العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ

خليج الطوائف

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

شهدت بواكير القرن العشرين ظهور الثروة النفطية والمالية في منطقة الخليج، وترتب على ذلك بروز الكثير من المشكلات والظواهر في المجتمعات الخليجية يمكن تشخيصها في تداعيات حال النمو التي شهدتها المنطقة، إذ تغيّرت التركيبة السكانية، ودخلت فئات وجماعات إثنية جديدة على هذه المجتمعات الناشئة عبر الهجرات المتتالية، إما للعمل وكسب الرزق، أو الإقامة لظروف الحياة الأفضل.

وتكون حالات الهجرة هذه مشابهة لتلك التي حدثت في أوروبا تاريخيا بعد اكتشاف القارة الأميركية، وظهور المجتمعات الصغيرة الواعدة بالثروات الطبيعية والتجارية وفرص العمل في الولايات الأميركية المتناثرة وغير المترابطة. ولكن الفرق في الحال الأميركية أن المجتمعات الأميركية المتناقضة بالإثنيات الأوروبية دخلت معا حروبا أهلية توقفت بعدها لتتحد وتبني الدولة الاتحادية التي مازالت قائمة حتى اليوم، استطاع الأفراد في المجتمعات الأميركية خلق هُوية مشتركة تتضمن قواسم عدة مع الاحتفاظ بالهُويات الأصلية وتجسير العلاقة بين الهُوية الأميركية والهُوية الفرعية، وبذلك أظهرت النتيجة مجتمعا أميركيا متعدد الثقافات والهُويات.

في المقابل أتاحت الثروات النفطية في الخليج تعمير بلدان المنطقة، والاستثمار في الإنسان الخليجي، ونقله من التعليم التقليدي إلى التعليم الحديث. وخلقت الثروات التي تركزت لدى البنى التقليدية شكلا من أشكال التنافس على الثروة، واستمر هذا التنافس، في الوقت الذي كانت فيه المجتمعات الخليجية تواجه تحديات خطيرة تتعلق بهُويتها العربية/ الإسلامية، بتزايد المد الاثني المتنوع القادم من الخارج بغض النظر عن الأدوات والآليات التي ساهمت في تفاقمه لاحقا.

وفي العقد الأخير من القرن العشرين ازداد الوعي السياسي لدى مواطني الخليج، وأدركوا المخاطر التي أدت إليها السياسات الحكومية طوال سنوات النفط قبل وبعد الاستقلال السياسي. وأصبح الحديث عن شرعية النظام، وضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي، وطرحت مفاهيم تداول السلطة وآليات عدة وتصورات مقترحة للمشاركة السياسية، لم يتجاوز بعضها فكرة الملكية الدستورية.

ومع دخول القرن الحادي والعشرين بدأت مطالب الإصلاح بالتحقق على أرض الواقع، وظهرت مشروعات ومبادرات عدة في جميع دول مجلس التعاون، وبذلك يمكن القول إن «قرن النفط» انقضى، وبدأ قرن جديد يمكن تسميته «قرن الإصلاح». إلا أنه كما حدث في قرن النفط من تداعيات جراء الثروة النفطية، فإننا الآن أمام تداعيات أخرى نتيجة الإصلاح، فقد كشف الإصلاح عن قوة البنى التقليدية والطائفية. وراج الحديث حول الطوائف والفئات القبلية سواء في دول مجلس التعاون أو العراق وإيران، وكذلك اليمن ذي العمق الجيو استراتيجي لمنطقة الخليج. وطبعا فإن تصاعد هذه القوى من شأنه أن يتعارض مع عملية الإصلاح، وأن يزيد من الاتجاهات الطائفية والفئوية والقبلية والمناطقية في بلدان الخليج.

لذلك فإن التجربة الأميركية في مجال الإصلاح وتكوين الدولة الاتحادية قد تكون جديرة بالدراسة للاستفادة منها في كيفية بناء نموذج لنظام سياسي ديمقراطي قادر على التعامل مع التنوع الاثني والطائفي في مجتمعات المنطقة، حتى لا ينتقل الجدل الدائر لعقود طويلة حول الهُوية العربية أو الفارسية لمنطقة الخليج إلى جدل آخر أضيق بشأن الهُوية الطائفية للمنطقة: هل الخليج سني أم شيعي؟

العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً