العدد 670 - الثلثاء 06 يوليو 2004م الموافق 18 جمادى الأولى 1425هـ

أبوحمزة... وحقوق الإنسان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انذهلت بعض منظمات حقوق الإنسان العربية من مواقف المنظمات الحقوقية في بريطانيا وأوروبا الرافضة للأساليب التي تتبعها الإدارة الأميركية في معاملة أسرى سجن / قاعدة غوانتنامو في كوبا. ومصدر الاستغراب هو كيف تدافع منظمات حقوق أوروبية عن أسرى من بلدان مسلمة ألقي القبض عليهم خلال الحرب على أفغانستان؟! بعد الاستغراب جاءت الدهشة. ومصدر الدهشة هذه المرة من بريطانيا وحدها. فالمنظمات الحقوقية في ذاك البلد استنكرت موافقة حكومة طوني بلير على تسليم "أبوحمزة المصري" للسلطات الأميركية ومحاكمته هناك بتهم مختلفة. فالمنظمات تعتبر "أبوحمزة" بريطاني الجنسية، ويجب أن يحاكم في بلده وفق المعايير التي تنص عليها القوانين والمحاكم البريطانية. والمنظمات أرفقت احتجاجها بسلسلة ملاحظات على أسلوب الولايات المتحدة السيئ في معاملة السجناء وعدم إعطاء فرصة لهم للدفاع عن أنفسهم. فالمنظمات الحقوقية ترى أن شروط التعامل مع الإنسان غير ناضجة كفاية في الولايات المتحدة، وهي تقوم على معاملة البريء كمتهم حتى تثبت المحكمة براءة المحكوم. بينما القانون البريطاني يتعامل مع الأسير بأسلوب معاكس. احتجاج منظمات حقوق الإنسان على الولايات المتحدة ليس جديدا. فالخلافات قديمة وخصوصا حين يتعلق الأمر بسجناء الرأي. أميركا تتعامل مع سجناء الرأي بصفتهم من الأعداء، والعدو وفق النظرية الأميركية "مجرم حرب" يهدد الأمن القومي بعدم الاستقرار. بريطانيا لا سجناء للرأي في معتقلاتها وحين تعتقل صاحب رأي فإنها تحتجزه بذريعة مخالفته للقانون. و"أبوحمزة المصري" برأي السلطات القضائية البريطانية خالف القانون ولا يهمها ما إذا خالف رأي الحكومة أو لم يخالفه. وبعيدا عن آراء "أبوحمزة" المضرة فعلا بالإنسان والإسلام فإن دفاع المنظمات الحقوقية عنه يعتبر نقطة مهمة ينبغي على منظمات حقوق الإنسان العربية الاستفادة منها والتعلم من مدلولاتها. فالمنظمات البريطانية التي تتعاطى هذا الشأن عريقة ونجحت بعد طول ممارسة وعناء في التقدم في مجالات وعي حقوق الإنسان وتجريدها من الجنس واللون والدين والمبدأ السياسي. فالحقوق هي حقوق وهي مجردة من كل اختلافات دينية أو مذهبية. فالمنظمات الحقوقية الأوروبية عموما والبريطانية خصوصا لا تهمها كثيرا أفكار "أبوحمزة" واجتهاداته بل ربما هي توافق غالبية المسلمين في بريطانيا على أنها مقرفة ومشوهة ومشكوك بأمرها وتضر بسمعة الجاليات المسلمة في القارة الأوروبية. إلا أن تلك المنظمات - وهذا هو جوهر مبرر وجودها - لا تضع الدين والسياسة واللون والجنس عقبة أمام دورها الفعلي وهو الدفاع عن الإنسان كإنسان... وبعد ذلك لا يعنيها من أفكاره الشيء الكثير. المهم عندها أفعاله وعدم مخالفته للقانون الذي اتفق على أنه يحمي الدولة من الخروقات والتجاوزات. فالمبدأ عندها قانوني - إنساني ولا صلة له بفكر المحتجز أو جنسه أو جنسيته أو دينه. كذلك هو جوهر موقفها من سجناء غوانتنامو. فالدفاع عن هؤلاء الأسرى وحقهم في معاملة إنسانية وحصولهم على محاكمة عادلة ومحايدة لا يعني بالضرورة أن منظمات حقوق الإنسان في أوروبا وبريطانيا مؤيدة لنظام "طالبان" أو موافقة على خطابات أسامة بن لادن. فالحقوق برأيها، وهذا هو محركها، هي صفة للإنسان وملازمة لحياته. وبقدر ما تحترمها الدول وتحرص على تطويرها يتطور الإنسان ويرتقي في بعده الإنساني. عدم التمييز بين إنسان وإنسان هو أساس تفكير المنظمات الحقوقية في أوروبا، والدفاع عن أي مضطهد أو صاحب رأي لا يعني مطلقا أن المنظمات موافقة على ما يقوله وتؤيد نهجه وسلوكه. ومن الطبيعي والبديهي أيضا أن تلك المنظمات لا تحبذ أفكار "القاعدة". وترفض نهجها وخطابها، ولكنها في الآن لا تتردد في الدفاع عن أعضاء "القاعدة" وأنصارها إذا وجدت أن دولة كبرى "مثل الولايات المتحدة" تمارس أساليب "القاعدة" في التعاطي مع الإنسان وحقوقه وحقه في كسب الاحترام والتعامل الحضاري وحصوله على محاكمة عادلة. هذا النوع من السلوك الإنساني يجب الاستفادة منه وتعلمه في المنطقة العربية وتحديدا تلك المنظمات الحقوقية التي تكافح من أجل الدفاع عن الإنسان العربي وحقوقه. صحيح أن التجربة قصيرة وليست غنية، لأسباب كثيرة وغير مجهولة، ولكن الأصح أن تبدأ منظمات حقوق الإنسان من المنطلق الصحيح. وبقدر ما تبتعد عن تسييس قضايا حقوق الإنسان بقدر ما تنجح في تجريد المسألة من الطائفية والمذهبية والاتجاهات الأيديولوجية. حتى الآن لاتزال المنظمات الحقوقية العربية قاصرة في هذا المجال، فهي تتحدث عن سجناء في منطقة وتسكت عن منطقة أخرى. وأحيانا تدافع عن سجين لأنه من "حزبها" أو "طائفتها"، وتسكت إذا كان من "حزب" آخر أو "مذهب" لا تنتمي إليه. وكثيرا من الأحيان تقوم الدنيا من أجل سجين رأي وتصمت أو تتكلم بحياء عن مئات آلاف سجناء رأي لأنهم ينتمون إلى حركات وهيئات ومنظمات لا تتوافق مع تفكيرها ونظرتها إلى الأمور. والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى من الجزائر إلى مصر. هذه مشكلة، ويمكن تجاوزها من التعلم من سلوك الهيئات الأوروبية التي تتعاطى هذا الشأن. والتعلم في هذا المعنى أفضل بكثير من الذهول والدهشة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 670 - الثلثاء 06 يوليو 2004م الموافق 18 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً