العدد 606 - الإثنين 03 مايو 2004م الموافق 13 ربيع الاول 1425هـ

الليكود... وإنتاج التطرف

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون في كسب تأييد الليكود في الانتخابات الحزبية لمصلحة خطته بالانسحاب من قطاع غزة من جانب واحد يؤكد أن منطق التطرف هو المسيطر على عقلية المستوطن في فلسطين. فالتطرف في «إسرائيل» كما يبدو لا نهاية له. فبعد كل تطرف هناك المزيد، وأقصى التطرف يوجد بعده المزيد من التطرف.

هذا هو الدرس الأول الذي يمكن أن نستخلصه من الانتخابات الحزبية في الليكود. أما الدروس الأخرى فهي مجرد تنويعات على النغم نفسه. فالاختلاف بين شارون وحزبه ليس كبيرا، إنه مجرد اختلاف على تفصيلات الاحتلال. فشارون يريد التخلص من غزة ومحاصرة القطاع من الخارج ومن دون اتفاق مع الجانب الفلسطيني، والليكود يريد التخلص من غزة من الداخل وإلغاء الجانب الفلسطيني في المعادلة. والاختلاف ليس كبيرا. شارون يريد المقايضة بين الانسحاب المحدود (تطويق القطاع) وإعادة إسكان المستوطنين في النقب والجليل والضفة الغربية وتعويض المناطق في غزة باقتطاع المزيد من أراضي الضفة الغربية. والليكود لا يريد الانسحاب من القطاع وينوي توسيع رقعة الاستيطان في مختلف المناطق الفلسطينية، باعتبار أن أرض فلسطين هي مشاع للدولة الإسرائيلية وهي حق مقدّس لكل المستجلبين من الخارج. منطق التطرف هو أساس الاختلاف. والاختلاف ليس خلافا على الجوهر وإنما على تفصيلات الموقف السياسي في لحظة زمنية مفارقة يشهد فيها العالم تحولات خطيرة تقودها دولة كبرى بعقلية أيديولوجية متخلفة.

التطرف والمزايدات الأيديولوجية العنصرية وحب التسلط الدائم هي عناصر إضافية تضاف إلى المشكلة الأساسية وهي احتلال فلسطين وطرد شعبها ومنع المطرودين من العودة بضمانات أميركية أكدها جورج بوش في رسالة خطية لشارون.

المشكلة إذا في أساسها من تأسيس دولة «إسرائيل» التي نهضت أصلا على عقلية طاردة. وهذه العقلية أسست لاحقا لكل سياسات التطرف والعدوان والمزيد من الاحتلال وبالتالي استجلاب المزيد من المستوطنين للسكن في أراضي المطرودين.

هذه العقلية الطاردة للآخر تشكل جوهر الاختلاف بين المتطرفين في الليكود، وهي في النهاية عقلية واحدة تشترك في المنطق نفسه وهو دفع التطرف إلى مزيد من التطرف.

والسؤال: من أين تتغذى هذه العقلية، وكيف تستمد قواها الدافعة دائما نحو المزيد من التطرف؟

قوة هذه الأيديولوجيا الطاردة للآخر تنبع من أصلين: الأول الصهيونية نفسها (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض). الثاني دعم الغرب لها في مختلف الحالات والظروف. وفي هذا المعنى التاريخي لا تستثنى دولة أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة من صنع المأساة. بريطانيا بدأت بها بعد احتلال فلسطين في الحرب العالمية الأولى وانتهت بتأسيس النكبة في نهاية الحرب العالمية الثانية. بعدها جاء الدور الفرنسي وخصوصا في فترة العدوان الثلاثي على السويس وحرب الاستقلال في الجزائر وصولا إلى حرب يونيو/ حزيران 1967. وبعد حرب 1967 دخلت الولايات المتحدة وألمانيا على الخط وأخذتا بتغذية آلة الحرب الإسرائيلية عسكريا وماليا واقتصاديا. فألمانيا تعتبر الآن هي الدولة الثانية بعد أميركا في تقديم المساعدات المالية (تعويضا عن ضحايا النازية) وكذلك الأسلحة النوعية (ثلاث غواصات نووية).

العنصر الثاني (دعم الغرب الثابت والدائم) يشكل أحد مصادر التطرف الصهيوني، والآن يعطي قوة للرفض الإسرائيلي ويغطي كل سياساتها على أنواعها سواء كان حزب العمل (المعراخ) في السلطة أو الليكود أو الأكثر تطرفا.

مادامت الضمانات موجودة، ومادامت السياسة الأوروبية لن تختلف أو تتغير، ومادامت أميركا ملتزمة بأمن «إسرائيل» والدفاع عن عدوانها المستمر، فلماذا لا يكون التطرف هو أساس اللعبة الانتخابية الإسرائيلية؟

حين يكون الناخب الإسرائيلي مطمئنا إلى وضعه، والضمانات الأميركية (وبعدها الأوروبية) موجودة مهما فعل، فلماذا لا يتطرف حتى يحصل على الحد الأقصى؟ فالخيار بالنسبة إليه هو نفسه إذا اعتدل أو تطرف، وإذا طالب بالحد الأدنى أو الحد الأقصى، وإذا جنح للسلم أو جنح للحرب، فكل الخيارات أمامه تصبّ في النهاية في إطار واحد وهو التزام أميركا بوجود «إسرائيل» وأمنها واستعداد أوروبا للسير وراء واشنطن مهما كانت نتائج الانتخابات الإسرائيلية.

هذه السياسة الدولية الظالمة للشعب الفلسطيني هي في النهاية مسئولة تاريخيا عن تغذية الأجنحة العنصرية المتطرفة في الصهيونية و«إسرائيل»، وهي تتحمل مسئولية كل النكبات التي حلّت بالجانب الفلسطيني بدءا والعربي تاليا.

التطرف دائما بحاجة إلى غطاء دولي لتستمر آلياته الداخلية بالعمل الثابت على إنتاج المزيد منه. وحين يجد أعضاء الليكود أن مواقف أميركا استراتيجية وثابتة ولن تتغير مهما فعل، فلماذا لا يلجأون إلى التصويت ضد خطة «انسحاب جزئي» من غزة توافق عليها شارون مع بوش في واشنطن؟ وهذا ما حصل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 606 - الإثنين 03 مايو 2004م الموافق 13 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً