العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ

لا للعودة إلى الوراء

عبدالرحمن خليفة comments [at] alwasatnews.com

ضمن أجواء التوتر السياسي والأخذ والرد أضحت الحركة الإصلاحية بين قاب قوسين ومعلقة بخيط رفيع مشدود من طرفيه وهي تصطدم بالكثير من المعوقات، ولكن علينا عدم المبالغة والإغراق في التشاؤم، لأن ذلك أمر طبيعي في كل الحالات، لأننا نقوم بإصلاح سياسي واجتماعي وفي خط موازٍ لعملية التخلص من إرث الماضي الثقيل وافرازاته السلبية، والسير في طريق البناء الديمقراطي، وهذه من دون شك مهمة ليست سهلة كما يتصورها البعض.

الأكثرية الساحقة من المواطنين صادقة ومصممة بعزم على انجاز الأهداف المنشودة، في بناء المجتمع المدني، إلا أن هناك أفرادا وجماعات لا يروق لهم ذلك ويحاولون بشتى السبل وضع العراقيل لشل حركة الإصلاح، متذرعين بمسوغات واهية، ووسائلهم كثيرة، منها التشبث بالقوانين البالية وفتح ملفاتها المرتبطة بحلقات قانون أمن الدولة. هذه المحاولات اليائسة لن توقف عجلة الإصلاح وليس بمقدورها إعادتنا إلى الوراء، لأن الجماهير البحرينية بجميع طوائفها وأطيافها السياسية تعهدت منذ التصديق على الميثاق الوطني بالمضي قدما نحو الأمام، متخطية كل المصاعب التي يضعها نفر قليل من القوم على الطريق، ممن يحنون إلى أيام القمع والاضطهاد، متصورين أنهم يستطيعون ارجاع الأوضاع إلى سابق عهدها بمجرد تصريح هنا وهناك أو بجرة قلم. إنهم يتمسكون بذيول قوانين لا ديمقراطية، نسج خيوطها السوداء آنذاك أناس غير ديمقراطيين، كانت تحكمهم الأنانية المطلقة وفي داخلهم روح التسلط والاستبداد.

لقد حان الوقت للتوقف عن البحث في الدفاتر الصفراء والتفتيش عن أرقام أحادية وبنود سيئة مزقتها إرادة شعبنا المناضل.

إن الخلافات على الدستور ليست وليدة الساعة، بل برزت منذ اللحظة الأولى لإعلان دستور 2002 وأظن أن من حق الجمعيات السياسية التي تمثل قطاعات واسعة من الجماهير أن تعترض وتقول كلمتها، وهذا حق دستوري تكفله الشرائع والقوانين في كل الديمقراطيات. وإن التعبير عن الرأي وحشد الطاقات لمصلحة الوطن ظاهرة طبيعية في ظل النظام الديمقراطي، سواء جاءت على شكل إعلام مرئي أو مسموع أو صحافة أو ندوات عامة وحتى توقيع العرائض من قبل جمعيات دون أخرى، لأنها في نهاية المطاف تصب كلها في مصلحة المسيرة الديمقراطية ولا تعتبر مخالفة لأية قوانين، طالما كان النهج سلميا وحضاريا.

في الواقع لا يستغرب ما يصدر من بيانات وتصريحات من الجهات الرسمية، لأنها فعلا تمثل وجهة نظر الحكومة، ومن حقها ذلك، أما الدهشة فتأخذنا حينما نسمع تلك التصريحات أو ما يماثلها في المعنى تصدر من نواب وبرلمانيين، ممن وضع الشارع ثقته فيهم للتعبير عن مطالبهم وهمومهم، ولكنهم بدل ذلك وبدل أن يعملوا على تهدئة الأوضاع فإنهم يؤججون الوضع ويطالبون السلطة بالحزم وانزال العقاب بمواطنيهم، حتى وصل الأمر بأحدهم أن طالب باعتقال رؤساء الجمعيات السياسية، ونائب آخر يتهمها بالتحريض وإثارة الفتنة! وآخر يقول إنها جمعيات نفع عام، لا يحق لها ممارسة العمل السياسي! ليته قال إنها دكاكين لتوزيع البطاقات الخيرية... لكان الوصف أحسن!

إن هذه الجمعيات سياسية، ومن بينها جمعيات لها جذور وأصول في تاريخ الوطن والحركة الوطنية، والمطلوب من هؤلاء النواب المشككين في صدقية ذلك ليس مراجعة تاريخ الحركة الوطنية، لأنه ربما لا وقت لديهم أو لا يحبون القراءة، بل الرجوع إلى مواثيقها التي أودعتها وزارة العمل لكشف هويتها وحقيقة دورها السياسي.

على النائب أن يعمل بآلية وحركة نشطة، أي أن يجلس مع المواطنين من دون تميز ويتدارس أوضاعهم ومشكلاتهم، ويناقشهم في الشأن العام، بما فيه الأزمة الدستورية، بدل أن يهاجم ويتصدر اللقاءات المرتبة رسميا ويعلن تأييده التام للبيانات الصادرة حرفيا، بل عليه أن يدرسها ويقول ما لديه من ملاحظات بتروٍ ومن دون مجاملة أو خوف، هكذا يجب أن يكون النائب، سواء كان ديمقراطيا أو مستقلا أو حتى محافظا، لأنه في نهاية المطاف يمثل الناس الذين انتخبوه.

من جانب آخر لو أتينا على ذكر حرب البيانات، فإن من الواجب عدم التشنج وتصعيد الموقف واطلاق العبارات النارية من قبل أي شخص، مهما كان مركزه ومهما علا منصبه، ووصف مظاهر عرس الديمقراطية في أوالنا الحبيبة بأنها إثارة للفتنة وزرع للتفرقة وعدم الاستقرار، ويجب ألا ينسى هؤلاء النواب الكرام، ممن يتربعون على كرسي البرلمان بامتيازاته اللامحدودة أن من أوصلهم إليه هو الشعب، الذي قدم تضحيات جسام عبر التاريخ، ولولا تحرك الناس البسطاء، الذين ضحوا بأرواحهم، لما تحقق لهم ذلك.

سؤال موجه لهؤلاء النواب: لماذا حين يدعوهم مسئول في الدولة أو محافظ أو مدير نجدهم يتراكضون لحضور مجلسه، ويستمعون إليه ويثنون على بيانه، حتى ولو كان متناقضا ومصالح الناس، ويغضون الطرف عن محتواه، ولكنهم يترددون عن حضور ندوات ومجالس شعبية للاستماع ومناقشة الأمور مع هؤلاء ممن انتخبوهم ووضعوا ثقتهم فيهم؟ أليس ذلك من واجبهم؟ أين ذهبت وعودهم الانتخابية لمن شاركوا ولم يقاطعوا؟!

وأخيرا، يجب التخلي عن لغة التهديد والوعيد، التي يستخدمها بين حين وآخر مسئول هنا وآخر هناك، ملوحا بعصاه في وجه الجمعيات السياسية تارة بالتجميد وتارة بالحل، كل ذلك وذاكرة الناس لم تتخلص بعد من ترسبات الماضي.

المطلوب هو خلق أجواء هادئة لحوارات مفيدة وبناءة بين جميع الأطراف والتواصل بينها لتحقيق ما ننشد من أهداف في بناء وطن ديمقراطي متقدم

العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً