العدد 605 - الأحد 02 مايو 2004م الموافق 12 ربيع الاول 1425هـ

ساعة الحساب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في كل فترة تصدر عن إدارة الاحتلال الأميركي في العراق قرارات مختلفة ومخالفة للأولى. ثم تعود وتصدر قرارات جديدة متناقضة مع ما بدأته في مرحلة سابقة. وهذا النوع من التخبط الإداري أسهم في زيادة الفوضى وبذر المزيد من الشقاق حتى في وسط الكتلة المستفيدة من الاحتلال. القرارات الفوضوية غير مفهومة ولا تعرف حتى الآن مقاصد الاحتلال منها، إلا أنها عموما أسهمت في زيادة عزلة «مجلس الحكم الانتقالي» عن الشعب العراقي. حتى الشرائح الاجتماعية التي استفادت من الاحتلال من طريق حصولها على الوظائف وتبوء المناصب العليا، أومن خلال أخذ مشروعات بسيطة رتبت بالواسطة أو بالاحتيال بدعم من أقرباء لهم في «مجلس الحكم» باتت في وضع صعب لا تستطيع منه الدفاع عن فوائد الاحتلال الذي يبدو أنه جلب الدمار والمضار إلى مختلف قطاعات المجتمع. حتى القطاعات المستفيدة بدأت تسرب تصريحات ملفتة تنتقد فيها سياسة الاحتلال المتخبطة وترى فيها سلسلة من الأخطاء المتناسلة من دون توقف. وهناك من في «مجلس الحكم الانتقالي» من تجرأ وكسر صمته وأخذ يحذر من سياسات جديدة قد تسهم في قلب الطاولة وتشكيل موازين من القوى من الصعب السيطرة عليها في حال انسحبت «قوات التحالف» من مناطق محددة في 30 يونيو/ حزيران المقبل.

ساعة الحساب بدأت تقترب وموعد الانسحاب لم يعد بعيدا ولاتزال القوات الأميركية حائرة من أمرها ولا تعرف من تصدق ومن هو معها ومن هو ضدها. فالكتلة التي استخدمتها قبل إعلان حربها تبين لها أنها ضعيفة ميدانيا ولا تملك معلومات كافية عن بلد هجرته قبل ثلاثة عقود. والقوى التي راهن الاحتلال عليها في بداية الحرب اكتشف عمليا أنها تتحرك وفق آليات ومنظومات سياسية لا صلة لها بخطة الحرب ولا بالبرنامج الأميركي سواء على المستوى العراقي أو على مختلف المستويات الإقليمية والعربية والإسلامية. فالقوى هذه هي في النهاية عراقية وعربية وإسلامية في تكوينها وتاريخها وثقافتها ولا يمكن لها، مهما لحقها الظلم سابقا، أن تنساق وراء أهواء وانحرافات كتلة من العنصريين الأشرار تقود «البنتاغون» خدمة لمصالح إسرائيلية في دائرة «الشرق الأوسط».

أرادت قوات الاحتلال تحويل العراق إلى محطة ومهبط للطيران الحربي لمحاربة دول الجوار أو لزعزعة استقرارها وأمنها الداخلي إلا أن شعب بلاد الرافدين يصعب عليه أن يتحول إلى أدوات طيعة لتدمير منطقة يعتبر نفسه جزءا منها. وأراد الاحتلال أن يجعل من العراق النموذج العربي للتعامل مع «إسرائيل» ومشروع شارون التصفوي إلا أن حساباته كانت خاطئة لأنه من الصعب استدراج شعب عربي - مسلم إلى مثل هذه اللعبة الخطرة تستفيد منها «إسرائيل» ويكون هو ساحتها.

بالغ الاحتلال كثيرا في تقدير قوة أعضاء «مجلس الحكم» وبالغ أكثر في الرهان على دور القوى العراقية في محاربة شعوب المنطقة ودول الجوار مقابل فاتورة اسقاط نظام صدام. وكذلك لم يقرأ الاحتلال جيدا آليات صنع القرار السياسي في المنطقة العربية وموقع قضية فلسطين في حياة الناس. فلسطين ليست قطعة أرض (عقارا) للبيع والشراء، فهي بالنسبة إلى الوجدان العربي (المسلم) معيار للعدالة والحرية والمساواة والإخاء، ومن يرتكب الأخطاء في قراءة معناها لا يعرف أبدا العوامل الداخلية التي تحرك المشاعر السياسية في المنطقة. احتلال العراق أعطى مفاعيل عكسية. فهو زاد من كراهية المنطقة للسياسة الأميركية، وأحبط مشروعات التسوية لأنها ببساطة قامت على فكرة اللاتسوية وحاولت كسر إرادة الناس قبل الدول العربية. فالاحتلال أشعل في نفوس الناس الكثير من هواجس الخوف على المستقبل وتقرير المصير وزاد من مشاعر الناس لنصرة القضية الفلسطينية. فالجرح الفلسطيني الآن امتد ولم يتقلص وبات الربط المنطقي بين خطة بوش وأهداف شارون أحد إشارات المواجهة الممتدة من بغداد إلى غزة.

إنها مهزلة فعلا. ومن سخرية المسرحيات الهزيلة أن مخرجها المجنون يريد الآن الاستنجاد بضباط بعثيين لتهدئة الوضع في الفلوجة، ويريد أيضا من أمير قطر الضغط على محطة «الجزيرة» لوقف بث فضائح الاحتلال. هذه العودة إلى الوراء تؤكد من جديد مدى الضعف الذي وصلت اليه أكبر قوة في العالم في إدارة الصراع في منطقة مصابة أصلا بالقحط السياسي... وهو قحط انتقلت عدواه في أقل من سنة من بغداد إلى واشنطن. إنها الساعة، وحين تقترب الساعة من الصعب رد دقائقها إلى الوراء

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 605 - الأحد 02 مايو 2004م الموافق 12 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً