قادت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر معركة أوروبا ضد الاتحاد السوفياتي. وقاد الرئيس رونالد ريغان المعركة الدولية ضد الشيوعية. ونجح التحالف الثنائي في إثارة موجة من «التلوث الأيديولوجي» نهضت على سياسة التخويف من الخطر السوفياتي متبعة أسلوب التصعيد ضد القوى المعتدلة والديمقراطية بذريعة أن العالم يخوض مواجهة نهائية لإسقاط «معسكر الشر».

تسلحت الحرب الأيديولوجية بأدوات بدائية ولكنها كانت كافية لقيادة المعسكر الرأسمالي من موقع التفاهم الدولي على التقاسم السياسي مع المعسكر الاشتراكي إلى موقع التوتر الذي كاد أن يعرض سلم «الحرب الباردة» لمواجهة حامية. ولم يتردد قادة الحرب الأيديولوجية في اتباع أساليب بالية من نوع احتقار العالم الثالث، واحتقار فقراء أميركا، والرهان على إطلاق رأسمالية متوحشة من دون ضوابط إنسانية وروادع أخلاقية. فالرأسمالية الريغانية - الثاتشرية كانت ذات نزعة وحشية لا تعير أي انتباه لكل الضمانات الاجتماعية والصحية التي اضطر إليها الرأسماليون خلال عقود من الزمن لكبح نمو الأفكار الاشتراكية في بلدانهم.

أطلق ريغان، مدعوما من ثاتشر، الجشع وفتحه على كل الاتجاهات من دون كوابح فانطلق «الوحش» الجديد يفترس كل المكتسبات الإنسانية في مختلف المجالات والحقول تحت مسميات التنافس وحرية السوق وغيرها من أيديولوجيات عنصرية أو معادية للإسلام حاولت المدارس الرأسمالية تجاوزها منذ مطلع القرن الماضي. وعزز ريغان سياسته الهجومية بمفاهيم أو مصطلحات في منتهى التخلف والرجعية، رافضا كل ما يقال عن العدالة والمساواة وضمانات الشيخوخة (والخرف). فالريغانية في هذا المعنى استسلمت إلى السوق بكل ما تتضمنه من تناقضات وشراهية للاستهلاك ومثلت في النهاية ما يمكن تسميته انحطاط الرأسمالية في نهاية القرن العشرين. وباسم الانحطاط قاد ريغان حملة دولية ناجحة ضد المعسكر الاشتراكي، مدعوما بثاتشر في أوروبا، مذكرا القارة بأشباح الشيوعية وذكريات الحرب العالمية الثانية.

وضع ريغان مفاهيم أيديولوجية ثابتة لمعركته فقسم العالم إلى «خير» و«شر» معتبرا أن الولايات المتحدة تخوض حربا نهائية ضد امبراطورية الشر (الاتحاد السوفياتي). وباسم معركة «الخير» و«الشر» رفع الفائدة على الدولار إلى 14 نقطة مستقطبا بذلك الرساميل الهاربة من العالم الثالث للتوظيف في الولايات المتحدة. بدأ الهجوم الريغاني بحرمان دول العالم من حق التمتع بثروة هي في النهاية من إنتاج الشعوب وجاءت من خامات دول في العالم الثالث.

وتحت المسميات الأيديولوجية المتخلفة استتبع هجومه بتكتيل الدول الرأسمالية (سبع دول آنذاك) في مواجهة «امبراطورية الشر» فأقدم على رفع موازنة الدفاع الأميركية إلى مليار دولار في اليوم. وركز التوظيفات المالية (الرساميل المستقطبة أو الهاربة) في الصناعات العسكرية وأعاد تحديث الأساطيل البحرية حتى يكون باستطاعتها خوض الحروب في شواطئ دول العالم. وبعد تحديث الأساطيل أطلق مبادرة «حرب النجوم» رافعا المنافسة العسكرية مع الاتحاد السوفياتي من الأرض إلى السماء.

أحدثت خطوات ريغان (الرئيس الغبي المحبوب) المبرمجة من الأجهزة والمؤسسات نقلة نوعية في العلاقات الدولية جاعلة من الاتحاد السوفياتي مجرد قوة تتلقى الضربات السياسية من دون قدرة لديها على المواجهة ومن دون خطة قادرة على الرد في السوية نفسها.

موسكو آنذاك وجدت نفسها تخوض معركة «لا عقلانية» مع كتلة من «المحافظين الجدد» لا تعطي أهمية للتوازن الدولي وتطيح بكل الاتفاقات المعقودة بين الطرفين. فالكتلة الأيديولوجية الحاكمة آنذاك في واشنطن لم تكترث كثيرا للتداعيات التي قد تنجم عن انهيار منظومة العلاقات التي اتفقت دول الحلفاء على رسم خطوطها في معاهدة يالطا عشية نهاية الحرب العالمية الثانية.

وبسبب المفاجأة الدولية بدأ المعسكر الاشتراكي يتفسخ بقيادة الرئيس السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف. وأدى التفسخ إلى إحداث تشققات بنيوية انتهت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره في عهد نائب ريغان والرئيس اللاحق جورج بوش الأب.

انتهى عهد ريغان ونائبه بوش الأب مع نهاية فترة «الحرب الباردة» إلا أن تيار «المحافظين الجدد» استمر يخترق المؤسسات الأميركية، ليجدد سيطرته الكلية على قرار البيت الأبيض في عهد الرئيس الحالي. فبوش الابن هو نتاج تلك الحقبة وابنها البار وهو في النهاية يمثل ما يمكن تسميته: الرأسمالية في مرحلة انحطاطها. وبداية الانحطاط هو الخرف. ومن مظاهر الخرف ما نشهده من جنون أميركي. كان الله في عون العالم