العدد 602 - الخميس 29 أبريل 2004م الموافق 09 ربيع الاول 1425هـ

ليبرالية أوروبا تخرج كوادر الأصوليين وكذلك البؤس والفقر

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

العدد الأكبر من الذين نفذوا جريمة الاعتداء على محطة القطارات في العاصمة الإسبانية (مدريد) بتاريخ الحادي عشر من مارس/ آذار الماضي، كانوا من المغرب. وأحد رؤوس المجموعة من مواليد تونس. جميعهم تقريبا كانوا يقيمون منذ سنوات طويلة في إسبانيا وكانوا يزورون عائلاتهم وأصدقاءهم في الوطن الأم. قبل جريمة تفجيرات مدريد التي يحمل كثيرون جزءا من مسئوليتها رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أثنار لأنه منح منفذي الجريمة فرصة ليبرروا فعلتهم البشعة حين تجاهل رغبة الشعب الإسباني بعدم إرسال جنود إسبان إلى المستنقع العراقي ووقف إلى جانب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في الحملة العسكرية على العراق وتسبب في انقسام أوروبا.

إلى جانب إسبانيا، فإن المغرب وتونس بين ضحايا الجماعات الأصولية. ففي العام 2002 هز انفجار المعبد اليهودي في جزيرة جربة التونسية أودى بحياة عدد من السياح الألمان. وفي العام 2003 وقعت تفجيرات في الدار البيضاء. وعبر المغرب وتونس إلى جانب الدول العربية والإسلامية عن حزنهما العميق لما أصاب إسبانيا والشعب الإسباني فيما تم تأكيد عزم المغرب وتونس مواصلة التعاون المكثف مع إسبانيا، البلد الأوروبي المتاخم لهما والذي تربطه بهذين البلدين العربيين المهمين علاقات تاريخية. ووضعت تفجيرات مدريد البلدان الثلاثة التي يفصل بينها مضيق جبل طارق، أمام تحديات جديدة وحكمت عليها أن تتعاون فيما بينها وخصوصا في المجال الأمني على رغم اختلاف تصوراتها بشأن مكافحة الأصوليين ويرى المغرب وتونس أن الكرة موجودة الآن في الملعب الأوروبي ومن أرض هذا الملعب ينبغي أن تنطلق ضربة البداية وهذا هو السبب.

حين وقع انفجار المعبد اليهودي في جزيرة جربة التونسية دلت التحقيقات على الفور على أن هذا العمل من فعل جماعة خارج المجتمع التونسي بل من خارج البلاد. وعلى رغم أن التحقيقات دلت على أن منفذ العملية تونسي الجنسية فإنه جاء من الخارج لينفذ جريمته. الأمر نفسه ينطبق على منفذي تفجيرات مدريد. وكانت الحكومة المغربية أول من سارع إلى إدانة تفجيرات مدريد في الوقت الذي أكدت فيه أهمية الإشارة إلى أن التخطيط لهذه الجريمة لم يتم داخل الأراضي المغربية ولكن داخل الأراضي الأوروبية. كما وجدت المعارضة المغربية وخصوصا الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية الذي يوصف بأنه معتدل، أنه ليس من العدل أبدا أن يجري التشكيك بأن المغرب مصدر العنف الذي وقع في مدريد. كذلك فإن تنفيذ تفجيرات الدار البيضاء على الأقل تم بإيعاز من أطراف خارجية. وفي ضوء تعرض أمن المغرب وتونس وإسبانيا لخطر مشترك فإن هذا يجبر أجهزة الأمن التابعة للدول الثلاثة على التعاون فيما بينها.

وزاد هذا التعاون في مجالات تبادل المعلومات والبحث عن المطلوبين وتسليمهم، خلال الأسابيع القليلة الماضية. كما ساهمت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسباني ثباتيرو إلى المغرب كانت علامة على عزم إسبانيا إعادة النظر بالسياسة الخارجية التي عملت بها حكومة رئيس الوزراء السابق أثنار والسعي بالتعاون مع الجيران الى بناء علاقات جيرة قائمة على الاحترام المتبادل. لكن بقيت هناك مسألة مهمة راسخة بعد زيارة رئيس الوزراء الإسباني لها أثر على عملية مكافحة الأصوليين، ذلك أن الطرق والأساليب التي تستخدم في المغرب وتونس في مكافحة الأصوليين تختلف عن مثيلتها في إسبانيا وأوروبا. وليس سرا أن الأصوليين يستخدمون منذ سنوات القوانين الليبرالية في دول أوروبا الغربية التي لجأوا إلى أراضيها واحتموا بها في الوقت الذي يمارسون منها نشاطاتهم. وهكذا يسجل المراقبون في أوروبا زيادة نشاطات أصوليين في الدول الأسكندنافية وفي بريطانيا فيما يبدو أن فرنسا أعلنت عليهم الحرب بعد تفجيرات مدريد. ويفكر وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي في حجز الأصوليين الذين يشتبه في عزمهم القيام بأعمال عنف في إطار سجن وقائي مؤقت فيما تجد المخابرات الألمانية أن احتمال قيام «القاعدة» أو خلايا مقربة منها بأعمال عنف جديدة في أوروبا مسألة تتعلق بالوقت فقط وكما في السابق فإن مدينة لندن بالذات مهددة أكثر من سواها من عواصم أوروبا الغربية بالتعرض لاعتداء على غرار ما حصل في مدريد أو أوسع.

وينظر المسئولون السياسيون والأمنيون في المغرب وتونس بألم وهم يواجهون اتهامات من أوروبا بأنهما يتعرضان لحقوق الإنسان حين يعملان في مكافحة خطر الأصوليين. وتعرض المغرب وتونس إلى انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان الأوروبية بسبب سياستهما القاسية في التعامل مع الأصوليين الأمر الذي لم يسفر فقط عن تحجيم هذا الخطر بصورة كبيرة. ويبدو أن الكثير من الأوروبيين بدأوا يعيدون النظر بحكمهم المسبق على المغرب وتونس ويعتقدون أنهما اتبعا سياسة فعالة في الوقت الذي يجد المغرب وتونس أنه ينبغي على الدول الأوروبية اتباع سياسة مماثلة وفرض مراقبة مشددة على نشاطات الأصوليين داخل الأراضي الأوروبية.

بداية ظهور الأصولية الحديثة في المغرب تبعت نهاية حرب التحرير من الاحتلال الشيوعي في أفغانستان ومع عودة من يوصفون بالأفغان العرب الذين وجدوا صعوبة في البداية في العيش داخل المجتمع الذي انحدروا منه ثم سنحت أمامهم فرصة المشاركة في حروب جهادية أخرى في الشيشان ومنطقة البلقان ثم منهم من نجح في اللجوء للعيش في دول أوروبية غربية ويديرون منها نشاطاتهم المعادية لأنظمة دولهم الأصلية كما يتعاونون مع «القاعدة» وعلى الأقل فإنهم يتعاطفون معها. ويجري التفكير في ألمانيا على سبيل المثال بسحب الجنسية من الأشخاص الذين سبق لهم أن تدربوا في معسكرات «القاعدة» في أفغانستان لكن المشكلة التي يواجهها وزير الداخلية الألماني هي استحالة إبعاد هؤلاء إلى دولهم الأصلية حيث يتهددهم فيها التعذيب أو حكم الإعدام كما لن يكون بوسعه زجهم في السجون سنوات طويلة دون إدانتهم بجريمة يعاقب عليها القانون. أربعة عشر مليون مسلم يعيشون اليوم في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها اليوم خمسة عشر دولة سيصبح عددها 25 دولة في مطلع شهر مايو/ أيار المقبل. لكن نسبة الأصوليين بينهم ضئيلة جدا فغالبية مسلمي أوروبا يحترمون دساتير الدول التي يعيشون تحت سقفها على رغم اختلاف التقاليد والعادات مع شعوب هذه الدول.

كذلك فإن زكريا موسوي الرجل الوحيد الذي خرج عن صف منفذي هجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول العام 2001 وحال بذلك دون وقوع خسائر بشرية ومادية إضافية ورفض في آخر لحظة دور طيار انتحاري، يحمل الجنسية الفرنسية لكنه مغربي الأصل. كذلك منير المتصدق وعبدالغني المزودي اللذان اتهما بالانتماء لخلية المصري محمد عطا واليمني رمزي بن الشيب. كما أن اللذين قدما نفسيهما بصفة صحافيين وقتلا القائد الأفغاني مسعود في العام 2001 كانا مغربيين. وتم إلقاء القبض في المغرب على سبعة مغاربة وثلاثة سعوديين للاشتباه بمحاولة شن هجوم على سفن حربية أميركية في مضيق جبل طارق. كما شارك مغربيان في تفجيرات الرياض بتاريخ التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وألقت سلطات الأمن الإسبانية حتى اليوم القبض على نحو دزينتين من المواطنين المغاربة الذين يقيمون بصورة دائمة منذ سنوات في أراضيها للاشتباه بتورطهم في تفجيرات مدريد.

في مقال نشرته مؤسسة ريال إنستيتوتو إيلكانو في مدريد كتبه محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية في جامعة حسن الخامس، جاء فيه أن التطرف المغربي يعود للعام 1969 حين دعا أول تنظيم إسلامي مغربي (الشباب الإسلامي) إلى العنف. وفي العام 1981 ظهرت خلية مسلحة خضعت لتغيرات متواصلة على مر السنوات في القيادة والأهداف والأعضاء. في بداية حرب التحرير في أفغانستان كان عدد المجاهدين المغاربة متواضعا وفقا لبيانات ضريف لكن عددهم زاد في أفغانستان بعد نهاية الحرب وحصول الطالبان على السلطة وراح كثير من المغاربة في أوروبا يتوجهون الى معسكرات التدريب في أفغانستان. في هذا الوقت غير أسامة بن لادن استراتيجيته وأصبحت الولايات المتحدة عدوه الرئيسي. بدأت نشاطات الخلايا المتحالفة مع (القاعدة) تنتشر في منطقة حوض البحر المتوسط. وساعد سوء سوق العمل وتفاقم المشكلات الاجتماعية في زيادة إقبال الشباب على الانتماء لهذه الخلايا، كما لفت انتباه شباب مغربي مقيم في إسبانيا إلى العمل مع هذه الخلايا بعد أن كان بعضهم ينتمي لعالم الجريمة. وتتهم أجهزة أمن أوروبية غربية مجموعة من الأشخاص بأنهم قاموا بعملية غسيل دماغ لهؤلاء الشباب الذين نفذوا اعتداءات في المغرب العام 1994 بالهجوم على فنادق سياحية وينحدرون من مناطق الفقر والبؤس والذين نفذوا جريمة مدريد في مارس الماضي وكانوا يعملون في بيع الخضروات والقمصان وأجهزة الهاتف والاتجار بالمخدرات.

الرأي المشترك في المغرب وتونس أنه طالما المجتمعات الأوروبية لا تتصرف مع الأصوليين بالأسلوب المعمول به من قبل أجهزة الأمن المغربية والتونسية في التصدي للأصوليين فإنه من المستبعد تطويق نشاطاتهم. كما هناك شكوى مغربية تونسية بأن العواصم الأوروبية متمسكة بمنح الأصوليين اللجوء لأراضيها وأن هؤلاء يستغلون ليبرالية الدول الأوروبية لتنفيذ مخططاتهم ضد أنظمة دولهم الأصلية، أي أن أوروبا نفسها ساهمت بصورة غير مباشرة في تشجيع الأصوليين على ممارسة الإرهاب ووقعت نفسها ضحية له

العدد 602 - الخميس 29 أبريل 2004م الموافق 09 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً