العدد 629 - الأربعاء 26 مايو 2004م الموافق 06 ربيع الثاني 1425هـ

الأهم... برنامج زمني لتنفيذ الإصلاح الديمقراطي

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

لم تفاجئنا القمة العربية، التي انعقدت في تونس قبل أيام، بقرارات مهمة، ولا بمواقف حاسمة، كما توهم البعض، فكل ما صدر عنها كان متوقعا، هو الحد الأدنى كما جرى العرف، ولم يرقَ إلى مستوى الضجة التي سبق أن أثيرت، بشأن تأجيل القمة من مارس/ آذار، إلى مايو/ أيار!

فهذه قرارات، وهذا بيان ختامي، يعمم أكثر مما يحدد ويخصص، يكرر ما صار معروفا للكافة من مبادئ بشأن التضامن في وثيقة العهد، وبشأن الديمقراطية والشورى، وبشأن إدانة جرائم «إسرائيل» في فلسطين، وجرائم أميركا في سجون العراق، وبشأن مساندة الإمارات في نزاع الجزر الثلاث، ومساندة سورية في وجه العقوبات الأميركية... إلخ

ولذلك سنقصر حديثنا اليوم، على القضية الجوهرية التي نراها مفتاح التقدم، نعني قضية الإصلاح الديمقراطي بكل جوانبه، ذلك أن ما جاء في قرارات القمة جيد من حيث تكرار الصياغات وحديث المبادئ، لكن تنقصه إرادة التغيير، وآليات التنفيذ والتطبيق، الأمر الذي يؤكد هواجسنا التي عبّرنا عنها في أكثر من مناسبة، والتي تدعي أن قرارات القمة بشأن الإصلاح هي مجرد كلام مكتوب على ورق، تمحوه نقطة ماء أو لفحة هواء، غدا أو بعد غد، حين تمر العاصفة الضاغطة من الخارج، ثم «تعود ريمة إلى عادتها القديمة»!!

ويخطئ من يتصور أنه قد يفلت هذه المرة من استحقاقات الإصلاح وضرورات تنفيذه، كما أفلت في الماضي، وخصوصا في ظل تصاعد المطالب الشعبية الداخلية، والضغوط الأجنبية الأوروبية والأميركية، بإدخال إصلاحات هيكلية وجوهرية على طبيعة وتكوين وأساليب النظم العربية الرسمية، فإن راوغت هذه النظم الضغوط الداخلية، فهي لن تفلت من الضغوط الخارجية، التي لن تسمح لها هذه المرة بأن «تروغ كما يروغ الثعلب»!!

ولعلنا ننبه من الآن وللمرة الألف، إلى أن المراوغة والتهرب والتسويف والتأجيل، خطر لا يهدد فقط مسيرة الإصلاح الديمقراطي الشامل الذي نطالب به مع جميع القوى الوطنية والديمقراطية، ولكنه يهدد أساسا الاستقرار والأمن والبقاء ذاته، فإن لم نغيّر بأيدينا، فستفرض الضغوط الأوروأميركية التغيير الذي تراه مناسبا لتحقيق مصالحها، بما في ذلك تغيير الحكام والحكومات بل وثقافة وسلوك المحكومين!!

أما مظاهر الخطر الذي نراه، فهي تتمثل في قرارات القمة العربية بشأن الإصلاح، فهي كما أسلفنا تتحدث عن مبادئ صارت عامة يعرفها الكافة، حتى من نشرات أنصار الحرية وكراسات تلاميذ المدارس، مع حفظ التقدير للمكانة السامية للقمة، ولكن تجاهل وضع آليات محددة لتنفيذ هذه المبادئ، وصبها في برامج مؤقتة، وتحديد أولويات التطبيق، هو الأخطر في القضية برمتها، ذلك أنه يعطي انطباعا أوليا بغياب إرادة التغيير الحقيقي، ويؤكد الهواجس الدفينة والشكوك العميقة في نفوس أمثالنا وهم كثر!

فإن كنا في الداخل نحمل مثل هذه الهواجس والشكوك، فإن قوى الخارج تعرف باليقين وبالمعلومات والتحليلات الحقيقية، هل بيانات القمة بشأن الإصلاح العربي، مجرد تلبية لضغوطها الشرسة، وخوفا من عقابها العنيف، يريد القادة العرب أن يتجنبوا بها مثل هذا العقاب مؤقتا، أم انها تعبّر عن إرادة حقيقية وصادقة في تغيير أوضاع متردية وإصلاح أحوال متدهورة، في منطقة تخاصم الديمقراطية والتقدم بحجج واهية، فأصبحت تشكل مصدر قلق رئيسيا لهذه القوى الخارجية؟!

وبصرف النظر عن مدى وطبيعة استقبال القوى الخارجية الضاغطة، وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية، لبيانات القمة العربية عن الإصلاح الديمقراطي وضرورات التغيير، وقد ضغطت من أجل ذلك كثيرا، فإننا انتقلنا من الناحية العملية إلى موقف جديد، قوامه أن النظم الحاكمة العربية، التزمت لأول مرة، وفي قمة معلنة، بإجراء إصلاحات أساسية وبتبني الديمقراطية والشورى، ما يمثل نقلة موضوعية وإيجابية مهمة، بعد طول مراوغة...

وفي ضوء الموقف الجديد هذا، أصبحنا في مواجهة عدة سيناريوهات للإصلاح وأساليب التغيير، أهمها كما نعتقد...

(1) إجراء تغييرات شكلية وتجميلية وموضعية، تنفذها بعض النظم العربية، لتهدئة الداخل الثائر، ولتجنب عواقب غضب الخارج الضاغط، وقد بدأنا نرى ذلك في أكثر من مكان وبأكثر من صورة، مثل تشكيل مجالس محلية أو شوروية معينة أو نصف منتخبة، ومثل تعيين امرأة هنا وممثل لأقلية هناك، ومثل تعيين مجالس ولجان حقوق الإنسان الصورية، فاقدة الصلاحيات... إلخ.

وهذا كله يعبّر عن سياسة قصيرة النظر، خائبة النظرة؛ لن تساعد على الهروب!

(2) السيناريو الثاني، هو إجراء إصلاح وتغيير تدريجي وحقيقي، يبدأ بالأسهل ليصل إلى الأصعب، وفق الظروف والضغوط، ويستجيب بدرجة من الدرجات للمطالب الداخلية والضغوط الخارجية، لكنه يتقدم إلى الأمام بخطوات ثابتة ومنتظمة، وفق أجندة زمنية محددة.

(3) أما الثالث، فهو وقوع تغيير جذري مفاجئ بأسلوب انقلابي، سواء عن طريق قوى داخلية راديكالية «سياسية أو دينية»، أو عن طريق التدخل العسكري الأجنبي، على نموذج إطاحة نظام صدام حسين في العراق، بالدبابات الأميركية الغازية، وكلاهما مُرّ ومغامر.

والمؤكد أن لكل من هذه السيناريوهات، إيجابياتها وسلبياتها، متاعبها ومصاعبها، لكنها تضعنا في مواجهة حتمية التغيير وضرورات الإصلاح الديمقراطي بدرجة أكثر وضوحا من الفترات السابقة، تضع النظم الحاكمة في مأزق الاختيار الصعب، وتضع الشعوب المحكومة أمام آفاق جديدة، تطلعا إلى الأفضل والأحسن، مما هي فيه الآن...

ولذلك قلنا منذ البداية، إن إعلان القمة العربية بشأن الإصلاح الديمقراطي، جاء معمما، يبشر بالحرية وينص على قيودها، يتحدث عن الديمقراطية حين يتوجه إلى الغرب، ويتحدث عن الشورى إن توجه إلى العرب والمسلمين، وفي كل الأحوال جاء خلوا من التزام فعلي وبرنامج عملي للتنفيذ والتطبيق، سواء بصورة تدريجية أو بصورة شاملة، وهذا هو الأخطر، الذي يفتح الباب للسيناريو الأسوأ...

ونظن أن شرعية النظم الحاكمة وصدقيتها، أصبحت الآن على المحك، وفي العلن وأمام الكافة في الداخل الثائر وفي الخارج الضاغط، فلا شرعية بعد الآن، من دون ديمقراطية وعدل وحرية وتنمية، ولا صدقية من دون تطبيق سريع لهذه المبادئ بعد أن تدهورت الأوضاع نحو القاع في كل البقاع!!

ومع الاعتراف بخصوصية كل مجتمع، واختلاف أوضاع هذه الدولة عن تلك، الأمر الذي يعني اختلاف برامج التطبيق وأولويات التنفيذ المطلوب للإصلاح والتغيير، فإن السائد أن هناك معايير عالمية للإصلاح الديمقراطي، تأثرت بالضرورة بالفكر والتطبيق والتجربة في معاقل الليبرالية الغربية، وخصوصا في أوروبا وأميركا، ومنها ذاعت في العالم كله وشاعت، ولاحظ نموذج تركيا التي حفيت أقدامها على مدى سنوات طويلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومازالت حتى الأمس تقر إصلاحات جديدة، «تلتقي مع المعايير الأوروبية» شرطا ضاغطا للانضمام، ثم انظر نموذج تهرب أميركا من توقيع اتفاق تجارة حرة مع مصر، لأن هذه «تفتقد المعايير الليبرالية الضرورية»، وهو نموذج تلكؤ الاتحاد الأوروبي نفسه في توقيع اتفاق المشاركة مع سورية حديثا...

من ناحيتنا نظن أن أمام حكوماتنا الرشيدة، وقد ألزمتها القمة العربية الأخيرة بمبادئ الإصلاح وضروراته، أن تحول هذه المبادئ إلى برامج قصيرة أو طويلة الأجل، قابلة للتنفيذ والتطبيق الأمين، الصادر عن رغبة حقيقية وإرادة صادقة في إصلاح ديمقراطي، يعوّض مجتمعاتنا عن هوان المعاناة، وهي برامج تتضمن النقاط العشر الآتية كما نتصور:

(1) إجراء تعديلات دستورية وقانونية، لإطلاق الحريات العامة والفردية للجميع.

(2) إقرار مبدأ تداول السلطة، وحق القوى السياسية والاجتماعية المختلفة في المشاركة السياسية في صنع القرار وإدارة المجتمع وشئونه.

(3) تقييد السلطات المطلقة للقيادات الحاكمة، وتقليص صفات القداسة على أوضاعها من خلال الانتخابات الشعبية المباشرة، وتجديد دماء المسئولين بصورة دورية.

(4) إطلاق حرية الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات في المجتمع المدني، باعتبارها شريكا في صنع القرار وإدارة شئون المجتمع.

(5) تطبيق أمين لحرية الانتخابات العامة ونزاهتها، وعدم التدخل فيها من جانب سلطة تنفيذية أو حزب مهيمن، وإقرار دولة المؤسسات والقانون العادل والقضاء المستقل.

(6) إطلاق حرية الصحافة والرأي والتعبير، تأكيدا لمبادئ الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد والطغيان والنزوع إلى الديكتاتورية، وتدعيما للحوار الحر داخل المجتمع، بدلا من انسداد قنوات الاتصال واحتكار الحوار...

(7) التطبيق العملي لمبادئ حقوق الإنسان وصيانتها بعيدا عن الانتهاكات الفظة التي يعرفها الجميع، وإيقاف كل صور التمييز الفكري والسياسي والعرقي والديني، وخصوصا التمييز ضد المرأة والشباب.

(8) إلغاء حال الطوارئ والقوانين الاستثنائية ومحاكمها، التي تقيد الحريات.

(9) إجراء إصلاح اقتصادي حقيقي، يحقق التنمية الشاملة والعدل الاجتماعي للفقراء الذين ازدادوا عددا وضجرا وإحباطا، بعد أن تركزت الثروات مع السلطات في أيدي القلة القليلة المحتكرة.

(10) إدخال تعديلات جوهرية على مناهج التعليم والثقافة، جنبا إلى جنب مع الإعلام الضلع الثالث في هذه المنظومة الثلاثية، لإعادة بناء العقل بالمنهج العلمي الموضوعي الناقد الحر المجتهد، المنفتح على ثقافات العصر وإنجازه العلمي التكنولوجي الهائل بدلا من الجمود الحالي خارج العصر...

وأخيرا... من المؤكد أن البعض سيضحك ساخرا من ذلك كله، والبعض سيجد فيه مطلبا تعجيزيا، والبعض الثالث سيقول: إنه استجابة لضغوط الخارج ومعاييره المطلوبة...

لكنني أقول: هذه دعوة صادقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، نابعة من ضمير وطني، قضى جل وقته، وقبل أن تفيق أميركا، مطالبا بالإصلاح الديمقراطي النابع من مطالبنا وحاجتنا... والله من وراء القصد.

خير الكلام: «من قصد الحق وأخطأه، ليس كمن قصد الباطل فأصابه»!!

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 629 - الأربعاء 26 مايو 2004م الموافق 06 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً