العدد 2367 - الجمعة 27 فبراير 2009م الموافق 02 ربيع الاول 1430هـ

لبنان ... مقاومة/ طائفية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طائفية لبنان تبدو مختلفة. في تكوّنها الحديث كانت طائفية اللبنانيين عبارة عن أكليروس ماروني مرتبط بفرنسا. وبرجوازية إسلامية (مدينية) مرتبطة بسورية. وبرجوازية مسيحية (مدينية) تتمايل ما بين أوروبا والعالم العربي.

في مواطن عُدَّت بأنها اختبارات صالحة للظنون طورا ولليقينيات طورا آخر، لم تخلط الطائفية في لبنان بين الالتزام الديني والإلزام السياسي. بمعنى أنها ترشّدت لكي لا ترهنَ قيمة السماء بالإلزامات السياسة (النسبية) التي كانت تتمثّل على شكل مشروعات.

بعد هذه الحقيقة (التاريخية) يصلح القول بأن أيّا من المشروعات السياسية (المُتَّسِعَة أو المقبوضة) لم تكن حكرا على طائفة مُحدّدة في لبنان.

وما يصلح أيضا من القول هو إن تمدّد الطوائف (عسكريا) لم يتحوّل يوما استئساد طائفي بيني مُنفرد، باستثناء ما جرى في الحرب الأهلية والتي ضاعت فيها بوصلة الأحداث والأحلاف معا، ما بين مسيحية ضد مثيلتها، وإسلامية ضد إسلامية.

فعندما كان الدروز أقوياء ويملكون السلاح زمن فخر الدين الموسوعي والتي كانت علاقته مع أوروبا تمرّ في أوجها، كانت أوضاع الموارنة (وعُموم المسيحيين الشرقيين) في الجبل تعيش عصرا ذهبيا. ولم تسُؤ العلاقة بينهما إلاّ بعد التدخل العثماني، وانتقال السلطة من القيسية إلى الشهابية، وانقسام الأولى إلى يزبكيّة وجُنبلاطية في العام 1711م.

وعندما كان الشيعة أقوياء ويملكون السلاح بفعل حماية ولاية الأتابكة لهم والتي كانت موجودة في بلاد الشام ووجودهم في محور العثمانيين - الفاطميين الناشط ضد السلطة العباسية، لم يكن ذلك يُشكّل خطرا على بقية الطوائف، أو بروز الهاجس الأقلوي بينها.

بل وحتى عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية وحكم السلطان عبدالحميد الثاني وما تسبّب ذلك في ذهاب المُدماك الاستراتيجي للسنّة في لبنان لم تُمارس بقية الطوائف حيفا بحقّها.

بل على العكس تماهَى المسيحيون والمسلمون في جمعية بيروت الإصلاحية في العام 1913، وقامت تحالفات عُمر الداعوق المسلم والبطريرك إلياس الحويك المسيحي لإعلان الحكومة العربية، قبل أن يضغط الفرنسيون لإسقاطها.

اليوم من يدفع باتجاه الحديث (بتهكّم) بأن الطائفية اللبنانية ترتكز على جرّ البلد نحو محور مُمانع فإنه يُمارس غُبن تاريخي بحقّ لبنان. وربما تغيب عنه حوادث الخمسينيات والستينيات (وما قبلها بطبيعة الحال) والتي صاغت تقاطيع لبنان اليوم.

فمن معارضة حكم كميل شمعون في العام 1957، والمُظاهرات التي خرجت ضد حلف بغداد في العام 1954 ثم الائتلاف المناهض لعدوان 1956 ومبدأ إيزنهاور، كانت كلها ملامح رئيسية لتقارب الأنوية الطائفية القائمة على رغم أن البلد كان حينها يسير نحو القومية والبعثية.

بل إن المُتابع للحرب الأهلية لابدّ أن يستذكر أيضا بأن هذه الحرب كان جزؤها الأكبر هو قتال سياسي على مواقع النفوذ. فمن غير المعقول (مثلا) أن يُنظَر إلى صراع حركة أمل مع التنظيمات الفلسطينية والمرابطين والحزب التقدمي ولا يُرجى صراعها مع حزب الله في إقليم التفاح مثلا!.

أو أن يُرى صراع المسيحيين مع الدروز ولا يُرى صراع المسيحيين مع المسيحيين، وانقلاب سمير جعجع على إيلي حبيقة و9 مايو/ أيار 1985، أو صراعه المرير مع الجنرال ميشيل عون.

إن العمق التاريخي للبنان لا يُمكن توصيفه بشكل هندسي طبقا لما تقتضيه مصالح بعض الأطراف اليوم. فالشعوب والدول يتصالح حاضرها على ماضيها، وتبقى مُهيأة للعب دور يحاكي نبتة تطورها.

بالتأكيد ليس بالضرورة أن يبقى لبنان إلى الأبد ملمحا للبندقية وقعقعة السلاح، لكنه أيضا لا يُمكن أن يتحوّل باسم بناء الدولة إلى منصّة مشاريع لا تتناغم من ظروفه التاريخية والسياسية ورغبات جزء هام من ناسه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2367 - الجمعة 27 فبراير 2009م الموافق 02 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً