العدد 613 - الإثنين 10 مايو 2004م الموافق 20 ربيع الاول 1425هـ

إصلاح ما أفسده الدهر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل «يصلح العطار ما أفسده الدهر»؟ سؤال طرح بعد انتهاء وزراء الخارجية العرب من اجتماعهم في القاهرة تمهيدا للقمة العربية في تونس في نهاية الشهر الجاري.

الجواب: نعم. فعلى رغم كل سلبيات الوضع العربي وتعاقب الكوارث السياسية على دوله هناك إمكانات للإصلاح وتطوير العلاقات العربية نحو الأفضل. فالوضع العربي على كل سيئاته لايزال يملك طاقات وافرة للنهوض بالدول وإحداث النقلة النوعية المطلوبة استجابة لطموحات شعوب المنطقة. فالمشكلات في النهاية عربية وليست أميركية والدول مسئولة عنها في الدرجة الأولى على رغم الدور الأميركي المعهود في تعطيل إمكانات التقدم وإعاقة النمو السياسي والتنمية الاقتصادية.

الوضع العربي أفسده الدهر ولكنه لايزال، على رغم كل عمليات التدمير والإفقار، يملك الرغبة في الاستمرار والتطور. وهذه الرغبة في الحياة وامتلاك المعرفة وحب التقدم تعتبر من أسس التطور شرط أن تتوافر الأجواء المساعدة والقوى المشجعة على اكتشافها.

المطلوب من الدول العربية الكثير من الأمور، منها استعادة الثقة بالنفس وحشذ الإرادة وعدم اليأس. إلى هذه لابد من ترميم الجسور المقطوعة بين الأنظمة وشعوبها. انقطاع صلة الوصل بين المجتمع والدولة واحدة من المآسي. فالدول تخاف من مجتمعاتها والمجتمعات لا تثق بدولها. وهذه الهوة كانت أساس الاضطراب الدائم بين الحكام والشعوب. وإذا لم تردم الدول هذه الهوة فاحتمالات تدخل القوى الكبرى الطامحة إلى الثروات ستبقى واردة مستفيدة من هذا الخلل البنيوي في أسس التقدم.

ومطلوب أيضا من الدول العربية الرد على أسئلة الحاضر وهي أسئلة تطرق بقوة على أبواب الأنظمة. المطلوب الكثير في وقت قصير. فهناك أولا ضرورة إعادة قراءة مشروع المبادرة العربية الذي أطلق في بيروت والتأكيد من جديد على حقوق الشعب الفلسطيني وإعلان التمسك بالقرارات الدولية (على علاتها) كأساس لكل تسوية تاريخية في المنطقة. وهناك ثانيا إعادة بحث الموقف العربي المشترك والاتفاق على الحد الأدنى من الملفين الفلسطيني والعراقي وآلية الربط بينهما من دون تنازل عن الحرية والسيادة. وهناك ثالثا مشروع إصلاح مؤسسات جامعة الدول العربية وضرورة البدء بها تمهيدا لنقلها من فكرة الحلف (التحالف) إلى مستوى الاتحاد. ورابعا هناك مشروع الإصلاح العربي للاقتصاد والتنمية واحترام حقوق الإنسان وغيرها من مشكلات لم يعد بالإمكان إهمالها وتجاهلها باسم الأمن.

الوضع العربي اليوم أمام مفترق طرق، فإما يستمر الدهر في إفساد ما تبقى من روح وإمكانات وطاقات وتطلعات، وإما أن تستعيد الأنظمة ثقتها بشعوبها وتعطي فرصة للمجتمعات لتعيد إنتاج مشروعها بالتكافل والتضامن مع دولها.

المعارضات العربية بدأت بالتغير وهناك الكثير من شرائحها انتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج وبات على يقين بأن التطور لا يأتي بالانقلاب أو بالصراخ في الشوارع. هذا النضج يشكل فرصة تاريخية للدول العربية لتصحيح العلاقات أو ترميم الجسور المقطوعة. فالتطور دائما بحاجة إلى طرفين: دولة عندها رؤية ومجتمعات تملك الطموح. وهذه الأمور متوافرة في المنطقة العربية وتحتاج فقط الى إرادة سياسية وشجاعة تاريخية لاتخاذ القرارات المطلوبة لتحقيق النهوض المشترك والتقدم الاجتماعي.

الرهان على الموقف الدولي كارثة سياسية عربية وهو خطأ تاريخي ارتكبته الأنظمة في العقود الأخيرة ووقعت فيه الكثير من المعارضات العربية ردا على الانغلاق العام الذي ضغط بقوة على مختلف الدول.

الظروف الدولية عوامل مساعدة أو معطلة. والخطأ هو في المراهنة على الموقف الدولي. فالرهان المطلق على الموقف الدولي أسهم في افساد العلاقة بين الدول والمجتمعات وسبّب الكثير من المآسي وجرّ مختلف الأطراف إلى حسابات خاطئة وادى إلى سلسلة أزمات كانت أميركا (وإسرائيل بالتالي) هي الطرف الأساس المستفيد من كل التداعيات.

المعارضة العربية، أو بعض شرائحها المتأمركة، اكتشفت الآن وبعد كل ما شهدته من مناظر تقزز النفس في العراق أن رهانها على واشنطن ليس فرصة يجب الاستفادة منها بل كارثة تجلب المزيد من الكوارث.

هل «يصلح العطار ما أفسده الدهر»؟. نعم. هناك إمكانات كثيرة إذا توافرت الإرادة والاستعداد والقابلية... وهذه كلها موجودة وتحتاج إلى إعادة اكتشاف انطلاقا من تحقيق المصالحة التاريخية بين الدول والمجتمعات العربية.

الأفكار كثيرة والقوى البشرية جاهزة وتحتاج فقط إلى اطلاق سراحها وتجديد الثقة والاقلاع عن المغامرات وتأكيد أن التطور ضرورة تاريخية ولكنه لا يأتي بالانقلابات بل بالعمل مع دول تملك رؤية للمستقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 613 - الإثنين 10 مايو 2004م الموافق 20 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً