العدد 633 - الأحد 30 مايو 2004م الموافق 10 ربيع الثاني 1425هـ

فلسفة الفوضى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تهديد حزب «مؤتمر شعب كردستان» بإعلان حرب عصابات في أول يونيو/ حزيران المقبل (غدا) على حكومة تركية منتخبة وتتمتع بقاعدة شعبية وتملك غالبية نيابية يشبه إلى حد كبير تلك التهديدات الموازية التي تطلقها تنظيمات وشخصيات مجهولة الاسم والعنوان وغامضة الأهداف على مواقع «الانترنت». وما حصل في الخُبر أخيرا لا يختلف كثيرا عن تلك التهديدات التي صدرت ضد حكومة أنقرة المنتخبة. فالهدف من وراء هذه الأفعال والتهديدات ليس تسجيل نقاط سياسية بقدر ما يهدف إلى زعزعة الأمن وزرع الاضطرابات وإثارة القلق، وهذا ما هددت به تصريحات متتالية صدرت عن جهات متطرفة في البيت الأبيض بعد احتلال العراق.

ما حصل إذا وما يرجح أن يحصل ليس بعيدا عن تلك النتائج الفوضوية التي أسفرت عنها عملية «تحرير العراق». فالتحرير «فلسفيّا» أطلق سراح العنف في المنطقة ودفع مختلف القوى وتحديدا الدول المجاورة للدولة «النموذجية» في بلاد الرافدين إلى تلقي نتائج تلك الحرب المدمرة.

ما يحصل إذا هو من تداعيات احتلال العراق واستخدام أراضيه ومساحاته وحدوده مناطق انطلاق للضغط على الداخل ومنع نهوض دولة عراقية آمنة ومستقرة، وكذلك للضغط على دول الجوار ومنعها من الاطمئنان لوضعها ومستقبلها. فالمنطقة بعد «تحرير العراق» تبدو في حال يرثى لها وقوات الاحتلال تحولت إلى ما يشبه السيف المسلط على الرقاب تهدد تارة بالإصلاح وطورا بالاجتياح والفوضى... ولا يعرف الحقيقي من المزيف والصادق من الكاذب.

الغموض هو سيد الموقف، وفلسفته هي ترك الأمور تتداعى ضمن آليات لا يعرف مصدر قوتها ومن هو محركها ومن يخطط لها وما هي الأهداف المرجوة منها. فهذه الفلسفة من الفوضى العنيفة (الدموية) تبدو أنها رسالة غير مباشرة تريد واشنطن توجيهها باستخدام أدوات غامضة الوجهة ومجهولة الهوية حتى تصل إلى مبتغاها وهو تركيع المنطقة وإرهابها تمهيدا لتطويعها واحتواء بعض ممانعة موجودة وبقايا ثروة لاتزال تملكها.

هذا هو المنطق السياسي الذي يقف وراء كل تلك الأفعال الإجرامية والتهديد باشعال المزيد منها في تركيا وغيرها باسم حركات وهويات وأقليات ومنظمات مجهولة الاسم والعنوان والأهداف. المنطق السياسي يؤكد أن هدف هذه الأفعال والتهديدات لا معنى له ولا فائدة ترجى منه سوى ابتزاز المنطقة العربية ودول الجوار (المناطق المطلة على حدود العراق) وبالتالي دفعها دفعا نحو زوايا حادة تمنعها من التحرك لنصرة شعب مظلوم في فلسطين.

المنطق السياسي يشير إلى وجود «مؤامرة» مركبة من أطراف وجهات مختلفة تحركها وتستخدمها قوى كبرى قادرة على تحريك الخيوط من دون أن تثير الشبهات أو تترك بصمات واضحة تدل على هويتها. والمنطق نفسه يوجه أصابع الاتهام إلى المستفيد من وراء هذه الأفعال والتهديدات. فالمستفيد سياسيّا هو الطرف الموجه أو المسهل أو المساعد أو المدرب أو الناقل أو المشجع أو الذي يفتح الباب لتحقيق غايات أبعد بكثير من اقتحام مجمع سكني أو قتل طفل بريء أو إثارة قلاقل لا ينتج عنها سوى سفك الدماء.

هناك أسئلة بوليسية كثيرة يمكن إثارتها من نوع كيف، ولماذا، ومن، وما هو الهدف، وما هي الفائدة، وماذا تريد، وما هي النتائج الميدانية... كل هذه الأسئلة واجبة لتوضيح ملابسات الصورة وكشف الجهات المدبرة. ولكن، ومع كل الفرضيات البوليسية المحتملة، يبقى السؤال السياسي: من هو المستفيد؟ ومن هي الجهة الفاعلة؟ ولماذا خططت من بعيد لدفع المنطقة نحو هاوية العنف وزجها في إطار من الملاحقات اليومية تنتهي دائما بالمزيد من الفوضى وإثارة الأسئلة عن معنى ما يحصل؟

المنطق السياسي يجب أن يبقى هو المسيطر على التحليل والتفكير. والمنطق نفسه يسأل: لماذا لم تكن تحصل مثل هذه الأفعال وبشكل متكرر قبل احتلال الولايات المتحدة للعراق؟ ولماذا فتح «تحرير العراق» الباب أمام دوامة العنف لتتنقل وبسهولة ملفتة بين مدن الرافدين ومختلف المناطق لتمتد أخيرا وتتسع من الخُبر إلى اسطنبول والمزة وعمان والضاحية الجنوبية في بيروت؟

أسئلة المنطق هي سياسية في النهاية ووظيفتها إلقاء الضوء على خفايا خطيرة هدفها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة خدمة لغايات تصب في إطار مشروع كبير يمتد من الهند إلى المغرب.

تهديد حزب كردي حكومة تركيا من موقعه على الانترنت في ألمانيا لا يختلف كثيرا عن تلك الأفعال التي ارتكبت في الخُبر وغيرها، وأعلنت في مواقع الانترنت من عناوين مجهولة. فالفاعل مجهول والمنفذ معروف والنتيجة: المزيد من الفوضى. وهذه فلسفة «تحرير» العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 633 - الأحد 30 مايو 2004م الموافق 10 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً