أفرزت انتصار أحد الإسلاميين، فإنه لم يشر في ذلك إلى عباسي مدني أو علي بلحاج، وإنما ضرب مثالا بالشيخ جاب الله المعروف باعتداله، وعدم لجوء أنصاره إلى العنف.

وإذا كانت قيادة الجيش ممثلة في المتحدث باسمها الجنرال العماري، قد اختارت «الابتعاد عن المطبخ السياسي» فإنها اعتبرت من واجبها التدخل في حال انتخاب شخص يهدد الديمقراطية والتعددية والنظام الجمهوري. كما أنه لايزال يوجد على رأس الكثير من القطاعات العسكرية الحيوية جنرالات أقوياء ينتمون إلى دائرة الاستئصاليين، ويرفضون بقوة محاولات إعادة الاعتبار إلى من يعتبرونهم «الأعداء الاستراتيجيين»، حتى لو أدى بهم ذلك إلى الدخول في خلاف مفتوح مع الرئيس بوتفليقة. فمعركة هؤلاء مع الإنقاذيين معركة حياة أو موت.

إلى جانب هذا الجناح من العسكريين، هناك قوى أخرى مدنية تدعم خيار الاستمرار في مشروع الإقصاء والاستئصال. وهؤلاء - الذين يتشكلون من بعض الأحزاب والشخصيات والمنظمات والمثقفين - يتهمون بوتفليقة بالتحالف مع الإسلاميين لكي يضمن لنفسه البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.

من هذه الزاوية، سيكون ملف الجبهة الإسلامية للإنقاذ محورا رئيسيا من محاور الحياة السياسية خلال الأشهر المقبلة. ويتوقع أن يمارس كلُ طرف الضغوط التي تمكنه من التأثير على سلطة القرار. وإذا كان من المؤكد أن الخيار الأمني قد فشل في القضاء على «الجبهة» التي عادت، على رغم موت عشرات الآلاف من أنصارها، لتشكل رقما مهما على الخريطة السياسية الجزائرية، فإن ذلك لا يمنع من القول بأن هذا الفصيل الحزبي يجد نفسه، بعد مرحلة القمع والتيه والمغامرات غير المحسوبة، يتخبط حاليا في مشكلات هيكلية خطيرة، ولا تعرف قدراته الحقيقية. كما أنه لا يملك مشروعا سياسيا واضح المعالم، بعد أن ثبت انهيار مشروعه السياسي السابق، وبعد المأزق الخطير الذي تورطت فيه الأجنحة الأكثر عنفا داخل ما يسمى بـ «السلفية الجهادية»

العدد 596 - الجمعة 23 أبريل 2004م الموافق 03 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً