غداة مثول الرئيس العراقي السابق صدام حسين أمام قاضي التحقيق العراقي الذي وجه إليه جملة اتهامات بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب، لوحظ ان وسائل الإعلام الأميركية والغربية عموما، أجمعت على وصف الرئيس صدام حسين، خلال مثوله أمام المحكمة بأنه «متماسك ومتحدي» وسجل البعض فوزا بالنقاط للرئيس العراقي السابق، على محاكميه. وتوقع معظم المراقبين أن تواجه المحكمة صعوبات خلال الجلسات المقبلة. ولاحظ كثيرون ألا استقلالية للمحكمة العراقية بوجود الاحتلال، ووصف أحدهم صدام بأنه «سجين افتراضي» لأنه لايزال خاضعا للحراسة الأميركية. وواصلت الصحف الأميركية رصد ملف التعذيب في سجن «أبوغريب» فنشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، استطلاعا للرأي أظهر ان 55 في المئة من الأميركيين يعتقدون ان مسئولين كبار لعبوا دورا في قضية تعذيب السجناء. و72 في المئة منهم أكدوا ان التعذيب أمر خاطئ حتى خلال الحروب.
بين السياسة والعدالة
ورأت «واشنطن بوست» في افتتاحيتها انه من المستحيل أن يحظى صدام حسين، بمحاكمة ترضي الجميع وصولا إلى السياسيين العراقيين. وليس هناك نموذج صحيح لكي يتبعه العراقيون خلال محاكمة رئيسهم السابق. لافتة إلى ان محاكمة مجرمي الحرب والطغاة السابقين يجب أن تقيم توازنا بين متطلبات السياسة من جهة والعدالة من جهة أخرى. ففي الظروف العراقية، توضح الصحيفة الأميركية، ثمة أسباب سياسية مهمة لكي تتم المحاكمة بسرعة لأن ذلك سيؤدي إلى وضع حد للتمرد. غير انها لفتت في الوقت نفسه إلى ان هناك أسباب أهم لكي تجرى المحاكمة ببطء. فمن الضروري بالنسبة إلى الحكومة العراقية الجديدة أن تجرى المحاكمة ببطء وتأنٍ لأنها ستساعد الشعب العراقي على مواجهة المآسي التي عانى منها خلال العقود الماضية. ورفضت واشنطن بوست، إجراء المحاكمة في لاهاي، كما دعا البعض، مذكّرة بأن محاكمة الديكتاتور الصربي السابق سلوبودان ميلوسفيتش، في لاهاي، أثارت السخط والتنديد في صربيا لأنها جرت وفقا لـ «عدالة الغرباء» كما صرح بعض الصرب، وأدت في النتيجة إلى تعزيز وضع الديكتاتور الصربي. ورأت ان الخطير في المحاكمة ان لجنة الدفاع عن صدام، ستحاول أن تؤكد عدم شرعية المحاكمة كما فعل ميلوسفيتش نفسه. غير انها استدركت بأن العراقيين يجب أن يستفيدوا من السماح لمحامين دوليين بالمشاركة بصفة الادعاء على الأقل، من أجل مضاعفة خبرة الفريق القضائي من جهة وتأكيد ان المحاكمة تحظى باعتراف دولي من جهة أخرى. في المقابل اعتبرت واشنطن بوست، ان انتقاد صدام العلني للمحكمة ووصفه لها بأنها مسرحية من صنع بوش، مؤشر على الصعوبة التي سيواجهها القضاء والمدّعون، ذوي الخبرة الضئيلة في القانون الدولي، في السيطرة على المحاكمة. وشددت على انه من المهم جدا بالنسبة إلى الحكومة العراقية الجديدة أن تحظى محاكمة صدام بالتمويل والاهتمام اللذين تستحقهما من الولايات المتحدة وغيرها من دول المجتمع الدولي. واعتبر عضو مجلس العلاقات الخارجية وعقيد متقاعد وضابط استخبارات سابق في وزارة الدفاع باتريك لانغ من على موقعه على الإنترنت، ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين، فاز في الجولة الأولى من محاكمته. وأوضح ان رباطة جأشه وثقته بنفسه ورفضه لشرعية المحكمة مؤشر على ان صدام ومحاميه ستترك انطباعا مميزا على الرأي العام العالمي خلال جلسات المحاكمة. ورجح أن يحاول فريق المحامين المسئول الدفاع عن الرئيس السابق أن يبرهن انه من غير الممكن أن يحظى صدام بمحاكمة عادلة داخل العراق. وتوقع أن ترفض واشنطن أي طلب من جانب هذا الفريق بإجراء المحاكمة في إحدى المحاكم المعنية بجرائم الحرب في لاهاي، الأمر الذي سيلحق الضرر بالولايات المتحدة على الساحة الدولية. كما رجح لانغ، أن يجادل محامو صدام، في حقيقة ان الاحتلال الأميركي للعراق غير شرعي ما يعني ان صدام لايزال رئيس العراق وبالتالي فإنه يملك الحصانة التي تمنع توجيه لوائح اتهام ضده في قضايا حكومية. وكرر لانغ، ان تماسك صدام مؤشر على ان محاكمته ستطول وستستحوذ على اهتمام جميع وسائل الإعلام العالمية، وهو ما يرغب به صدام كثيرا. لافتا إلى ان الرئيس العراقي السابق لطالما حلم بأن يصبح بطلا عربيا تاريخيا تحدّى الغرب. وكان له ما أراد، يختم لانغ مقاله.
محاكمة عاشق ستالين
حين لاحظ سيمون مونتيفيوري (صاحب كتاب «ستالين») في «نيويورك تايمز» التشابه الصارخ بين شخصية الديكتاتور السوفياتي السابق ستالين، والديكتاتور صدام حسين. وأكد ان الأخير متأثر كثيرا بالأول إلى درجة أصبح يقلده في كل شيء بدءا بعمليات الإبادة مرورا بقمع الحريات وصولا إلى بناء القصور الرئاسية. واستهل مونتيفيوري، مقاله بالإشارة إلى ان صدام جسّد السيادة العراقية بالمعنى السلبي. وأوضح ان «امتلاك» صدام كسجين هي ترجمة للسلطة الممنوحة لرئيس الحكومة إياد علاوي. وأضاف ان ما جرى خلال جلسة الاستماع التي شارك فيها الرئيس السابق، مؤشر على ان صدام حسين، سيستمر في الاستفادة من هيبته الخاصة ليؤكد ان الدمى الأميركية تأتي وترحل بينما هو باقٍ، على خطة الملك لويس الرابع عشر الذي كان يكرر دائما «الدولة هي أنا». أما من حيث التشابه بين صدام وستالين، فلفت مونتيفيوري، إلى انه استنادا إلى معلومات حاشية الرئيس السابق، فإنه كان مهووسا بستالين، حتى انه أمر بترجمة كل ما كتب عن حياة الديكتاتور السوفياتي، إلى اللغة العربية واحتفظ بها لنفسه. وأشار إلى ان استطلاعا للرأي أجري العام الماضي أظهر ان 26 في المئة من الروس كانوا ليصوتوا لستالين لو انه مازال على قيد الحياة. متسائلا ما إذا كان الشعب العراقي سيصل إلى مرحلة يصوت فيها من جديد لصدام؟ وأجاب بأنه في حال استمر التدهور الأمني والمعيشي في العراق، فإن الشعب العراقي سينظر إلى صدام على انه البطل الذي تحدى الصليبيين الأميركيين على حد تعبيره. مرجحا أن ينسى العراقيون عندها مشاهد المجازر والتعذيب. ويذكروا فقط صدام الأسطورة. وختم مونتيفيوري، بأن صدام أعجب بشدة بإمساك ستالين بزمام السلطة حتى على فراش الموت. وهو كان يتمنى أن يفعل الأمر نفسه. لذلك فسيستمر بلعب الدور الذي آمن بأنه ولد من أجله ألا وهو دور البطل العربي التاريخي. غير ان مونتيفيوري، أكد في ختام مقاله ساخرا، ان صدام يلعب هذا الدور فعلا ولكن ليس على عرشه بل على الرصيف
ونشرت «واشنطن بوست» في صدر صفحتها الأولى خبرا تحت عنوان «صدام المتماسك استمع إلى الاتهامات الموجهة إليه». وأوردت تفاصيل الجلسة. ولاحظت ان صدام الذي بدا متماسكا وهو جالس على كرسي قبالة القاضي، ظهر خائر القوى وهو في طريقه إلى خارج المحكمة. وأضافت انه لم يكن يشبه نفسه عندما كان في السلطة مثله مثل المسئولين الآخرين الذين مثلوا أمام المحكمة. كما لاحظت ان (نائب الرئيس السابق) طارق عزيز، المعروف بأنه متكلم فصيح وناري كما وصفته، جلس وكتفاه منحنيان إلى الأمام ورأسه إلى تحت. وختمت الصحيفة الأميركية الخبر بالإشارة إلى ان صدام قال لأحد الحراس، وهو يهم بركوب الطائرة، «تروّ، أنا رجل عجوز». كذلك فعلت «نيويورك تايمز» في خبرها الافتتاحي تحت عنوان «صدام المتماسك يوبخ المحكمة العراقية على محاكمته»، إن الرئيس السابق صدام حسين، الذي بدا متماسكا، سيطر على مجمل مجريات الجلسة الافتتاحية لمحاكمته. ووصفت الصحيفة الأميركية صدام وصفا دقيقا بدءا بشعره ولباسه وصولا إلى صوته وعينيه واصبعه الذي كان يتوجه صوب القاضي كلما وجه انتقادا إليه. وأشارت «نيويورك تايمز»، في الوقت نفسه إلى ارتباك القاضي العراقي في مواجهة الديكتاتور السابق.
غزو الكويت لإشغال الجيش
وفي خبر افتتاحي آخر، أشارت «نيويورك تايمز»، نقلا عن مسئولين أميركيين مطلعين، إلى ان الرئيس السابق صدام حسين، لم يكشف خلال الأشهر السبعة التي قضاها في عهدة القوات الأميركية سوى عن القليل مما أراد المحققون أن يعرفوه عن برامج التسلح والتمرد في فترة ما بعد الحرب. غير ان المسئولين أكدوا ان صدام كان يسهب في الكلام والتعليق عن أسباب غزو الكويت في العام 1990 وحرب الخليج الأولى. ونقلت الصحيفة الأميركية عن أحد المسئولين المطلعين على مجريات التحقيق ان صدام أشار إلى ان السبب الرئيسي لغزو الكويت كان حاجته إلى إبقاء جيشه منشغلا بأمر ما. وأوضح المسئول عينه ان الرئيس السابق، لم يكن يثق بعناصر جيشه، لذلك فقد كان يرى انه من الأفضل أن يشغل أذهانهم، كي لا يفكروا في خيانته، تعلق «نيويورك تايمز». وأكد المسئول ان المحققين لم يستخدموا العنف الجسدي مع صدام خلال استجوابه، غير انهم لجأوا إلى بعض الحيل النفسية كأن يستجوبوه لساعات طويلة، ويتركونه وقتا منفردا قبل أن يطرح عليه أحدهم سؤالا قصيرا. وتحدثت «دبكا فايل» من على موقعها على الإنترنت، عن وجود صدام حسين، في قبضة السلطة العراقية الجديدة وما لهذا الأمر من إيجابيات بالنسبة لرئيس الوزراء العراقي إياد علاوي. ونقلت عن خبراء في «الإرهاب»، ان ما لن يتجرأ علاوي، على قوله أمام وسائل الإعلام، هو انه يرغب في اتخاذ صدام والمسئولين العراقيين الـ 11 المقربين من الرئيس المخلوع، رهائن لدى النظام العراقي الجديد. وأكدت «دبكا فايل»، ان رئيس الوزراء العراقي يعي الأعباء الأمنية التي تثقل كاهل الحكومة العراقية الانتقالية، كما انه يعرف ان مصيره السياسي لا بل ان بقاءه على قيد الحياة رهن بمدى قدرته على إدارة العراق بطريقة مناسبة. ولفتت دبكا فايل، إلى انه منذ تسلمه رئاسة الوزراء، بات علاوي هدفا رئيسيا لـ «القاتلين». مضيفة ان مقتل علاوي يمهد الطريق أمام البعثيين وأمام أفراد «القاعدة» في العراق حتى يطيحوا «الإدارة العراقية» المؤقتة التي لابد من أن تسير بالبلاد نحو انتخابات ديمقراطية
العدد 668 - الأحد 04 يوليو 2004م الموافق 16 جمادى الأولى 1425هـ