العدد 631 - الجمعة 28 مايو 2004م الموافق 08 ربيع الثاني 1425هـ

الغرب والعالم الإسلامي: حوار الصم؟

صلاح الدين الجورشي comments [at] alwasatnews.com

.

تلقيت هذه الأيام هدية أسعدتني من وزارة الخارجية الألمانية. تمثلت هذه الهدية في كتاب أعده معهد العلاقات الخارجية في «في شتوتغارت» ifa التابع للوزارة، يحمل عنوان «الغرب والعالم الإسلامي». وهو عبارة عن تقرير أعده فريق يتشكل من ستة خبراء اختارهم المعهد من دول عربية وإسلامية مختلفة، قدر بأنها قد تعكس حالا عامة «مصر، فلسطين، سورية، ماليزيا، البوسنة، باكستان».

يقول رئيس المعهد في مقدمة الكتاب: «منذ سنوات طويلة والحوار مع تلك البقاع من العالم ذات السمة الإسلامية من المقومات الثابتة للسياسة الثقافية والتعليمية الخارجية الألمانية». وانه بعد 11 سبتمبر/ أيلول، برزت مرة أخرى «ضرورة تعريف أسس الحوار». وبناء عليه تم «تكليف مجموعة من المثقفين من البلدان الإسلامية أن يصيغوا رؤيتهم للمشكلات الجوهرية في العلاقات مع الغرب». وأن الهدف الذي قصده المعهد من هذه المبادرة النوعية هو المساهمة في «أن يخفف من الأزمات التي تنتاب التعايش بين الثقافات في عالمنا هذا».

تقرير يعكس الحقيقة

جاء التقرير الذي صدر باللغات الألمانية والانجليزية والعربية مكثفا، وصريحا، ومعبرا فعلا عما يختلج داخل الملايين من المسلمين. وعلى رغم صراحته ونبرته النقدية اللاذعة أحيانا، أصرت إدارة المعهد على نشره. ولم تكتف بذلك، بل جاء على لسان رئيس المعهد «ألويس كونت فون فالدبورغ» ما يأتي: «في رأيي أن انطلاقة جديدة للحوار الندي لن تتاح إلا لو كان الغرب مستعدا للاطلاع على مثل هذه المراجعة والتأمل في النقد والتوصيات بروح بناءة». وتندرج هذه المبادرة فيما يبدو ضمن المخاوف المتزايدة في أوروبا خصوصا من تداعيات التوتر بين المنطقتين على أمن الغرب بشكل عام، وأمن أوروبا بشكل أخص. وقد سبق أن عبر المستشار الألماني الأسبق هيلموت شميت بقوله إنه «بعيدا عما إذا كنا نعتقد أن تحليل صمويل هنتنجتون عن صراع الحضارات صحيحا أم لا، فإنه ما من أحد يمكنه استبعاد إمكان نشوب صراع عالمي بين الإسلام والغرب. ربما لا يحدث ذلك في شكل حرب كبيرة، إلا أنه من المعتقد أن استمرار مناخ من العداوة العامة المستمرة على كلا الجانبين يمكنه أن يطلق شرارة الصراعات المسلحة والحروب، والأنشطة الإرهابية، وحروب العصابات، التي قد تنفجر ما بين وقت وآخر».

لقد وفرت هذه المبادرة الألمانية عاملين ضروريين لإنجاح أي حوار جدي ومستقبلي بين الغرب والعالم الإسلامي. أول هذين العاملين هو وجود استعداد لدى المحاورين الغربيين لحسن الاستماع للآخر، وقبول انتقاداته، وأن يكونوا مهيئين نفسيا وفكريا لممارسة نقدهم الذاتي وإخضاع تاريخهم وسياسات دولهم للمراجعة والتمحيص. في المقابل أن يكون المحاور العربي المسلم موضوعيا في نقل الصورة، بعيدا عن التضخيم والروح العدائية والهجائية، وأن يتجنب الوقوع في محاولة استرضاء الطرف الغربي كما يفعل الكثيرون، حتى أصبحوا أبواقا للغرب يستعملهم في مراحل التوتر، ويوظفهم لإثبات الحجة على أهلهم وشعوبهم.

عندما ينطق الغربي بالحكمة

من جهته وضع المحاور الغربي شروط نجاح الحوار، وأكد أن التبادل بين الثقافات والمجتمعات سينتهي قبل أن يبدأ «إن لم نعترف بالتعددية لدينا ولدى الجانب الآخر: ذلك أن الحوار يمكن أن يقودنا إلى طريق مسدود لو ضغطناه في قالب فكري وسياسي يتسم بالثنائية القطبية الخاطئة». كما أن التبادل لن ينجح «إذا اتخذنا موقف التبشير أو كانت النية تتجه نحو فرض موقفنا على الآخر ووعظه»، مؤكدا «أننا نحتاج إلى ثقافة نقاش»، إذ «اننا كثيرا ما ننصت إلى مقولات الطرف الآخر، إذا تناسبت مع صورتنا الذاتية عن العالم سواء بالسلب أو الإيجاب».

إن من شروط الحوار الأساسية «الاستعداد للتأمل في حجج الآخر الجديدة علينا حتى لو تصورنا أنها غريبة أو مشبوهة أو خاطئة». وأضاف أن الحوار لن يتحقق «إلا إذا امتنع الطرفان عن التنديد بالآخر». فالحوار «يتطلب النظر بروح نقدية إلى أنفسنا وهويتنا والسدود التي تعوقنا فكريا».

المطلوب تغيير السياسة الغربية

أما المحاورون المسلمون فقد كانوا بدورهم واضحين واستعرضوا العوامل العميقة التي حالت ولاتزال دون فهم متبادل بين الطرفين. تعرضوا لما وصفوه بالجوانب النفسية للعلاقات الغربية الإسلامية. وذكروا أن الحوار يمكن أن يقوم بدور مساعد «لكنه لن يتمكن وحده من حل مأزق العلاقة الناتج بالدرجة الأولى عن عوامل سياسية واقتصادية وعسكرية قد تقويها الجوانب الثقافية والدينية أو تضعفها». ومن هنا «لا يمكن حصر الحوار بين الثقافات في المجال الثقافي والديني من دون أن ينزلق في غيتو ويفقد أهميته». وانطلاقا من هذا الإطار العام، استعرضوا جوانب كثيرة من تاريخ العلاقات بين الطرفين، وهو تاريخ اتسم في معظمه بالتوجس والصراع وعدم الثقة، وربطوا بين ذلك وبين محاور الاشتباك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والعراق وإيران وصولا إلى تركيا التي لاتزال تواجه رفضا لاندماجها داخل الاتحاد الأوروبي. واعتبروا أن المنطقة دخلت في حلقة مفرغة من العنف المتبادل و«لا يمكن اختراقها إلا إذا حدث تغيير أساسي في السياسة الخارجية الغربية».

حديث القطيعة خارج التاريخ

لم يعد واردا الحديث عن قطيعة مع الغرب. وعلى رغم الأخطاء الاستراتيجية الفادحة التي ترتكبها مختلف الأجهزة الأميركية في العراق وفلسطين وكامل المنطقة، فإن الحوار مع أميركا شعبا ونخبة ومجتمعا مدنيا وجهات رسمية يجب أن يستمر من دون انقطاع. فالذين يدعون إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، ورفض دعوات المشاركة في المؤتمرات والندوات الحوارية، لا يدركون حجم الأضرار التي ستترتب عن اتخاذ قرارات من هذا القبيل على مصالح العرب والمسلمين. إنه ضريبة العولمة وتشابك الوجود الجماعي، إضافة إلى أن منطق الانسحاب وترك المجال فارغا لا يخدم في النهاية إلا الأعداء، وفي مقدمتهم الصهاينة الذين يسعون بكل جهد لعزل العرب في «غيتو»، ويقطعون صلاتهم بمناطق التأثير في العالم.

العيب ليس في الغرب وحده

إن للغرب وجوها متعددة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المسلمين. والاعتقاد بأن الجميع هناك متآمرون، وأن كل مبادرة تصدر عن حكومة أو مؤسسة غربية تدعو إلى الحوار وتجاوز المأزق ليست سوى جزء من «المؤامرة»، هو تفكير عقيم ولا يستند إلى معطيات صحيحة. فمن الطبيعي أن تكون للغرب مصالح في العالم العربي والإسلامي يريد أن يدافع عنها ويوسعها، لكن التحدي يتمثل في مدى القدرة على تشبيك المصالح، ودفعها نحو بناء علاقات ندية بعيدة عن منطق الهيمنة والاستعمار ونفي التنوع. وإذا كان الغرب يتحمل مسئولية ضخمة في إرساء حال المواجهة المستمرة بين الطرفين، فإن ذلك يجب ألا يخفي مساهمة العرب والمسلمين في ذلك من خلال تضييع عشرات الفرص، وتوفير المناسبات لمزيد من التصغير من شأنهم، والاستخفاف بمواقفهم وقضاياهم ومصالحهم.

وهنا نتساءل: لماذا لم تشكل القمة العربية الأخيرة وفدا يشارك باسم الجميع لحضور قمة مجموعة الثماني التي ستحتضنها ولاية جورجيا الأميركية يوم 8 من شهر يونيو/ حزيران المقبل؟ ألم يكن الأجدى أن يكون هناك من يستعرض وجهة النظر العربية الرسمية في اجتماع قد يتحدد فيه مصير العالم العربي والإسلامي في صورة الاتفاق بين هذه الدول بشأن مشروع الشرق الأوسط الكبير بعد التعديلات التكتيكية التي أجرتها الإدارة الأميركية على النص الأصلي للمشروع؟ ألم تقم هذه الأنظمة الدنيا وأقعدتها عندما تم الكشف عن هذا المشروع، واتهمت الولايات المتحدة بالتدخل في شئون المنطقة ومحاولة فرض حلول جاهزة من دون حوار ومراعاة للأوضاع المحلية؟ فما بالها الآن وقد دعيت إلى هذا الاجتماع المهم فضل بعضها الاعتذار عن المشاركة، وترك المجال مفتوحا أمام الارتجال وعدم التنسيق بينها؟ إنها عقلية التجزئة والهروب من مواجهة التحديات وتغليب الآني على الاستراتيجي

العدد 631 - الجمعة 28 مايو 2004م الموافق 08 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً