العدد 600 - الثلثاء 27 أبريل 2004م الموافق 07 ربيع الاول 1425هـ

الأمن الخليجي... رؤية أخرى

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

يمثل الأمن الخليجي قضية عالمية لكنه قبل كل شيء قضية لسكانه. ولقد ظلت القوى العظمى تصيغ هذا الأمن لتتلاءم مع مصالحها، وليس مصالح أهله. فرضت بريطانيا على الخليج ما عرف بالسلم البريطاني (Paxa Britaica) لضمان الملاحة ما بين شبه القارة الهندية والمنطقة المطلة على الخليج، وضمان تدفق النفط لاحقا.

بعد ذلك أتتت الحقبة الأميركية والسلم الأميركي (Paxa Americana) لضمان تدفق النفط وبقاء الدول المطلة على الخليج تحت هيمنتها. خلال هاتين الحقبتين لم تسأل بريطانيا ولم تسأل أميركا بعدها عن المصالح الحقيقية للسكان، ولم تنظرا إلى الأمن نظرة المصالح الإنسانية ولم تشجّعا التعاون الإقليمي للدول المطلة على الخليج بل اتبعت السياسة البريطانية ذاتها: «فرق تسد».

أما الرؤية الأخرى لكل من بريطانيا والولايات المتحدة، فهي اعتبار بلدان الخليج (مجلس التعاون لاحقا)، على أنها كيان لوحده، ولا ينتمي إلى الأمة العربية بآمالها وهموها. هذه الرؤية ضمن رؤية أشمل وهي إنكار القومية العربية وتأكيد الإطار الإقليمي مثل الشرق الأوسط، وأخيرا الشرق الأوسط العظيم، إذ تندمج «إسرائيل» وغيرها من توابع الولايات المتحدة.


مبدأ بوش

أضحى مبدأ بوش بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول معروفا، ولكن ما هو مهم هنا هو انعكاساته على أمن الخليج.

1- جرى تعظيم القوات التابعة للقيادة المركزية مع شن الحرب ضد العراق، فقد تجاوز عدد هذه القوات التي تخوض الحرب في العراق والتي تدعمها في الخليج 350 ألفا، وعلى رغم انتهاء الحرب رسميا واستمرار العمليات الحربية، فإن العدد بحدود ربع مليون ولا يتوقع أن ينخفض العدد المعتاد إلى مستوى ما قبل الحرب. إضافة إلى ذلك فقد أنشأت قيادة الحرب ضد العراق العمليات اللوجستيكية في قاعدة السيلية في قطر، وقاعدة اسناد في قاعدة الدوحة في الكويت، مع استمرار قاعدة أخرى في الخليج تعتبر قيادة العمليات البحرية والاستخبارات.

2- جرى التخلي عن سياسة احتواء الأنظمة المشاكسة مثل العراق، وبدلا من ذلك شنّ الحرب للإطاحة بالنظام واستبداله بنظام موالٍ للولايات المتحدة، لدولة منزوعة السلاح تقريبا.

3- الاستمرار في الفصل بين الالتزامات المطلوبة من قبل دول المنطقة وخصوصا إمداد الولايات المتحدة وحلفائها بالنفط الرخيص، وضغط الولايات المتحدة على حليفتها «إسرائيل» للالتزام بالقرارات والقانون الدولي، وإيجاد حل للمأساة الفلسطينية.

4- التعاطي لأول مرة مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة التي أسهمت في حال اليأس وصعود التطرف والأصولية، وبدلا من سياسة امتداح الأنظمة جرى تبني سياسة نقدية وزجرية لكي تقدم هذه الأنظمة على الإصلاحات حسب الخط الأميركي. ومن هنا جرى إطلاق برنامج الشراكة الأميركية الشرق أوسطية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في بداية العام 2003 ومشروع الشرق الأوسط العظيم في بداية العام 2004.


أين الخلل؟

أضحت الاستراتيجية الكونية الأميركية ضد الإرهاب في فوضى كبيرة والعراق في اضطراب شديد وأكثر خطورة على جيرانه مع احتمال انتقال الفوضى إليهم. وغالبية العراقيين تنظر للأميركان كمحتلين وليس محررين.

أما في إيران فقد مُني أولئك المحبّذون للتقارب مع الولايات المتحدة بهزيمة كبيرة. ومع تزايد القمع الأميركي للشيعة في العراق فإن مشاعر العداء تجاهها ستتصاعد. وفي الخليج فإن غالبية الناس تمقت الأميركيين لقمعهم الشعب العراقي ودعمهم المطلق لـ «إسرائيل».

أضحت الولايات المتحدة في حال خصام مع الحكام بعد أن كانت في خصام مع الشعوب. وحتى المؤسسات الاجتماعية التي يمكن أن تستفيد من البرنامج الأميركي للديمقراطية وحقوق الإنسان تنأى بنفسها عن الوكالات الأميركية المختصة حفاظا على صدقيتها.


رؤية بديلة

هناك حاجة ماسة إلى أمن خليجي بديل يقوم على تعاون الدول المطلة على الخليج كحجر للزاوية، ومصلحة أبناء الخليج كنقطة مركزية. لم يعد لإيران أو العراق مطامع توسعية أو نزوع للهيمنة. ففيما العراق غير قادر على ذلك فإن إيران وباستثناء قضية الجزر الثلاث، أظهرت رغبة إيجابية في التعاون مع دول مجلس التعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والنفطية وغيرها. يتوجب أيضا إدماج اليمن في مجلس التعاون الخليجي وفي النظام الأمني الخليجي الجديد، كعمق للنظام الأمني العربي وليس بمعزل عنه.

انني لا أرى دورا مفيدا للناتو في نظام أمن الخليج، وعلى النقيض من ذلك فإن مثل هذه الرؤية ضارة. أما بالنسبة إلى الأمم المتحدة فإنها يمكن أن تساعد في نظام أمني خليجي بشكل إيجابي.

ورقة قدمت في مؤتمر الناتو وأمن الخليج، الدوحة 19 - 20 ابريل/ نيسان 2004م

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 600 - الثلثاء 27 أبريل 2004م الموافق 07 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً