العدد 623 - الخميس 20 مايو 2004م الموافق 30 ربيع الاول 1425هـ

لماذا يصعب على واشنطن استعادة ثقة العرب؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

قبل شهرين أعلنت واشنطن على الملأ تنصلها من دور الوسيط النزيه بين العرب و«إسرائيل» وذلك من خلال تأييدها اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وبعده عبدالعزيز الرنتيسي، وأيضا من خلال موقفها الأحادي بتأييد خطة شارون الرامية للانسحاب من قطاع غزة وضم مستوطنات في الضفة الغربية لأراضي الدولة العبرية بصورة نهائية ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الأم.

فشل استراتيجية صقور واشنطن في العراق وفضيحة تعذيب معتقلين عراقيين في سجن أبوغريب، إضافة إلى التحيز العلني لحكومة شارون والصمت على الحرب الصغيرة الدائرة بين «إسرائيل» والفلسطينيين، ثم فرض عقوبات اقتصادية من جانب أحادي على سورية، كل ذلك صعّد موجة العداء للولايات المتحدة بين الشعوب العربية.

وحين يقف الرئيس الأميركي جورج بوش أمام قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في القمة المقررة نهاية يونيو/ حزيران المقبل في اسطنبول، ويعلن كما هو مقرر عن مبادرة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير، لن يأخذ العرب كلامه على محمل الجد. ملك الأردن عبدالله الثاني كان مصيبا حين قال إن الولايات المتحدة أضاعت على نفسها فرصة مهمة في المنطقة. إن المبادئ التي دعت إليها الولايات المتحدة حين شنت حملتها العسكرية على العراق من دون النجاح في إقناع غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بمبررات الحرب ضد نظام الرئيس السابق صدام حسين، واتهامها النظام العراقي بخرق حقوق الإنسان، هي نفسها المبادئ التي خرقتها في العراق. فبعد الحرب التي كلفت آلاف الضحايا والتي كان يمكن تفاديها، ثم الاحتلال وحرب المقاومة وفرض مجلس حكم غير مرغوب من قبل الشعب العراقي وتعذيب المعتقلين بصورة مهينة، بددت الثقة بالقوة العظمى، ليس فقط في العالم العربي والإسلامي بل في دول الاتحاد الأوروبي أيضا وأنحاء كثيرة من العالم. وهكذا أصبحت حرب العراق تهدد مسعى بوش إلى الفوز بولاية جديدة، وبعد أن كشفت أن القوة العظمى الوحيدة في العالم لها أيضا طاقات محدودة.

وكانت واشنطن أدركت أنها من أجل ضمان العراق لاستراتيجيتها في المنطقة لا تحتاج فقط لبقاء قواتها فترة طويلة في أراضيه بل الأهم من ذلك أن تكسب السلام من خلال كسب قلوب العراقيين. ويأتي إنشاء محطة التلفزيون الناطقة باللغة العربية (الحرة) ليخدم هدفا بعيد المدى في العراق الغني بالنفط والمنطقة العربية، لكن من الصعب أن تؤثر الدعاية الأميركية على شعوب المنطقة في ظل السياسة المتخبطة التي تزيد موجة العداء ضد الولايات المتحدة.

وينظر المراقبون إلى أن اللقاء الذي تم في العاصمة الألمانية الاثنين الماضي بين مستشارة البيت الأبيض للأمن القومي كوندليزا رايس ورئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع ليس ضمن مبادرة جديدة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ولا لوقف التصعيد الخطير الذي تستخدم فيه «إسرائيل» أسلحتها الثقيلة مثل الدبابات والمقاتلات الحربية ضد مناطق مأهولة بالمدنيين العزل، وإنما ضمن محاولة يائسة لتخفيف نقمة الرأي العام العربي والإسلامي على الولايات المتحدة وخصوصا بعد خرقها الواضح لاتفاق جنيف الخاص بمعاملة أسرى الحرب.

الظهور التلفزيوني على محطات فضائية عربية لبوش ورايس في الفترة الأخيرة إضافة إلى لقاء برلين، يأتي في إطار حملة إعلامية هجومية تعمل بها الإدارة الأميركية التي وجدت أنه ربما بوسعها جمع نقاط من الجانب الفلسطيني لأنه من الصعب في الوقت الحالي تحقيق خطوات إيجابية في العراق المشتعل. ناهيك عن أن التصريحات المتناقضة التي صدرت عن بوش الذي قال إن القوات الأميركية ستبقى في العراق ثم إعلان وزير خارجيته كولن باول أن بلاده يمكن أن تقبل بجمهورية إسلامية في العراق، وقول الحاكم الاميركي في العراق بول بريمر أنه يمكن أن يتصور انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد، وطرحت أكثر من علامة استفهام عما إذا لدى واشنطن استراتيجية محددة تجاه العراق.

إذا الإجابة على هذا السؤال هي: نعم هناك استراتيجية، فإنه آن لواشنطن أن تدرك أن سياستها الحالية في العراق تحتاج إلى تغيير جذري، وأن عليها أن تترك العراق للعراقيين. أما إذا كانت الإجابة: لا فعليها أن تعترف بفشلها وأن تسلم دفة الأمور إلى الأمم المتحدة وتنسحب حصرا للخسائر، لأن العراق ورقة خاسرة.

وواشنطن اكتشفت الفلسطينيين مجددا، إذ اجتمع باول في الأردن برئيس الوزراء الفلسطيني ثم حصل الأخير على فرصة الاجتماع بمستشارة البيت الأبيض للأمن القومي في برلين. هذا وسبق أن عوقب قريع من قبل واشنطن التي تجاهلته منذ تسلمه منصبه خلفا لأبي مازن في خريف العام الماضي. كما اقتصرت واشنطن في مباحثاتها على سماع ما يقوله شارون ويوافق عليه بوش وذلك على حساب الطرف الفلسطيني. وإذا كانت الولايات المتحدة تحاول تعديل سياستها تجاه الشرق الأوسط، فإن هذه الخطوة لا تجد قبولا عند شارون الذي يرزح تحت ضغط في الداخل، إذ تظاهر ما يزيد على مئة ألف متظاهر طالبوا في عطلة نهاية الأسبوع الماضي في تل أبيب بانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وهو ما رفضته غالبية أعضاء حزب الليكود. والآن يخشى شارون أن يضعف نفوذه في واشنطن، إذ طالما صرح بأنه وضع خطة الانسحاب من غزة بمفرده لعدم وجود مفاوض فلسطيني، وما قام به باول ورايس يؤكد عكس ما يقوله شارون.

قد يقول قائل إن لقاء قريع مثلا إشارة إيجابية وطلب للصفح من العرب عما جرى من تعذيب في سجن أبوغريب، أو نهاية العمل بخطة الصقور التي تنص على عدم التفاوض مع الفلسطينيين المعادين لـ «إسرائيل» وتريد حل مشكلات الشرق الأوسط في بغداد. وأفضل مثال على الشعور بخيبة الأمل هو اعتراف مهندس حرب العراق نائب وزير الدفاع الأميركي بول ولفوفيتز الذي اعترف أمام لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ بأن سبل استجواب المعتقلين العراقيين خرقت اتفاق جنيف الخاص بأسرى الحرب، لكن الخطوة الأميركية الجديدة مقيدة وتسير في طريق شائك وضيق، إذ ليس بوسع إدارة بوش قبل موعد انتخابات الرئاسة أن تقدم للفلسطينيين سوى ما هو أقل بكثير من خريطة الطريق التي تنص على قيام دولة فلسطينية العام 2005. وما تعرضه واشنطن الآن لا يزيد عن انسحاب «إسرائيل» من غزة، وذلك في الوقت الذي يستعد فيه شارون لإعلان ضم ست مستوطنات في الضفة الغربية لأراضي الدولة العبرية. وهذا قليل جدا لاستعادة ثقة العرب، عوضا أن رايس لم تبلغ قريع بجديد: «تخلصوا من عرفات واحملوا السلاح بوجه حماس والجهاد الإسلامي منعا لتعرض أمن الإسرائيليين للخطر»!

ويعرف بوش أنه لا يستطيع بأي حال الذهاب بعيدا والعمل بسياسة لا ترضي شارون وبالتالي الناخبين اليهود أو المسيحيين المتعصبين في بلاده. ولاشك في أنه يسعى إلى ضمان أصواتهم، وهو ما لن يسمح له باتخاذ أي قرار لا يرضي «إسرائيل»، وهذا ما يعرفه شارون جيدا. وكل ما يخشاه رئيس الوزراء الإسرائيلي فقط هو أن يعود بوش إلى تكساس نهاية العام بعد أن يكون خسر الانتخابات، وهكذا يكون قد خسر الصديق الذي كان يعمل معه في وضع حقائق سريعة في فلسطين

العدد 623 - الخميس 20 مايو 2004م الموافق 30 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً