العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ

الدستور قواعد وليس ورقة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل ينزلق لبنان مجددا نحو الدخول في لعبة التعديل الدستوري في نهاية كل عهد رئاسي؟ هناك مؤشرات تدل على مثل هذا الاحتمال بعد ان كرس الرئيس السابق الياس الهراوي سابقة في هذا المجال حين وافق على «نصف تمديد» في العام 1995.

موافقة الهراوي على تعديل جزئي للدستور ولمرة واحدة فتحت شهية كل رؤساء لبنان على قبول التمديد لنصف فترة وربما لفترة كاملة، الأمر الذي وضع البلاد في مهب خلافات تتجدد كل ست سنوات وتنعكس سلبا على اقتصاده وتحالفاته السياسية.

بداية لابد من الاشارة إلى ان النص الدستوري ليس غامضا في هذه المسألة. فالمادة 49 واضحة في عدم قبولها التمديد والتجديد. إلا ان الفقرة الثانية في المادة المذكورة - في حال عدّلت لمرة واحدة - تفتح باب إعادة انتخاب الرئيس الحالي والتمديد له نصف ولاية أو ولاية كاملة. ولذلك يقترح بعض الدستوريين اضافة فقرة على المادة 50 (القَسَم الرئاسي) لردع كل رئيس يحاول تعديل المادة 49. ويقترح الدستوريون اضافة فقرة بألا يطالب بتعديل مواد الدستور خدمة لأغراضه الشخصية. فالدستور يجب ان يبقى فوق الجميع والمحافظة عليه هي مهمة قانونية تطال كل المسئولين والمواطنين، لأن تجاوز الدستور في مسألة يفتح الباب لممارسة الخروقات ضده ويتحول إلى مجرد ورقة يتلاعب بها ويعاد تفسيره وتعديله لغايات محدودة ومؤقتة. وهذا في حال حصوله يعطي فكرة سيئة عن الدستور ويجعله مجرد مواد لا قيمة اعتبارية لها وتفقد مع الأيام دورها في ضبط التوازن بين مكونات المجتمع. فاحترام الدستور مسألة تتجاوز كل الخصوصيات والظروف وتعطي هيبة للقانون وتعلم الاجيال الجديدة كيفية التعامل مع نصوص تعتبر اساسية في قيام دولة معاصرة.

لبنان الآن يمر في امتحان جدي، وهذا الامتحان يتجاوز الاشخاص. فالمعركة الرئاسية ليست مجرد مفاضلة بين رئيس ومترشح للرئاسة بل هي اساسا معركة دستورية تقوم على احترام قواعد اللعبة، وتمنع اختراقها لحسابات مؤقتة أو ظروف دولية واقليمية محددة. دائما الظروف صعبة حتى لو تصادفت الانتخابات الرئاسية اللبنانية مع الانتخابات الرئاسية الاميركية. فهذه المصادفة ليست كافية لتبرير التعديل الدستوري حتى تُعرف نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة. فهذه الذريعة لا معنى لها في بلد يعتبر ان احترامه للدستور مسألة جوهرية واعطته ميزة سياسية ونكهة خاصة في المنطقة العربية. وهذا ما يجب الاحتفاظ به لصون لبنان وضمان أمنه واستقراره وكسب ثقة مواطنيه.

لبنان الآن امام امتحان. والامتحان يتجاوز السياسة ليطال الحقوق بغض النظر عن حسابات المعارضة التي ترفض التمديد أو التجديد للرئيس إميل لحود انطلاقا من دوافع شخصية وانانية ايضا. المطلوب الآن تجاوز كل حساسيات المعارضة والحسابات الفردية تأكيدا لمبادئ دستورية اتفق بشأنها وتوافق عليها اللبنانيون.

عدم احترام الدستور يعني عمليا بدء تأسيس انقسامات داخلية تقوم على الحساسيات الشخصية، وربما تؤدي إلى استقطابات أهلية تحد من امكانات عودة الروح (الثقة) بين الدولة والمجتمع. فالبطريرك الماروني مثلا يعارض اي تعديل دستوري ويدعمه تيار قوي من المسيحيين والمسلمين لحسابات مختلفة ولكنها تصب في الاتجاه نفسه وهي رفض التمديد انطلاقا من تعديل الفقرة الثانية من المادة 49.

تيار التمديد ليس ضعيفا وهو يطالب بتعديل تلك الفقرة التي تتيح للرئيس إعادة انتخابه وهذا ما يعتبره التيار المخالف ضربة للديمقراطية، ولا يوافق رأي تيار التمديد على ان ظروف المنطقة تقتضي ذلك. المشكلة ليست لها صلة بالظروف والتوقيت بل باحترام اصول اللعبة وقواعد الدستور. ومن ضمن الشروط ضرورة دعوة مجلس النواب للانعقاد في دورة استثنائية خلال شهر سبتمبر/ ايلول المقبل وإلا فإن المطالبة بالتعديل والتمديد تصبح غير قانونية. كذلك المشكلة لها صلة بسمعة دولة تميزت عن غيرها من خلال اعتمادها على سياسة دستورية تحترم توقيت الانتخاب وانتقال السلطة من دون خلل أو اخلال بقانون التسلم والتسليم.

خطأ الهراوي يجب ألا يتكرر. فتكرار الخطأ يؤدي إلى تحويل المؤقت إلى ثابت وتتحول السابقة إلى قانون ويصبح كل رئيس منتخب يريدها لنفسه كما ارادها غيره. الخطأ يجب ألا يتكرر، والقرار مجددا في يد الرئيس لحود فإذا وافق على التعديل تحول الخطأ (الاستثناء) إلى قاعدة ثابتة، وإذا رفض يكون لحود قد صحح الخطأ ومنع الاستثناء من التحول إلى قاعدة دستورية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً