العدد 665 - الخميس 01 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الأولى 1425هـ

«التحصيل العلمي»... درع قومي

هنادي منصور comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

العلم في الصغر كالنقش على الحجر... مقولة كنا نحفظها ولكن البعض منا للأسف مازال يجهل مقصدها، أو بالأحرى اتخذ منهاجا آخر يحيد عن المفهوم الأخلاقي والمقصد الخيّر من المثل الشعبي الذي أراد به اسلافنا تلقين الأبناء والأجيال بالمفيد. فالتلقين والانتقاء رافدان يتم عبرهما نقل المعلومة إلى العقل الباطن وتخميرها فترة من الزمن حتى تتبلور الفكرة عبر التجارب اليومية في واقع الحياة. غير اننا نجد البعض أخذ يسلك مسارا يخلف ويورث ثقافة العنف المتربعة في زوايا البيئة الاجتماعية إلى الآخر، فتربى الجيل على قيم فضفاضة في مفاهيمها، وهذا جلّ ما اقترفته على سبيل المثال الجماعات المتطرفة في قلب الصورة الإسلامية المعتدلة.

في الجانب الآخر هناك تحصيلٌ علميٌ «رسميٌ»، الذي يوسع المدارك ويغذي المرء بالمعرفة، يبدأ من الحضانة ثم الروضة فالابتدائية إلى الإعدادي والثانوي حتى الجامعة، وتتم جميع هذه المراحل وفق خطة معينة تدرس الجهات الرسمية الأساليب الواجب تطبيقها، حتى يتحقق التوازن المطلوب بين الهدف من الخطة في سبيل اكتساب الطالب المعلومة القيمة في أقل وقت وجهد. ودراسة تأثير تلك المعطيات على مسيرة الطالب ومدى تقبله في التعامل معها، فكانت نسبة المدخلات والمخرجات وحاجة سوق العمل في الدول التي تتطلع إلى تنمية اقتصادية وتعليمية حقة مع مواطنيها تتم عبر بحوث ودراسات تفحص الإمكانات المؤهِلة لإخراج صيغة ونتيجة تتماشى مع المعطيات والإمكانات الموجودة واقعيا. وهذا جل ماعملته الدول الصناعية والمتقدمة كسبيل لكبح البطالة واستيعاب أكبر قدرٍ ممكنٍ من أجيال المستقبل وتوظيف إمكاناتهم في الموقع والزمان الصحيحين. فقيمة الشخص العلمية تتم مباشرة عندهم بعد تخرجه وتدريبه...لأجل صقل ثقافة إدارية تتماشى مع حاجة السوق من دون زيادة ونقصان، وتوظيف معرفته المختزلة في خلق وتطبيق نماذج حضارية تتطلع الدول إلى المضي فيها، فقط لو عرفت كيف تجعل التعليم خطة تنموية للسير على خطى الدول الصناعية ومراعاة متغيرات السوق في سبيل توظيف تلك الاحتياجات لسوق العمل، كمادة تعليمية في المناهج تؤسس قاعدة تنطلق عبرها نحو الإبداع والابتكار مع التشجيع والمكافآت... إلخ.

لذلك فإن خير ضمان لجيلنا في وقتنا الحاضر والمستقبل الشهادة الجامعية التي هي وثيقة عبور رسمية تحدد هوية الفرد وتفتح الأبواب لمستقبله، الذي يؤرخ يوما ما في ذاكرة التاريخ الشخصي لنفسه، فتجدهم الحكومات دروعا واقية في نهضة حضارية تضعهم في موقع ومؤهل لابد من توظيف امكاناته العلمية، غير ان الواقع يقول لنا النقيض من ذلك.

والتعليم سلم لا يقنع غاية المرء فقط بالوصول إلى أوجه، بل خطوة تبدأ بألف ميل، فكان رواد العلم والثقافة والأدب نراهم في شغف دؤوب يستلهمون ويقطفون ثمار الدهر في غصن زهرة، وهي القناعة بدرجة العلم الحالية، ثم تستمر مسيرة النهم العلمي حتى آخر العمر، وبعد مماته يحمل خلفه آخر مخزوناته التراثية لينتج ما يغذي الحاضر بفنونه وعلومه، وليشكل نظرية علمية معاصرة تفيد أجيال الأمة من مختلف المراحل.

ونحن نرى في الواقع أن الدول الصناعية والمتقدمة سعت إلى استقطاب القدرات العلمية العربية منذ القرن الماضي، فذللت عقبات توظيفهم واستقطابهم إلى أفق الإبداع بدلا من الجهل والغفلة العربية من تطوير امكاناتهم فأتاحت لهم ميزات مترفة، لتبلور ثورة معلوماتية بشرية كثير منها عربية - عبر الهجرة القسرية - لكن مهجنة أجنبيا، فقط لأنها تخدم وتحقق المصالح الغربية على حساب المصالح العربية القومية، التي هي في أمس الحاجة إلى تلك الثورة التي تمثّل ترسانة علمية بإمكان أن تجعل من هم حولها في تأهب وتوجس، تقديرا لجهودها البناءة على مدى السنين، في خلق جيل واع يطور ويحرك المياه الراكدة. فيا حكوماتنا العربية عليكم بسواعد أبنائكم لأنهم دروع أمينة للمستقبل القريب والبعيد

العدد 665 - الخميس 01 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً