العدد 2369 - الأحد 01 مارس 2009م الموافق 04 ربيع الاول 1430هـ

إعادة إعمار غزة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يبدأ اليوم في شرم الشيخ المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة. المؤتمر الذي دعت إليه مصر جاء ردا على العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا وأدى إلى تدمير البنى التحتية لقواعد الدولة وتجريف الأراضي الزراعية وقطع الأشجار، وأسفر عن استشهاد 1388 فلسطينيا وتضرر 22 ألفا من الوحدات السكنية وتحطيم 5 آلاف من البيوت و350 مؤسسة ومدرسة ومستشفى فضلا عن المساجد والمعاهد والهيئات.

حتى الآن لايزال حطام غزة ينتظر الترميم وإعادة الإعمار ويرجح أن تأخذ عملية إدخال آلات الإنشاء فترة طويلة لتبدأ بعدها ورشة البناء. هناك آلاف العائلات أصبحت تعيش في المخيمات والعراء ومئات الأسر فقدت رب عملها وأعمالها ومشاغلها ولم يعد بالإمكان إعادة تحريك الأنشطة الحياتية وعجلات الاقتصاد إلا بمعونة دولية وعربية تضخ الأموال والمواد الأولية للإعمار أو لسد حاجات الناس للغذاء والعناية الصحية والتربوية.

ورشة إعادة أعمار قطاع غزة كبيرة وقد تأخذ سنوات من الجهد لتأمين الحد الأدنى المطلوب لتعزيز عناصر القوة لمساعدة الناس على عدم الانهيار. لذلك جاءت الدعوة دولية (مشاركة 75 دولة) باعتبار أن كلفة ورشة إعادة الإعمار تتطلب مليارات من الدولارات (2.8 مليار دولار دفعة أولى) لا تستطيع جهة واحدة تحمل نفقاتها وموازنتها الضخمة.

المشكلة في غزة لا تتوقف على الجانب الإنساني - الاعماري. فهذا الجانب يشكل الإطار العام لمسألة سياسية تتجاوز حدود القطاع. فالجانب السياسي هو الأهم لكونه يمثل ذاك المفتاح الذي يحدد صفات ومواصفات الجهات التي يحق لها الدخول من البوابة الجغرافية ويسمح لها بالتدخل والمساعدة لتأمين التجهيزات المطلوبة لتشغيل ورشة الإعمار. ومؤتمر شرم الشيخ يمكن وضعه سياسيا في هذا الإطار لأنه يحدد ميدانيا الإطار الجغرافي العربي - المصري الذي يشرف على إدارة عملية البناء ويرسم بالتالي خريطة طريق للتوازنات العربية والإقليمية ودور القوى في التأثير على المعادلة الدولية والضغط عليها للتدخل والطلب من «إسرائيل» عدم عرقلة الورشة من خلال التذرع بالشروط والآليات. ومشاركة الإدارة الأميركية الجديدة في مؤتمر شرم الشيخ تعتبر إشارة لاحتمال مساهمة واشنطن في دفع ما يترتب عليها من التزامات دولية. فالمشاركة حقل اختبار لامتحان مدى اختلاف إدارة باراك أوباما عن إدارة جورج بوش. ولكن المشاركة ليست كافية لتوضيح الصورة بل ما ستكون عليه الصورة بعد الانتهاء من أعمال المؤتمر.

إعادة إعمار غزة مسألة سياسية تتصادف في لحظة انتقالية بين إدارة أميركية أعطت الضوء الأخضر للعدوان والتحطيم والتقويض وبين إدارة أميركية جديدة تقول إنها تفكر بالتغيير وتريد إدارة الصراع بأسلوب دبلوماسي. وغزة تعتبر الآن ساحة اختبار لامتحان هذه السياسة ومدى جدية واشنطن في اتباع وسائل ذكية في التعامل مع الحرائق التي افتعلها الرئيس السابق.

إعادة إعمار غزة يعتبر الاختبار الأول للرئيس أوباما لأن المؤتمر يتصادف مع الزيارة الأولى لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى منطقة «الشرق الأوسط». وهذه المصادفة تضفي خصوصية على الزيارة وتلقي الأضواء على زوايا غامضة تحتاج إلى توضيح للتمييز بين سياسة سابقة وأخرى يقال إنها ستكون جديدة ومختلفة.

إلى الموقف الدولي هناك الموقف العربي الذي استنهض حيويته واندفع في أكثر من اتجاه للحد من تداعيات العدوان واحتواء انفعالاته الإقليمية تمهيدا للبدء في إعادة ترميم التصدع الذي ضرب الوحدة الفلسطينية وكاد أن يجرفها في سياق يخدم المشروع الإسرائيلي والأهداف البعيدة للعدوان.


حجر الزاوية

الموقف العربي يشكل حجر الزاوية في خطة إعادة الإعمار وهو لا يقل أهمية في أبعاده السياسية عن تلك الخطة التي وضعت للمساهمة في إعادة إعمار لبنان بعد عدوان صيف 2006 والتدمير الهائل الذي ألحقته آلة الحرب الإسرائيلية في بلاد الأرز. فالسيناريو متشابه نسبيا في حيثياته وأدواته ونتائجه وتداعياته واستقطاباته لذلك لابد أن تتدخل الدول العربية المعنية في مشروع إعادة الإعمار لأنه يعزز وحدة الموقف التضامني ويعطل على «إسرائيل» خطة الالتفاف على القرارات الدولية وما تحتويه من فقرات تؤكد على الانسحاب من الأراضي المحتلة وحق العودة وبناء دولة فلسطينية مستقلة «قابلة للحياة».

دعوة القاهرة إلى عقد المؤتمر الدولي في شرم الشيخ تحت بند وحيد «إعادة أعمار غزة» جاء في سياق متغيرات دولية وعربية وإقليمية وفلسطينية أكدت في مجموعها على أن مصر هي بوابة العبور الجغرافي إلى القطاع. وهذه المتغيرات التي اجتمعت يمكن لها أن تشكل مظلة سياسية عامة تشترك مختلف القوى والفصائل الفلسطينية في الاعتماد عليها لضمان عدم الانهيار ومنع «إسرائيل» من تحقيق غاياتها البعيدة المدى.

هناك استهدافات كثيرة أرادت تل أبيب التوصل إليها من وراء العدوان إضافة إلى التدمير والتحطيم والتقويض والقتل والتشريد. والاستهدافات السياسية أوضحتها نتائج الانتخابات الإسرائيلية ونجاح أقصى التطرف في السيطرة على «الكنيست» واحتمال أن تتشكل حكومة لا تعترف أصلا بالشعب الفلسطيني وحقوقه. وهذا الأمر يتطلب ذاك الرد المنتظر من الجانب المضاد الذي يتمثل مرحليا الآن في تأكيد الوحدة الفلسطينية ومنع انشطار السلطة إلى حكومتين وعدم التفريط بالمظلة العربية وما تمثله من عمق تاريخي وامتداد جغرافي للقضية المركزية.

إعمار غزة مسألة سياسية وليست أيديولوجية، وهو يتطلب اصطفاف القوى العربية في إطار برنامج واضح في أولوياته يعطي الوحدة الفلسطينية موقع الصدارة حتى لا تتذرع الدول الكبرى بالانقسام للتهرب من مسئولياتها سواء على مستوى التزاماتها اتجاه غزة أو على مستوى وعودها اتجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. فالبناء يختلف في شروطه السياسية عن الحرب وهذا الأمر يرفع من درجة الضغط على الفصائل الفلسطينية ويزيد من نسبة مسئوليتها التي تقتضي تغليب التفاهم على الاختلاف وتطوير بنود المصالحة لمنع تضارب المصالح من التفوق على خطة الإعمار.

الجانب الفلسطيني هو شرط النجاح لأن الاختلاف يزعزع كل المحاولات العربية للتدخل باتجاه إعادة الإعمار ما يؤدي إلى انفضاض الغطاء الدولي وإعطاء فرصة لتل أبيب والدول الكبرى للانسحاب والتهرب من مسئولية العدوان وبالتالي من كلفة الإعمار.

مؤتمر شرم الشيخ الدولي يمثل مناسبة سياسية ترسل إشارات قوية باتجاهات مختلفة. فهو استراتيجيا أكد أهمية البوابة الجغرافية وموقع مصر في إدارة الأزمة (التهدئة والمصالحة)، وسياسيا أعاد ترسيم الخريطة العربية لمشروع التسوية، وإقليميا أعاد ضبط التجاذبات المحورية تحت المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ودوليا شكل نقطة اختبار للإدارة الأميركية ومدى اختلافها عن السابقة إذ يتوقع أن يمتحن المؤتمر اليوم حدود المشاركة الدولية في المشروع العربي لإعادة الإعمار.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2369 - الأحد 01 مارس 2009م الموافق 04 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً