العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ

فرص واسعة أمام اللقاء الصيني الخليجي (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في وسعنا الاسترسال في سرد الحجم الاقتصادي والاستثماري الكبير الذي يبرر الاتجاه الخليجي نحو الشرق، خاصة عندما تقارن شروط العلاقات الخليجية – الصينية القائمة والمحتملة، مع مثيلاتها الموقعة، أو التي يمكن او توقع مع الدول الغربية، وعلى وجه الخصوص مع الولايات المتحدة الأميركية. يكفي أن نعرف أن الصين، وكما يقول مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية جمال سند السويدي «قد وقعت الصين اتفاقيات اقتصادية وتجارية وتكنولوجية ثنائية مع 21 دولة عربية، ووقعت معاهدات لتعزيز وحماية الاستثمار مع 16 دولة عربية. ولكن هذه الزيادة في حجم التبادل التجاري أقل بكثير من الأرقام الممكن بلوغها في ظل وجود مصالح قوية للطرفين لتطوير علاقاتهما المشتركة». ورغم الأهمية التي تتمتع بها قطاعات المال والاستثمار، والدور الكبير الذي يمكن أن تمارسه في تعزيز تلك العلاقات التي ندعو لها، لكنه ليس المجال الذي نحن بصدد الإشارة له هنا، حيث نرى ضرورة أن يكون ذلك الحجم، رافعة لتطوير العلاقات السياسية والاستراتيجية (بما فيها العسكرية) بين الطرفين.

والخطوة الأولى على هذا الطريق، هي الاقتناع الداخلي الخليجي، بذلك التحول النوعي في موازين القوى الدولي، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، وإنما على المستوى السياسي والعسكري أيضا. فبعد الأزمة المالية العالمية، وبعد تفكك المنظومة السوفياتية، وفي ضوء تمرغ انف الغرب، بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان ومن بعد في العراق، برزت على المسرح الدولي قوى آسيوية جديدة من نوع الصين والهند، وكلتاهما لم يرثا أية علاقات استعمارية مع دول المنطقة. هذه النظرة، تدعونا بالضرورة إلى إعادة النظر في طبيعة العلاقات التي تحكمنا مع مثل هذه الدول الآسيوية على الصعيد السياسي، الذي ينبغي أن يكون مقرونا بمسألة في غاية الأهمية وهي شروط اقتناء أو شراء السلاح من تلك الدول.

تجدر الإشارة هنا إلى اعتماد الدول الخليجية تاريخيا، وبشكل مطلق، على السلاح الغربي، الذي تشوب إاتفاقياته ثغرتان أساسيتان: الأولى هي شروط العلاقات التاريخية بين الغرب ودولة الكيان الصهيوني، والتي تحرم العرب من الحصول على أي قطعة سلاح ترى فيها تل أبيب ما يهدد امنها، وصفقة الأواكس التي وقعتها الرياض مع واشنطن في منتصف السبعينيات شاهدا واضحا على هذه الثغرة. الثانية، هي الشروط السياسية المجحفة التي ترافق اتفاقيات التسلح، والخطوة المصرية التي حاولت كسر معاهدات احتكار السلاح في الخمسينيات، وما تلاها من تردي العلاقات المصرية – الغربية هي الأخرى دليل واضح على تلك الثغرة التسلطية.

من هنا ينبغي للخليج أن ينظر نحو بكين، بكونها مصدرا من مصادر سياسة تنوع التسلح. ويمكننا هنا الإشارة إلى مساعي الصين لكسر ذلك الاحتكار عندما بادرت في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي إلى دعوة السعودية لشراء صواريخ بالستية من الصين لتعزيز قوتها العسكرية وتنويع مصادر حصولها على السلاح. ولعل في السياسة الإيرانية، عندما ضيقت عليها الخناق العواصم الأوروبية تحت غطاء منعها من الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، درسا بليغا لابد للخليجيين من الاستفادة منه، سواء على صعيد توسيع جبهة الأصدقاء، او على مستوى كسر حالة الارتهان لمعسكر واحدة فقط.

لا يعني ذلك بأي شكل من الأشكال ان الصين لن تحاول أن تعزز من وجودها العسكري المباشر في المنطقة، لاحتمالات تحولها، قريبا إلى إحدى الدول العظمى على الصعيد العالمي، بل ربما بدأت بعض البوادر التي تشير لذلك، حيث قامت الصين مؤخرا ببناء قاعدة جوادر البحرية الواقعة في جنوب غرب باكستان، ذات الموقع الاستراتيجي المهم على الصعيدين المحلي والدولي، تتكامل مع ميناء الحاويات في مدينة شيتاغونغ ببنغلاديش ذي الأهداف المزدوجة العسكرية والتجارية. لكن المغاير في السياسة الخارجية الصينية عن تلك الغربية هي أنها ما تزال جنينية، ويمكن أن تكون للدول الخليجية كلمة في صياغتها، وفي هذه المرحلة بالذات، وقبل تحول الصين إلى دولة عظمى.

هذه نافذة واحدة من فتحات أخرى كثيرة يمكن ان تطل من خلالها الدول الخليجية على الآفاق التي يمكن ان تفتحها مثل هذه النظرة الجديدة من فرص أمامها، تشمل فيما تشمل: صناعة الاتصالات ، وشركة هواوي الصينية، بحكم تواجدها في الخليج، ومن خلال العقود التي وقعتها مع شركات اتصالات محلية مثل «بتلكو»، قادرة على أن تكون اللبنة الأولى في صرح هذه العلاقة في هذا الميدان الحيوي النامي. القطاع الثاني هو مجال الإنشاءات، نظرا للخبرة الغنية الصينية في تشييد البنى التحتية، التي تشكل مشروعات البنية التحتية التي نفذتها الصين في الكثير من الدول الإفريقية علامة بارزة عليها، وتأتي في وقت مناسب، نظرا للمشروعات الخليجية الضخمة في هذا القطاع. وهناك مجالات أخرى مثل التعليم، والصحة، وتملك الصين الكثير من الموارد البشرية والمؤسسات المتطورة التي يمكن ان تكون نواة تعاون شامل متكامل بين الطرفين في مثل هذه المجالات.

تبقى قضية في غاية الأهمية، ما تزال تشكل عقبة أمام تطوير مثل تلك العلاقة، وهي لغة التفاهم، فعدد من يتقن اللغة الإنجليزية في الصين محدود، وأقل منهم من يتحدث العربية، وفي المقابل، يصعب الحديث، باستثناء تجربة محدودة في «أرامكو»، عن متحدث باللغة الصينية من بين أبناء دول مجلس التعاون. ولعله من المفيد التفكير الجدي في تأسيس معهد للغات يتولى وضع حل لمشكلة التفاهم اللغوي هذه.

ومن هنا تبرز أهمية عقد مثل هذا المنتدى، الذي نأمل أن يكون قد فتح أمام المشاركين فيه فرصا مجزيا لمصلحة طرفيه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً