العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ

الحرب... من دروس حزب الله إلى دروس الفلّوجة

مشروع بوش هو الضحية الأولى!

صلاح الدين الجورشي comments [at] alwasatnews.com

.

علّمنا التاريخ أن الأمم والقوى الكبرى، تحضّر حروب المستقبل انطلاقا من آخر تجربة لها في ميدان الحروب والصراعات. في الحرب الاولى، خاضت فرنسا حربها الدفاعيّة بامتياز ضدّ المانيا. فكانت المجازر، وكانت الاسلحة الكيماوية الجرثوميّة سيّدة الموقف. وبين الحربين الأولى والثانية، حضّرت فرنسا نفسها دفاعيّا لأيّة حرب مقبلة، معتقدة ان الحرب المقبلة، ستكون على شاكلة الحرب الاولى، دفاعيّة بامتياز، فبنت لذلك أهمّ خطّ دفاعي في التاريخ الحديث، هو خطّ «ماجينو».

فاجأ هتلر فرنسا في بداية الحرب الثانيّة، معتمدا على استراتيجيّة جديدة لم تعهدها فرنسا. قامت هذه الاستراتيجيّة على مبدأ «الحرب الخاطفة»، Blitzkreig. وتستند الحرب الخاطفة على مفاجأة العدو، وقتاله بطريقة لم يعهدها، ولم يُحضّر نفسه لها. وإذا ما حاول العدو التأقلم مع الوضع الجديد، فإن قصر الوقت، والواقع الذي فرضته حيثيّات الحرب تكون سبقته، فسيسلّم للأمر الواقع. استعملت ألمانيا في الحرب الخاطفة المعادلة الآتية: دبّابة للصدم، طائرة لقصف خلفيّة العدو واتصال لاسلكي أمّن القيادة والسيطرة أثناء الحركة والتقدّم. كل هذا من ضمن قرار سياسي أعلى تمثّل بهتلر.

وعلى مستوى أقلّ، وفي الوقت الحالي وبعد ستين عاما على الحرب الالمانيّة الخاطفة، انهزمت «إسرائيل» في جنوب لبنان، وهي التي تعتمد كليّة على مبدأ الحرب الخاطفة في حروبها مع العرب، وخصوصا في حرب الايام الستّة العام 1967. واضطرت «إسرائيل» إلى الانسحاب من جنوب لبنان العام 2000، وذلك من دون تحقيق أيّ هدف سياسي لقوتها العسكريّة. وشكّلت تجربة حزب الله الفريدة من نوعها نموذجا لمن أراد قتال «إسرائيل» والانتصار عليها. وتأثّرت الانتفاضة الفلسطينيّة من دون شكّ بهذا النموذج، فأخذت مزيدا من الثقة بالنفس، وراحت تعتقد انه يمكن قهر «إسرائيل» عسكريّا. وان لدى «إسرائيل» نقاط ضعف كثيرة يمكن استغلالها والاستفادة منها، وخصوصا إذا ما كان هناك قيادة مميّزة، واستراتيجيّة فريدة لهذه الانتفاضة.

بعد اجتياح العراق مرّة ثانية في العام 2003، ومرور عام على احتلاله تقريبا، بدأت اميركا تواجه صعوبات كبيرة جدّا تمنعها حتى الآن من الاستمرار في استكمال مشروعها الكبير في العالم والمنطقة. فمن تصاعد عمليات المقاومة، إلى حادثة تطويق الفلّوجة وإيجاد حلّ لها، إلى حركة السيّدمقتدى الصدر، يبدو ان مشروع بوش هو الضحيّة الاولى.

باختصار، اتفق بول بريمر مع العسكر البعثي، والمرجعيات الدينيّة السنيّة على إنهاء حصار الفلّوجة. فما هي الدروس المستقاة من هذا الحدث؟

1- انه يمكن للقوى الكبرى، أو بالاحرى العظمى - وخصوصا اميركا - من ان تغيّر سلوكها 180 درجة من دون أن تتأثر كثيرا. حاليّا تستعمل اميركا عدوّ الأمس في اهدافها، فمن جهّة تعتقد هي انها حقّقت نصرا، أو بالاحرى تجنّبت ورطة كبيرة. ومن جهّة أخرى، تعتقد المقاومة السنيّة انها هي ايضا حقّقت نصرا على الشيطان الأكبر.

2- ان اميركا وبسبب الضغوط الكبيرة على الادارة الحاليّة، وبسبب اهميّة العراق، وتبوؤّه مركز الصدارة في الشئون الدوليّة، أقدمت اميركا على اتخاذ قرارات سريعة ومتناقضة مع بعضها بعضا. وقد يفسّر هذا السلوك، ان أميركا مستعجلة على حلّ ما في العراق. وقد يعكس هذا الوضع اهميّة العراق في الاستراتيجيّة الأميركية الكبرى. وقد يمكننا الجزم هنا، ان العراق هو مركز ثقل المشروع الأميركي، في العالم ككل، وفي المنطقة على وجه التحديد. فالنجاح في العراق، يعني النجاح في كل العالم. كما ان الفشل فيه، قد يعني الفشل في كل المشروع الامبريالي الاميركي.

3- تعكس الفلّوجة ان القوّة العسكريّة لاتزال العامل الأهم في الحروب. لكنها ليست الحلّ السحري لمرحلة ما بعد توقّف المدافع. وان المزيد من الاستعمال للقوّة قد يؤدّي إلى نتائج عكسيّة. أميركا قويّة عسكريا، تكنولوجيّا واقتصاديّا من دون شكّ، لكن ترجمة النصر العسكري إلى نصر سياسي، هو بالتأكيد في يد من كانوا في الفلّوجة. أي ان الترجمة السياسيّة الاميركية، ترتكز على قرار الآخر. إذا، يمكن لمن يقرّر الصمود في وجه من هو أقوى منه والتضحية، من ان يحقّق مكاسب سياسيّة، فقط عندما يقول «لا».

4- قد تعني الفلّوجة أن الحروب المستقبليّة، وخصوصا لمن يريد مقاومة اميركا، انها - أي الحروب - ستدور في المناطق الآهلة. ففي هذه المناطق تتساوى القوى بين المهاجم والمقاتل. من هنا سيتحضّر المُعارض لأميركا لقتالها في المدن. ومن جهّة ثانية، ستتحضّر أميركا لهكذا نوع من الحروب. وهي فعلا بدأت ذلك، وبالتعاون مع الحليف الاستراتيجي «إسرائيل»، وخصوصا ان لدى هذه الاخيرة تجارب كثيرة ومتعدّدة ومع المقاومة الفلسطينيّة.

5- أثبتت حرب الفلّوجة وكلّ ما يجري في العراق، أن أميركا لا تزال تتأثّر بعدد القتلى في المعارك. وان الهاجس الفيتنامي لايزال ماثلا في الذاكرة الجماعيّة للمجتمع الأميركي. فهي - أي أميركا - تعتبر نفسها انها دولة - أمّة، عظمى لمرحلة ما بعد الحداثة، Post-Modern. وهي أعدّت آلتها لحروب من دون ضحايا قدر الامكان. اثبتت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، والحرب على الارهاب، كما الحرب على العراق، أنه على أميركا ان تعيد حساباتها وبالعمق.

6- قد تعطي الفلّوجة نموذجا لمن أراد ابتزار أميركا عسكريّا، كما سياسيّا، وخصوصا في العراق. فقد يمكن لمن أراد من القوى العسكريّة الموجودة على الأرض العراقيّة ان تخطف مدينة ما، وتطالب الأميركيين القيام بشيء ما. فهل ستتجاوب أميركا؟ إنها دولة عظمى، ويحقّ لها ما لا يحقّ لغيرها. ومع الاختلاف في الظروف والاوضاع، تعتبر مدينة النجف الاشرف حالة عراقيّة ثانية.

وأخيرا وليس آخرا، قد يعكس الوضع في الفلّوجة ان الساحة العربيّة أصبحت ساحات الاختبار لمرحلة ما بعد سقوط الدب الروسي وهجمات 11 سبتمبر. فالفلّوجة، مثال صغير عن الصورة الأكبر في العالم العربي. ويمكننا القول، ان هذا العالم العربي، كلّ العالم العربي هو في وضع الأسر. فهل حان اوان الانعتاق؟

العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً