العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ

نهضة الإعمار بين غياب الحلول السحرية وأزمة الإسكان

الجسرة ومدينة زايد يتقدمان «النموذج»

إن كان العام 2003 هو عام نهضة الجامعات الأهلية في البحرين، فإن العام 2004 سيكون عام نهضة الإعمار الإسكاني بلا منازع، هذا ما تشير إليه المؤشرات والمعطيات الراهنة بوضوح مع عقد العزم على إنشاء أربع مدن جديدة تديرها لجنة الإسكان والإعمار.

ليلى عبدالحسين احمد هي وابنتاها وولدها العاطل عن العمل وأختها المطلقة وخالتها الأرملة ينامون ويصحون على حلم متناهٍ في الصغر، هو الحصول على بيت يحميهم من ذل السؤال أولا، ومن احتمال الموت تحت الأنقاض المتوقع في أية لحظة ثانيا.

ليلى (54 عاما) التي تعيش في بيت متداع عمره من عمر المنامة في «فريج» كانو، ما هي إلا واحدة من مئات البشر الذين يعيشون رغما عنهم في منازل أو أشباه منازل آيلة للسقوط في أية لحظة، لحوم تتكدس فوق بعضها. الأب والأم والأبناء البالغون كلهم ينامون في غرفة واحدة لا تصلح على الأرجح للعيش الآدمي، فردت الصحافة لهذه الحالات صفحات وأيام، غير أن هذه النوعية من العمل الصحافي تنال اهتمام الشارع القارئ، بل وتعاطفه، وعلى العكس من ذلك، لا تحظى باهتمام الجهات المعنية التي وحدها بيدها تقديم يد العون لتلك العائلات التي لا تنظر إلا رحمة الباري ولفتة إنسانية، حتى أن عددا من الوزراء من الذين يطالبوننا بالصلاة شكرا على قيام وزاراتهم بمهماتها البديهية، يجرأ على التعبير عن استيائه علنا لقيام الصحافة بنشر هموم المواطن، مفضلين عوضا عن ذلك تلوين إنجازاتهم بألوان قوس قزح، والصمت عن أية مطالبات أخرى، وإلا أصبحت «الصحافة» من تريد العودة إلى الماضي.

ليلى... بعيدا عن هموم الوزراء، قريبا من هموم ليلى، فهي تعيش في بيت يتنازع عليه الورثة، وقضيته عالقة في المحكمة منذ سنوات، ولها طلب في وزارة الإسكان يعود إلى العام 1989، نترك لها الحديث لتوضيح معاناتها مع بيتها الذي تتوقع أن يهجم على احد ساكنيه في أية لحظة، إذ تقول: «هو بيت للورثة الذين يطالبونا في كل يوم بتدبير أمورنا والخروج من ورثهم، ولو نظر في حقنا لحكمت المحكمة لنا فيه أقل من غرفة (...) يتقاسم الخوف معنا السكن، فالتراب والحجرة التي تسقط من السقف طوال اليوم، تجعل من الخوف ضيفا ثقيل الظل يحول منامنا إلى كوابيس، قبل أيام سقطت «سنطوانة» في وسط الغرفة جعلتنا نتدافع لنخرج منها مذعورين نحو الباب، وبعدها جلسنا نضحك على الهم حتى لا يضحك علينا... ونكتفي بانتظار الموت».

وتزيد: «تحدثت ابنتاي إلى المجلس البلدي في دائرتنا، والذي جاء لزيارتنا لمعاينة المكان وأخذ الصور، من دون نتيجة، نريد فقط النظر في طلبنا في وزارة الإسكان (...) نحن محتارون، والورثة يطالبون بحقهم ونحن لا نجد سبيلا».

تسكت، تغيب بالذاكرة التي ربما عادت بها إلى زوجها المتوفى، تعود لتجر حسرة على واقعها وتقول: «يا بتي... ماذا احكي؟ شعري شاب وضروسي طاحت، ابنتي الكبرى تعمل حتى المساء وتعود منهكة، ابني عاطل عن العمل، يبقى طوال الوقت في غرفته التي تفتقر إلى السقف، وعلى رغم أنها من دون تكييف يفضل البقاء فيها على أن يجلس معي ليقاسمني الضيم، ليته يعمل لكان رحم حاله ورحمنا، ماذا بعد؟ حالي يصعب على الكافر».

تعود لصمتها الذي كان يحكي بطلاقة أكثر منها، ثم تقول: «ما يحز في نفوسنا أن يأتي الغرباء إلى بلادنا ليحصلوا على وظيفة حكومية وسكن دائم من دون انتظار ولا معاناة، ونحن أبناء هذه الأرض يطحننا الانتظار».

وسط رحى الانتظار نترك ليلى لتنطحن، لنسأل عن عدد الحالات المشابهة لحالها، عدد الحكايات الإنسانية التي تستر عليها المنازل الآيلة للسقوط، عدد البشر الذين لا يعرفون أي الأبواب يطرقون فقط لأنهم لم يتعودوا السؤال... غادرنا ليلى وبيتها الذي لا نجد وصفا يليق به، وفي عقلنا كومة من أسئلة تمزقه، كم من القرى تتكرر فيها مشاهد كهذه، وكم منها ما هو أشد قسوة، فإن منحت قسوة الدهر وضيق الحال لليلى دافعا لتربية بنات منهن من تعمل بجد طوال الوقت ومنهن من تعكف على حلم التخرج من الجامعة لرفع الحمل عن أمها، فكم من الآباء الذين يعيشون في ظروف مشابه لا يعرف أبناءه في أي المراحل يدرسون، أي حزن يحملون، أي أمنيات صغيرة يتمنون.

بالرجوع إلى لغة الأرقام المواكبة للنهضة العمرانية التي ستتوج العام 2004 فإن مشروع جلالة الملك لترميم البيوت الآيلة للسقوط رصد موازنة من 90 إلى 120 مليون دينار لعمليات الترميم لقرابة ستة آلاف وحدة سكنية يقطنها 30 ألف مواطن، بدأت وزارة الإسكان بإزالة 100 وحدة سكنية آيلة للسقوط كدفعة أولى، على أن تشمل الدفعة الثانية 400 وحدة أخرى سترمم في غضون السنوات الخمس المقبلة.

هذا على صعيد المنازل الآيلة للسقوط، آما على صعيد مواقع المدن الجديدة المنتظرة بتصميمات توازي تصميمات مدينة زايد، وربما تفوقها فإن المدينة الأولى ستنشأ شرق مدينة المحرق على مساحة 2150 هكتارا، والثانية في سترة على مساحة 350 هكتارا، والثالثة غرب مدينة حمد على مساحة 80 هكتارا، وأخير الرابعة المدينة الشمالية التي ستقام على مساحة تتراوح ما بين 500 إلى 1500 هكتار.

بحسب الأرقام الرسمية المعلنة فإن هذه المدن تأتي لتحل أزمة ما يربوا على 40 ألف أسرة لديها طلبات مسجلة في وزارة الاشغال والإسكان بين قروض وقسائم ووحدات سكنية منها ما يعود إلى العام 1986، ما يعني أن ليلى ما هي إلا نقطة صغيرة في بحر المنتظرين.

تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة تزيد هم المنتظرين هما آخر، إذ تقدر الطلبات على الوحدات السكنية في العام 2020 بـ 58 ألف طلب، ما يعني أن القائمة التي تشمل الأجداد الآن تشمل بشكل حتمي الأحفاد بعد 16 عاما من الآن.

دستور الجديد كفل حق أن يكون لكل مواطن مسكن ملائم، والحكومة خصصت 25 مليون دينار لإنشاء الوحدات السكنية خلال العام 2003، و10 ملايين دينار لقروض الإسكان للعام نفسه، غير أن المتابع لتصريحات المسئولين للصحافة المحلية يلحظ أن الاعمار سيطال كل المحافظات، ولاسيما القرى التي استرعت أخيرا وبعد عقود من الانتظار الاهتمام الرسمي، وهذا الاهتمام حتما سيحتاج إلى موازنة جديدة أكثر بكثير من تلك التي رصدت للعام الماضي.

وفي الوقت الذي لا يجد فيه الناخبون غير الأعضاء المنتخبين ليبوحوا لهم بالشكوى ويذكروهم ببرامجهم التي انتخبوا على أساسها، والتي كان توفير السكن المناسب في أعلى هرمها، إذ كان البرلمانيون والبلديون على حد السواء يعدون ناخبيهم بتطوير دوائرهم الانتخابية، يفضل المسئولون في وزارة الإسكان عدم تدخل أطراف خارجية في نظام التوزيع، مشددين مرارا على عدالة التوزيعات القادمة وفق أقدمية الطلبات. ومفضلين ان يكتفي أعضاء المجلسين البلدية والتشريعي بلعب الدور الرقابي المطلوب.

وبشكل مواز للتوسع في بناء المدن الجديدة، يسير التوسع في مشروع امتداد القرى، غير أن هذا الأخير هو الأقدم زمنيا، إذ بدأ من العام 1999 مع قرى محدودة كان منها الدراز وسترة والمقشع، ويجرى حاليا تفعليه من جديد ليشمل قرى أكثر، قدرت بعشر قرى يعمل حاليا على تطويرها ما بين بناء وحدات سكنية جديدة من جانب، وقسائم أخرى للبيع بأسعار أقل من السعر المطروح في السوق العقارية من جانب آخر.

يقول رئيس وحدة تطوير واعمار القرى أيمن الخضر، مع تقلص مساحة الأراضي، برزت فكرة تطوير امتداد القرى منذ خمس سنوات في مناطق محدودة، وبعد نجاح الفكرة يجرى حاليا العمل على ستة مشروعات في كل من الشاخورة والدير وسماهيج والنبيه صالح والنويدرات والسهلة ودار كليب.

وبحسب الخضر فإن هذه التوسعات ستكون من نصيب أبناء القرى، والفائض منها سيتحول إلى أبناء القرى المجاورة الأقرب والأقرب.

إلى ذلك، يرى المسئولون أن مشروعي امتداد القرى والبناء العمودي أكثر جدوى من تعمير المناطق الجديدة غير المأهولة، بفضل توافر خدمات البنية التحتية ما يقلل حجم الضغط على المرافق.

تتركز الأنظار الآن على الدور الذي يمكن ان يلعبه القطاع الخاص في دعم المشروعات الإسكانية، عن ذلك يؤكد الوكيل المساعد للإسكان نبيل أبو الفتح «ان الطاقة الإنتاجية في القطاع الخاص تفوق نظيرتها في العام، إذ تقدر مقدرة الأولى ببناء من 1200 إلى 1500 وحدة سكنية في العام الواحد». فيما قال الوزير الجودر في حديث سابق للصحافة المحلية ان إشراك القطاع الخاص في دعم المشروعات الإسكانية سيفتح أبوابا جديدة لدعم الاقتصاد الوطني، غير ان صورة الإشراك ليست واضحة تمام، وتحتاج إلى دراسة وإلى مشاورة أصحاب الاختصاص».

ويبدو أن التوسع العمودي أو الرأسي، بتعبير آخر، أصبح خيارا ملحا أمام وزارة الإسكان، وخصوصا في العاصمة، وبالمثل خيارا أمام المواطن الذي كانت فكرة السكن المؤبد في شقة فكرة غائبة وغير مفضلة، إلا أن انحسار الخيارات جعلها تبدو فكرة مقبولة لو على مضض بدليل الاستمرار في بناء المزيد من العمارات من النوع المصمم للبيع.

ويرى العقاريون المحليون أن سوق الشقق في البحرين تشهد نموا مستقرا في الطلب يقابله نموا في العرض طوال السنوات الأخيرة، ما يجعل حجم الاشغال يصل إلى 90 في المئة، وهذا يعطي مؤشرات صحية.

ومن قطاع العقارات إلى قطاع البناء، يشهد سوق مواد البناء ارتفاعا مستمرا في الأسعار منذ عام ونيف، لم يتخلله هبوط أبدا ما جعل نبرة المواطنين الماضين في بناء بيت العمر تعلوا ما بين حين وآخر لتعلن التذمر من ارتفاع الأسعار في ظل بقاء حجم القروض على حاله والرواتب على حالها، فمواد البناء وحدها التي ترتفع من دون أن يرتفع معها ما يعذر لها الارتفاع.

يقول عبدالكريم منصور(35 عاما): «الرواتب على حالها لم تشهد أي تعديل، ولا يوجد تحسن حقيقي في مستوى المعيشة، وقروض الإسكان تغض الطرف عن الغلاء الحاصل في سوق العقارات ومواد البناء، وكانت كل المؤشرات تقول إن سكن القبور أقرب من سكن بيت العمر».

ويضيف: «نقرأ أن التوسع العمودي هو الخيار المقبل، ولربما أصبح الحصول على شقة حلما يضاف إلى الأحلام مستقبلا (...) فكرة التوسع العمودي غير مقبولة مطلقا، ماذا نورث لأبنائنا بعد أن تعتق العمارة وتصبح غير قابلة للسكن كما حال شقق مدينة عيسى القديمة، هل نورث لهم مساحة في الفراغ ليعمروها؟...

وبالرجوع إلى تصريحات وزير الإسكان قال: «مشكلة عدم تناسب القروض الإسكانية مع أسعار السوق وخصوصا بالنسبة إلى ذوي الدخل المحدود مشكلة مطروحة للتفكير بشكل جدي في سيبل إيجاد الحلول المناسبة لها، هناك حديث عن ضمان تغطية القروض وإعادة هيكلة بنك الإسكان».

بهذا القدر من التعليقات نكتفي، نذكر فقط بليلي ومعاناتها، لن نسوق حالات مشابهة لها، وحتى لا يعتبرنا أحد «زبدا إعلاميا» سننتظر فقط أفعال الرجال.


أجندة الإسكان... وتوسعة مداهمة... أرقام تشيع الفرح

- أكد وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر النية في إعادة هيكلة بنك الإسكان وإيجاد آليات لتقليل مدة انتظار الوحدات السكنية والقروض، استجابة للمستجدات، والغلاء الذي طال مواد البناء.

- منطقة سكنية جديدة في شمال المحرق تستوعب 580 وحدة سكنية، سيتم دفن المساحة المخصص لبنائها قريبا على مساحة 27,45 هكتارا، بالإضافة إلى عمارات سكنية ومدارس ومسجد وحديقة عامة محلات تجارية.

- منطقة سكنية جديدة في «أريف» في المحرق تستوعب 212 وحدة سكنية، كدفعة أولى، سيتم تسليمها في أكتوبر من العام 2005، فيما ستسلم في مايو من العام 2006، قرابة 243 وحدة سكنية أخرى في المنطقة نفسها ليصبح المجموع 455 وحدة سكنية ستقام على مساحة 19,5 هكتارا في «أريف».

- يستوعب المشروع الإسكاني في غرب البسيتين 500 وحدة سكنية بكلفة تصل إلى 20 مليون دينار.

- تستوعب المدينة الشمالية قرابة خمسة آلاف وحدة سكنية، 40 في المئة من مساحتها ستكون لصالح التوسع العمودي، على هيئة شقق للبيع، تقابلها 60 في المئة لصالح الوحدات السكنية.

- مع نهاية العام الجاري ستنشأ الوزارة شققا سكنية جديدة في أم الحصم بواقع عشر عمارات بعضها مكونة من تسعة ادوار والأخرى من ستة ادوار.

- في إطار المشروع الوطني لدراسة أوضاع القرى وقع الاختيار على البديع وكرانة وأبو قوة لتحظى بالأولوية ضمن خطة التطوير.

- خصصت موازنة من 90 إلى 120 مليون دينار لترميم البيوت الآيلة للسقوط لقرابة ستة آلاف وحدة سكنية يقطنها 30 ألف مواطن خلال خمس سنوات مقبلة.

- بدأت وزارة الإسكان بإزالة 100 وحدة سكنية آيلة للسقوط كدفعة أولى، على ان تشمل الدفعة الثانية 400 وحدة أخرى

العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً