العدد 2762 - الإثنين 29 مارس 2010م الموافق 13 ربيع الثاني 1431هـ

الظاهر والمخفي في لقاء التجار مع سمو ولي العهد

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جميل جدا أن يحمل تجار البحرين همومهم وهواجسهم ويلتقون مع ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وأجمل منه أن ينصت سموه لهم، ويؤكد لهم، بعد حوار مستفيض معهم، أنه قد تلمس القلق «الذي ينتابهم على استثماراتهم»، وبأنه لن يتنازل عن «كون البحرين بلد يعتمد على القطاع الخاص كشريك أساسي أكثر من غيره من دول المنطقة لدعم اقتصاده الوطني». والأهم من هذا وذاك مدلولات هذا اللقاء المباشرة الظاهرة للعيان، والتي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

1. وصول مخاوف التجار من المستقبل المظلم الذي يتربص بهم إلى قمتها، فيما لو لا قدر الله، اتجهت مراكب الاقتصاد البحريني في طريقها غير الصحيح، وجنحت بسفنها عواصف من يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، على صخور يصعب التكهن بمقدار الخراب الذي ستلحقه بجسم السفينة ومحركها. وبلغت خشيتهم من اقترابها من نقطة اللاعودة، التي تطيح بالصرح الذي بناه تجار البحرين على امتداد عقود من الزمان، وكان وراء تعزيز النجاح في صمود البحرين كواحة ذات مصادر محدودة وسط صحراء نفطية، أتخمت دولها بمداخيلها الفلكية.

2. استعداد جهة، هي ولي العهد للاستماع إلى ما يؤرق التجار، وتعاطفه معهم، ورؤية الأخطار المحدقة بهم، ومن ورائهم الاقتصاد البحريني، وحرصه أن يكون للقيادة دور ملموس في درء تلك المخاطر، والوقوف إلى جانب التجار ليس لفظيا، وإنما من خلال التمسك بالقوانين والأنظمة المعمول بها، والقائمة، وعدم السماح لمن تسول لهم أنفسهم بالعبث بها. وأكثر من ذلك تأكيده على كون «القطاع الخاص شريك أساسي في دعم الاقتصاد الوطني».

3. إمكانية بناء جسور من نمط ومستوى مختلفين، بين القيادة والقطاع الخاص، في حال رغبة الطرفين في تشييد مثل تلك الجسور، ومد ما يعززها من قنوات التواصل لمواجهة أي خطر محدق بأهل البلاد أو اقتصادها.

لكن هناك ما هو مخف، ولم يطفُ على السطح، ولم تتناوله وسائل الإعلام من قريب أو بعيد، هو ما يمكن رصده في النقاط التالية:

1. في هذا اللقاء، أفصح التجار عن ضعفهم، سواء اعترفوا بذلك أم دفنوا رؤوسهم في الرمال كي لا يروا صورتهم على حقيقتها. ليس هناك أي خطأ أو ضرر، أن يخاطب التجار كل من يرون فيه حليفا حقيقيا لهم، لكن الخطأ، كل الخطأ، أن يتركوا الحليف يخوض المعارك بالنيابة عنهم.

وما هو أسوأ من ذلك هو توهمهم أن في مقدور الحليف تحقيق المعجزات.

دروس التاريخ تعلمنا أن دور الحليف لا يمكن أن يكون رئيسا في المعارك المصيرية، وليس في وسعه أن يحمل الراية ويتقدم الصفوف كي يجر وراءه صاحب المصلحة الحقيقية، الذي يفترض فيه أن يكون، دون سواه، في المقدمة ويتولى القيادة وتوجيه دفة المعركة. المعركة هنا هي معركة القطاع الخاص، وعليه أن يقود ألويتها.

2. في هذا اللقاء، كان هناك بعض المقاعد الفارغة التي كان يفترض أن يشغلها من «أثار قلق التجار»، وأشعل مخاوفهم. فاللقاء على أهميته، بل وضرورته، كان بمثابة الحوار مع الذات، وفي اتجاه واحد فقط، الأمر الذي يجعله يثير تساؤلات، تقترب من، إن لم تتجاوز قلق التجار أنفسهم، في ذهن المواطن، وهي إلى أي مدى يلزم ما خرج به اللقاء من قرارات أو توصيات، أو حتى تصورات الطرف الذي أثار ذلك القلق؟

3. يقف اللقاء أمام علامة استفهام كبيرة تقول، كيف نطلق قرارات اللقاء من جدران المجلس الذي عقد فيه، إلى ساحة الاقتصاد الذي لايزال مهددا، دون أية ضمانات تحول دون عودة عناصر «القلق»، وتحولها إلى قوانين، أو أنظمة تعيده إلى الخلف، وتشد آلياته نحو الوراء؟ مرة أخرى، تاريخ الدول النامية والمحيطة كلها ينضح بحالات مماثلة، اكتشف فيها تجار تلك الدول، لكن بعد فوات الأوان، أنهم بنوا قصور آمال، أقاموا أعمدتها فوق كثبان من الرمال، التي لم تستطع ان تصمد أمام اول عاصفة، مغايرة لمصالحهم، هبت عليها.

ومرة أخرى، ودون التقليل من أهمية اللقاء أو ضرورته، نرى أنه بحاجة إلى صمامات أمان تحمي ما ذهب إليه، وما تم الاتفاق عليه، يمكن تلخيصها في الإجراءات التالية:

1. استعادة غرفة تجارة وصناعة البحرين ثقلها الاقتصادي، ومكانتها السياسية، وموقعها الاجتماعي الذي كانت تتمتع به عند ما تأسست، وجردتها منه سياسات ما قبل المشروع الإصلاحي، وقزمتها قوانين، لم يكن قانون أمن الدولة سوى واحدا منها. لا يمكن أن يرفع علم التجار أحد سواهم، وليس هناك من بوسعه ان يصون مكانتهم ويدافع عن مصالحهم أكثر منهم أنفسهم. وأي تصور خلاف ذلك يفقد البوصلة ويسير بسفينة مصالح التجار في الاتجاه الخاطئ، إن لم يكن المضر بها.

2. مراعاة دور التجار، والقطاع الخاص بشكل عام في أي من خطط التنمية المقبلة، على أن يكون هذا الدور متكامل على الصعد كافة: اقتصادية كانت أم سياسية أم اجتماعية، فالتنمية عملية متكاملة غير قابلة للتجزئة.

3. إعطاء المزيد من الصلاحيات التشريعية، والثقل السياسي لمجلس الشورى، دون ان يكون ذلك على حساب صلاحيات المجلس المنتخب، على ان يترافق ذلك مع وضع مقاييس صارمة عند تعيين أعضائه. وينبغي أن يؤخذ هذا الإجراء في سياق الظروف القائمة، حيث ما يزال الشورى مؤسسة قائمة بموجب الدستور، لكن في حال التحول إلى مجلس من غرفة واحدة، يفقد هذا الإجراء مبرراته، ومن ثم أهميته، ويتحول الأمر برمته في يد الناخب.

بالطبع تلك كانت أهم السياسات المطلوبة، وتبقى هناك عناصر أخرى كثيرة مهمة، لكنها لا تتمتع بالثقل ذاته، مثل طبيعة ومقاييس، وآليات تشكيل المجالس الوزارية، ويأتي معها الهيئات الرقابية والمنظمة لسير القطاعات المهمة في الاقتصاد مثل هيئة تنظيم الاتصالات وما شابهها.

وفي نهاية المطاف، فقد أثلج ذلك اللقاء الصدر، ونجح في إبراز بعض القضايا المصيرية. وأكثر من ذلك أثار هموم مصدرها تلك المخاوف التي بحاجة إلى وقفة جادة ليس هذا اللقاء سوى خطوة أولى على طريقها الطويلة والوعرة، فالدنيا لا تؤخذ إلا غلابا

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2762 - الإثنين 29 مارس 2010م الموافق 13 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:07 ص

      لا توجدوا المبررات لاباحة المحرمات وتحاربوا الله علنا ...

      لماذا هذه الدعوات لمحاربة الله واباحة المحرمات لا سباب واهية خوف الفقر السنا في فقر والمحرمات مباحة ونحن نتغنى باننا دولة مسلمة والزائر او السائح يقرأ الاسلام ويشاهد خلافه كل ما هو محرم في الكتب مباح على ارض الواقع فلماذا هذا التناقض ونطلب من الاخرين احترام ديننا ونحن اول المخالفين له والمحاربين لله ورسوله كفاكم جرءة على الله فانه حليم لكنه شديد العقاب الاتتعضون بما اصاب الامم من كوارث ونوازل ولا خير يرتجى بعد ضياع الدين قليلا من التفكير لا يلعب بعقولكم طالبو المال من حلال او حرام .

اقرأ ايضاً