العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ

إيران والصين... واستراتيجيات المصالح

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يزور الصين هذه الأيام مساعد وزير الخارجية الإيراني لشئون آسيا والمحيط الهادي محسن أمين زادة، ليجري في هذه الزيارة محادثات مكثفة مع المسئولين الصينيين تتركز على الجوانب الاقتصادية والسياسية، وتأتي هذه الزيارة استتباعا لسلسلة من الزيارات المتكررة التي قام بها مسئولون إيرانيون للصين في السنوات الخمس الماضية.

ففي شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام 1999، زار بكين نائب الرئيس الإيراني محمد خاتمي، للمشاركة في اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة، كما ناقش سبل توطيد العلاقات البينية على قاعدة المبادئ الخمسة للتعايش السلمي.

وفي شهر يونيو/ حزيران من العام 2000 قام خاتمي بزيارة تاريخية للصين إذ وقّع عدة اتفاقات اقتصادية ودفاعية هناك، وزار مدينة أورومكي في إقليم سينكياغ الواقع بشمال غربي الصين والذي يُمثل المسلمون فيه غالبية السكان، كما قام بعدها وزير الخارجية كمال خرازي بزيارة مماثلة اعتبرت مُهمّة لاعتبارات تتعلق بالوضع الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط آنذاك.

ولكي لا أستغرق أكثر في السرد التاريخي للزيارات المتبادلة والتي أردت بذكرها تحديد مؤشرات العلاقة من حيث القوة أو الضعف، أشير إلى أن هذا الاهتمام الإيراني المتزايد بتوطيد العلاقات مع الصين مرده عدة أمور:

1- تتطلع إيران في علاقاتها مع الصين للتحوّط اللوجستي والسياسي من الخلف، وكسر الطوق الذي تحاول الولايات المتحدة تطويقها به، وخصوصا أن احتماءها بالصين نابع من درايتها بأن هذا البلد هو أكبر قوة اقتصادية في شرق وجنوب شرق آسيا، بل إنها تتفوق على اليابان في عمليات الاستيراد والتصدير، وأن ناتجها القومي المحلي يساوي ضعف ناتج الهند وروسيا الاتحادية معا، كما أن المحللين يتوقعون ووفق المعدلات الجارية للنمو الاقتصادي أن تتفوق الصين من ناحية الناتج المحلي على الولايات المتحدة بحلول العام 2015، إذ من المتوقع أن يصل إلى 12 تريليون دولار مقابل 11 تريليون للولايات المتحدة، وبالتالي فإن إيجاد وشائج اقتصادية ومصالح استراتيجية مع بكين سيساعد الإيرانيين على تأمين مصالحهم في القارة الآسيوية.

2- إن الصين وبسبب الكثافة السكانية العالية تبقى سوقا استهلاكية بالمطلق، فالإحصاءات تشير إلى أن القيمة الإجمالية للوجستيات المحلية بلغت 993 مليار دولار في الربع الأول من العام 2004، كما تتطلع إيران للوصول إلى المنطقة الشرقية في الصين والتي تشمل مدينتي بكين وتيانجين، وهي تمثل 12 في المئة من مساحة الصين ونحو 36 في المئة من عدد السكان، وتتميز بالمواصلات السهلة وموارد الأيدي العاملة، وهو ما أكده محمد هاشمي رفسنجاني في لقائه بالسفير الصيني لدى طهران مطلع الشهر الجاري، عندما ركز على السوق الاستهلاكية الهائلة في الصين وإمكان توظيف استثمارات صينية طويلة الأمد في إيران، يُضاف إلى كل ذلك فإن الرغبة الصينية الجامحة في التوجه نحو أوروبا الغربية وخصوصا فرنسا وألمانيا، تتطلب محطات نقل وجمارك آمنة على طول الخط الواصل بينها وبين أوروبا، لذلك فهي ستلجأ إلى إيران في ذلك لسببين: الأول وهو أن إيران تتمتع بحركة مواصلات حرة وفضاءات بحرية وجوية مُغرية، وهو ما يُمكنها من نقل البضائع من وإلى أوروبا، الثاني وهو أن إيران تتمتع بعلاقات جيدة مع الفرنسيين والألمان الذين يعتبرون أكبر شريك تجاري أوروبي مع إيران، وهو ما سيجعل إيران محل اهتمام صيني.

3- تعي إيران حجم التناقضات الموجودة بين بكين ونيودلهي، وخصوصا أن الصينيين يدعمون باكستان في صراعها مع الهند، لذلك فإن إيران يُمكنها أن تلعب دورا ما في عملية التسويات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، وهو ما سيمكنها من استحصال صدقية واستقطاب إقليمي آسيوي، كما أن طهران بتوغلها في عُمق القارة الآسيوية سيعطيها فرصة سانحة لأن تكون رقما صعبا في المعادلات السياسية هناك، وقد رأت في تجربتها الرائدة مع الهند، كيف وفرت لها فرصة لأداء دور مهم في أفغانستان وتنشيط الاقتصاد الإيراني بصورة ملفتة.

4- تعي إيران مدى حاجة الصين إلى النفط، فبكين تستهلك يوميا زهاء الستة ملايين برميل، نصفه يأتيها من الخارج، وتقول الإحصاءات إن الصين ستضطر بحلول العام 2030 إلى استيراد 85 في المئة من نفطها المستهلك، وكان الرئيس هوجينتاو قد زار موسكو في شهر مايو/ أيار من العام الماضي لتوقيع عقد نفطي ضخم بقيمة 150 مليار دولار ولمدة 25 سنة مع شركة «يوكو» النفطية الروسية، إذ إنه وبموجب هذا الاتفاق تقوم الشركة المذكورة بمد خط أنابيب طوله 1500 ميل قادر على إيصال 600 ألف برميل يوميا ومباشرة من آبار النفط في شرق سيبيريا إلى مقاطعة داكينج، إلا أن هذا العقد ألغي بعد اعتقال رئيس الشركة ميخائيل خودوركوفسكي، واضطرت الصين إلى أن تلجأ إلى كازاخستان إلا أنه وبسبب تعقيدات فنية وإدارية لم تفلح في ذلك، لذلك فإن إيران تطمح لأن تكون المورّد الأول من النفط لها، وخصوصا أنها باتت قريبة جدا من الأراضي الصينية بعد أن فازت شركة هندسة وبناء مشروعات إيران البحرية بعقد نفطي ضخم مع الهند للاستثمار والتنقيب في حقول مومبي النفطية (RSPPM) وبالتالي فإن خيار إيران النفطي بالنسبة إلى الصين سيكون أفضل العطاءات بالنسبة إليها

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً