العدد 636 - الأربعاء 02 يونيو 2004م الموافق 13 ربيع الثاني 1425هـ

العراق بين الاحتلال والأمم المتحدة... إلى أين؟

ثلاثة مظاهر هي التي تحدد مميزات الوضع الحالي في العراق. أولها: إن القبول الذي تتمتع به سلطة الاحتلال يزداد تقلصا يوما بعد يوم. صحيح أن هناك نموا اقتصاديا ضئيلا وتقدما في تزويد البلاد بالطاقة الكهربائية أو في إعادة بناء هياكل الشرطة، لكن الكثير من العراقيين لا يعتبرون ذلك من إنجازات قوى الاحتلال. وهؤلاء يجدون أنفسهم يواجهون هنا المشكلات نفسها التي عرفتها قوى الاستعمار فيما مضى. وكلما ازدادت مواجهتهم لمناهضيهم قوة، احتدت شوكة قوى المقاومة.

ثانيا: إن غالبية العراقيين لا تقف إلى جانب الإسلاميين المتطرفين ولا إلى جانب قوى النظام السابق أو الإرهابيين الأجانب الذين تمكنوا بحكم الفراغ الذي أحدثه سقوط النظام السابق من القدوم إلى البلاد، بل إن العراقيين قد برهنوا، كلما سنحت لهم الفرصة لخوض انتخابات محلية، على تفضيلهم لشخصيات معتدلة مثقفة وعلمانية في غالبية الأحيان لاختيارهم ممثلين لهم.

وليس هناك من داع للاعتقاد بأن مثل هذه الميول لن تفرض نفسها مرة أخرى في انتخابات عامة على المستوى الوطني. ولذلك فإنه ليس هناك ما يدعو إلى مزيد من التخوف من نتائج مثل هذه الانتخابات إذا ما كتب لها أن تتم، كما هو مبرمج، في نهاية سنة 2004 أو بداية سنة 2005.

المظهر الثالث والأكثر خطورة على الإطلاق هو: أن كل العوامل متوافرة في العراق اليوم من أجل اندلاع حرب أهلية: ميليشيات مسلحة، نزاعات سياسية مطبوعة بطابع الطائفية الدينية والافتقار إلى سلطة حكومية ذات شرعية. كل هذه المواصفات لا ينبغي أن تؤدي بالضرورة إلى حرب أهلية. لكن تضافر مثل هذه العوامل سبق لها أن أدت إلى اضطرابات في بلدان أخرى.

ما المطلوب

من وجهة نظر أوروبية؟

على المنظومة الدولية، ووفقا لروزنامة تضبط إنهاء الاحتلال، أن تشرف على تأسيس حكومة شرعية في العراق بأقصى ما يمكن من السرعة. أما بالنسبة إلى الفترة الانتقالية الفاصلة بين يوليو/ تموز 2004 وتاريخ إجراء انتخابات عامة فإن منظمة الأمم المتحدة ستكون لها شرعية أكبر بكثير من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.

وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان أن يصدر عن مجلس الأمن الدولي خلال الأسابيع الأولى قرار دولي من أجل وضع الإطار الذي سيتم فيه خلال الستة أو الثمانية أشهر اللاحقة على تاريخ 30 يونيو/ حزيران تسليم جزء كبير من السلطة إلى حكومة عراقية. وينبغي أن يقع احترام هذا التاريخ، إذا أمكن الأمر، لا لكونه يمثل موعدا زمنيا مثاليا، بل لأن كل الفصائل السياسية العراقية، ستكون شرعت عمليا في الاستعداد لتحمل مزيد من المسئوليات في فترة ما بعد تاريخ انتقال السلطة.

دور فعال للأمم المتحدة

لابد أن يحتوي القرار الدولي الجديد على مخطط إبراهيمي موسع يفصل بين المهمات الأمنية ودور مراقبة وتوجيه إعادة البناء السياسي والاقتصادي. ويمكن لمندوب أو وكيل دولي وفقا لمقترحات الإبراهيمي أن يتولي من بين أعماله مهمة تشكيل حكومة انتقالية ودعوة مؤتمر وطني ودعم الحكومة الانتقالية والإشراف على إعداد الانتخابات الوطنية لسنة 2005.

سيكون مهما أثناء هذا العمل أن تؤدي منظمة الأمم المتحدة عملها بصفة مستقلة وألا تظهر بمظهر العنصر التكميلي لسلطة الاحتلال. وسيكون من باب الخطأ الفادح أن يظل ممثل الأمم المتحدة لا يستطيع التنقل إلا تحت حماية المدرعات الاميركية. ولذلك سيغدو ضروريا تكوين وحدة أمنية دولية صغيرة لكنها فعالة تنحصر مسئوليتها تحديدا في حماية البعثة الدولية. وستكون هذه القوة الأمنية ذات طابع بوليسي أكثر منه عسكري. ويمكن لبلدان مثل فرنسا وألمانيا الداعيتين إلى دور دولي في العراق أن تبرهن عن استعداداتها تجاه منظمة الأمم المتحدة وكذلك تجاه إرساء الاستقرار في العراق وذلك بانخراطها النشط في هذا العمل.

دور دولي إقليمي مشترك

كما أنه يمكن أن تسهم المنظومة الدولية في تقديم البرهان على انخراطها في عملية إعادة بناء العراق، وذلك في إطار مؤتمر دولي للدول المانحة تدعو إليه منظمة الأمم المتحدة وفي الوقت نفسه سيكون من الضروري إشراك البلدان المجاورة للعراق في عملية إعادة البناء. فبعض البلدان مثل سورية والسعودية ظلت محتفظة بموقف قليل الفعالية، لأنها كانت ترى مصالحها مهددة من خلال عراق تسيطر عليه الولايات المتحدة. ولذلك فإنه يبدو من المجدي أن تقع الدعوة إلى تشكيل مجموعة 146 للتشاور، تضم ممثلين عن البلدان الستة المجاورة للعراق والحكومة العراقية واللجنة الرباعية الدولية المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

ويمكن لهذه المجموعة أن تتحول إلى ملتقى تنسيق بخصوص مسائل ذات مصالح مشتركة مثل الأمن الحدودي والإرهاب وتجارة الأسلحة والمخدرات والجريمة المنظمة وتتطور بذلك إلى ديناميكية لمسار إرساء الثقة والأمن.

هناك أيضا ذلك التصور الذي حوله خلاف كبير وتنبغي دراسته بصفة جدية ألا وهو إعادة تركيز بعض الوحدات من الجيش العراقي القديم. وقد خطت إدارة الاحتلال خطوة في هذا الاتجاه في الفلوجة وبالنداء الذي توجهت به إلى ضباط الجيش القديم ليلتحقوا بمؤسسة القوات المسلحة الجديدة.

ويحتمل أن تمكن إعادة تجنيد وحدات بكاملها من الحصول بسرعة على عدد كاف من القوى العسكرية العراقية لضمان أمن الحدود، ويكون بإمكانها السهر على رعاية الأمن والنظام في مناطق معينة وخصوصا في ما يدعى بالمثلث السني الذي يُبدي سكانه رفضا شديدا لوجود القوات الأجنبية.

التركيز على إعادة بناء العراق

ينبغي أن تكون هذه الوحدات العسكرية العراقية التي سيتم تأسيسها خاضعة لسلطة وزارة الدفاع العراقية وليس لسلطة القوات العسكرية الأميركية أو قوى التحالف. أخيرا هناك ثلاث مسائل على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين أن يتخلوا عنها إذا ما كانوا يريدون فعلا تقديم مساهمة في تحقيق الاستقرار وفي إعادة بناء العراق.

أولا: على الولايات المتحدة ألا تحاول أن تجعل من العراق نمطا نموذجيا، فإعادة البناء ومحاولة وضع نظام حكومي أفضل تنطوي على ما يكفي من الصعوبات. كما أن مهمة تحويل البلاد إلى نمط نموذجي ستكون مما يتجاوز كثيرا قدرات القوى الفاعلة المحلية.

ثانيا: على الولايات المتحدة أن تتخلى عن فكرة تحويل العراق إلى رأس جسر لمشروع كبير. إن كل محاولة لجعل العراق مَعبرا لتعميم الديمقراطية على كامل «الشرق الأوسط» سيكون استفزازا، يدفع بالبلدان المجاورة إلى عرقلة كل مساعي إعادة بناء البلاد وتثبيت الأمن فيها.

ثالثا: لا ينبغي أن يُستعمل العراق موضوعا لمعالجة نفسانية أطلسية. فالتصدعات الحاصلة بين الولايات المتحدة وأوروبا لابد من تجاوزها. ويبقى المعيار الوحيد لما ينبغي القيام به في العراق وتجاه العراق مرتبطا بسؤال ما إذا كانت هذه السياسة الهادفة إلى تحقيق الأمن والاستقرار في العراق وتطوير هذا البلد تخدم غاية حكومة عراقية على وعي بالمسئولية أم لا؟

ألماني مختص بقضايا الشرق الأوسط

العدد 636 - الأربعاء 02 يونيو 2004م الموافق 13 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً