العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ

جداريات «الإسكافي»... كلام الحجر للبصر

الفنانون منهمكون في رسم جدارياتهم، والمتفرجون يقفون طويلا أمام كل لوحة من لوحات هذا المعرض في الهواء الطلق، وسيل السيارات الموازي لهذه الجداريات يقف انصاتا لفرشاة الألوان وهي تحيك كل هذا الجمال. أطفال وغلمان وشباب وشيوخ مقبلون لرؤية هذه التظاهرة الفنية الأولى...

يقول الفنان أنس الشيخ وهو يمعن النظر في هذه الجداريات: «لا تخلو الساحة من محاولات ومجهودات شخصية تحاول ما أمكنها إتاحة فرصة للشباب ليمارسوا هواياتهم، ولكن منذ العام 1989 وحتى اليوم لا نجد ذلك الدعم الكبير الذي يمكنه موازاة هذه الهوايات والطاقات، والأمر منوط بالدرجة الأولى بالمؤسسة العامة للشباب والرياضة حين أوقفت دعمها للأندية الرياضية وبالتالي توقفت أنشطة النوادي وأصبح الفنانون لا يجدون متنفسا لهم ليمارسوا هواياتهم، وحتى الجمعيات الفنية لم تعد تتلقى الدعم الكافي، إذا أين يتحرك الشباب اذا لم توجد المراكز الثقافية في القرى والمدن؟ لا يبقى لهم الا هذه المجهودات الفردية».

ويقول الفنان عبدالأمير الغانمي مقارنا بين هذه الفعالية الأهلية وملتقى البحرين أصيلة: «فيما يخص الجداريات أتصور أن مهرجان الاسكافي كان أكثر توفيقا، فعندما كنا نذهب إلى الجداريات التي يرسمها الفنانون في أماكن متفرقة، كنا نبحث عنها لأنها لم تكن على خط واحد، بينما نجد هنا الأعمال واضحة المعالم أمامنا، كذلك أجد في هذه الجداريات تركيزا من قبل الفنانين على الجوانب التراثية المشرقة من البحرين، كما أن وجود هذا المعرض الحي أمام نواظر الناس أكسبه زخما وتطلعا وتواصلا مع الناس، كما نجد هنا كل الفنانين ملمومين بعضهم إلى بعض وهذا ما لم يتوافر في جداريات أصيلة».

والفنان التشكيلي ابراهيم السجاد يلقي الضوء هنا على لوحته التي تمثل فلاحا يمشي في بستانه ومن حوله الأشجار، وبالقرب منه نهر أو «ساب» صغير، ليقول السجاد: «هذه اللوحة مأخوذة من أجواء الديه، وهي صورة تحفظها ذاكرتي منذ خمس عشرة سنة، فقد رأيت كل هذا الجمال الريفي، القادر على استهوائنا، فقد نشأنا بينها وبين ظلالها، ولكنها اليوم وللأسف آذنت بالرحيل، وكم هو جميل أن تتحول هذه الجداريات الى معرض يعرض لوحات تراثية قدر لها الزوال، فتلك مزية كبيرة يحققها هذا المهرجان».

ونجد عند الخطاط عبدالشهيد الثور مشاركة متميزة هنا إذ قدم عملين، أحدهما قدم فيه آية قرآنية والآخر شارك فيه الشاعرة إيمان أسيري بالخط على لوحتها امرأة النار وامرأة الهواء، يقول عبدالشهيد الثور: «لا أعلم لماذا لم تكن غير هذه المشاركة الخطية اليتيمة مع أن هناك خطاطين شاركوا في هذه المهرجان ولكنهم اكتفوا بلوحات تشكيلية، في حين المجال كان مفتوحا للمشاركات بلوحات خطية، فالمساحة الكبيرة للوحة تجعل الفنان يمارس الخط بشكل واضح وأكثر مرونة».

ولكن الفنانة الشابة أسماء إبراهيم فاجأت المتفرجين بلوحة تمثل امرأة وهي بلباس الزواج، وتقول عن هذه اللوحة: «كل من يتفرج على هذه اللوحة يقف أمامها طويلا، وذلك لأن رؤية العروس وهي جالسة بلباس الزواج مستورة الوجه والجسم، تعود بالذاكرة إلى تلك الأيام الجميلة من تراثنا».

أما المتفرجون فيؤكدون جمالية هذه التجربة، إذ يقول سيدهاشم سيدسعيد: «لم أحظَ من قبل بمشاهدة كل هذا الجمال الذي أراه اليوم، فقد تزينت السنابس بهذه اللوحات، التي تذكرني بذلك الوجه القديم الذي انتهى وهو صورة البيوت القديمة».

ويضيف عباس أوال المقبل من قرية «أبو قوة» خصيصا لمشاهدة هذه الأعمال: «أجد في هذه الأعمال مجالا رحبا لاجتهادات الشباب، فهنا اهتمام حقيقي بهم، وتحقيق للكثير من تطلعاتهم وأهوائهم».

ويجد محمد عبدالنبي الكداد أهمية كبرى لهذه الجداريات، وهو إذ يشرح وجهة نظره يقول: «أتصور أن أكبر ميزة يحظى به هذا المهرجان هي استثارة اهتمام وخيالات الأطفال، وسمعت أن هذا المهرجان سيكون له مرادف للفنان الصغير في الفترة اللاحقة».

وهي لفتة مهمة من قبل منظمي هذا المهرجان، تقول عنها الطفلة كوثر حسن محمد: «نحن نحب رسم الحدائق والزهور في المدرسة، وإذ جعلونا نرسم هنا قرب الشوارع فسنرسم كل ما نراه».

وكذلك جنان منير مهدي تقول: «نحن أيضا فنانات ولكننا صغار السن، ونستطيع رسم الحدائق والطيور والنخيل والشوارع، وأنا سأكون سعيدة إذا جعلوا لنا مرسما».

لقد خلقت تلك الجداريات طوال ثلاثة الأيام الماضية تظاهرة ثقافية وفنية كانت البحرين في حاجة إليها، فلأول مرة نجد الفنون التشكيلية تنزل إلى الناس وتقترب منهم وتتأثر بهم، فكم نحن بحاجة إلى أمثالها من أعمال.


البوسطة والشيخ يشاركان في تقييم الجداريات

السنابس - الوسط

شارك يوم أمس كل من الفنانين عبدالكريم البوسطة وأنس الشيخ في تقييم الجداريات التي شارك بها الفنانون في المهرجان، وقد كان لـ «الوسط» وقفة سريعة معهما لاستطلاع آرائهما حول المهرجان.

يتحدث الفنان التشكيلي عبدالكريم البوسطة عن المهرجان قائلا: «يعد المهرجان تجربة ممتازة، خصوصا في ظل هذه الظروف التي نعيشها، والتي يحتاج الإنسان فيها إلى كم من المعرفة، يمكن أن يكتسبها من خلال رؤيته لهذه اللوحات. هذا المهرجان يجعل الإنسان ينظر إلى الجدران بطريقة مغايرة للسابق، إذ تكون نظرته واعية من خلال الألوان والخطوط الموجودة عليها والتي خطتها أنامل الفنانين، وكل ذلك يعد قيما اجتماعية تدلل على روح المجتمع وأصالته، وتحقق مضامين كثيرة، فعلى سبيل المثال عندما يمر زائر ويلاحظ الجداريات، فإنه يشعر بوجود حس خاص للجدار جاء عن طريق تفكير فني واعٍ».

وبخصوص المعايير التي اعتمدتها لجنة التحكيم لتقييم الأعمال، قال البوسطة: «وضعت لجنة التحكيم عدة معايير، منها البناء التكويني لموضوع اللوحة، بالإضافة إلى محاولة الفنان لتركيب العناصر التي استخدمها في تركيب متناسق بحيث يبرز الشكل الجمالي للمضمون، كذلك يعتمد التقييم على الفكرة العامة للوحة، وطبيعة اللون المستخدم ومدى توظيفه بطريقة جيدة، إلى جانب تناسب اللوحة مع طبيعة المكان».

ويشير البوسطة إلى أن «الرسم على الجدران يختلف عن باقي الرسومات، إذ إنه ينبع من قاعدة اجتماعية واسعة، هذه القاعدة تضم الجانب الثقافي، الاجتماعي، السياسي، الفكري والعقائدي. الجدار عبارة عن قراءة للشارع، وليس قراءة شخص لوحده، فعلى سبيل المثال لو شاهدنا بوابة قديمة في إحدى الجداريات، فإن ذلك يرمز إلى بوابة المجتمع بشكل عام، وبالتالي لابد أن يعي رسام الجدارية العناصر الأساسية لها».

ومن جانبه يتحدث الفنان التشكيلي أنس الشيخ عن انطباعه حول المهرجان قائلا: «الفكرة التي نفذها مركز السنابس الثقافي من خلال مهرجان «الاسكافي» هي تفعيل للجانب البصري عند الفنان والجمهور على حد سواء. إقامة مثل هذه الفعالية بدعوة جميع الفنانين إلى المشاركة، كل على حدة في إنجاز عمل جماعي هو أمر مهم لتدريبهم على ممارسة فنونهم أمام الجمهور، وكذلك فإنه مهم للجمهور من خلال متابعتهم لرسم الفنان، ما يخلق جيلا واعيا يستوعب القضية الجمالية البصرية».

مضيفا «هذه الفعاليات بحاجة إلى دراسة أكبر، خصوصا أن العمل يتعلق بمشروعات جمالية ترتبط بالمكان، إذ يجب على الفنان أن يكون مدركا لطبيعة العمل في مكان مفتوح وضرورة أن يراعي مواصفات معينة للرسم».

وينوه الشيخ إلى «ضرورة أن تقوم اللجنة المنظمة بدراسة المحصلة النهائية للجداريات التي أنتجها الفنانون، وما الذي أضافته إلى جمال المكان».

أما عن مشاركة الأطفال فبين الشيخ «مشاركتهم في هذه الفعالية مهمة، إذ تعطيهم دافعا ليعبروا عن أنفسهم ويبرزوا مواهبهم وقدراتهم، من خلال المشاركة مع الكبار جنبا إلى جنب».

فيما قال البوسطة: «مشاركة الأطفال في المهرجان ستخلق قاعدة جماهيرية شعبية، وستجعلهم في المستقبل متذوقين للفن»

العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً