العدد 684 - الثلثاء 20 يوليو 2004م الموافق 02 جمادى الآخرة 1425هـ

وحدة ضد الفساد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وجود رموز فاسدة في السلطة الفلسطينية مسألة معروفة ومتداولة منذ ثلاثة عقود. وما طُرح حديثا في غزة ليس جديدا على الساحة. فالكل يعلم من هي تلك الرؤوس، وكيف تتحرك ومن يحركها؟ المشكلة كانت دائما في استنباط الوسائل الكفيلة بدحرها ومنع عودتها. هذه المشكلة التي نجحت القيادة التاريخية في التعايش معها - حتى لا تثار قضايا جانبية تشوش على الأهداف الاستراتيجية - تضخمت، وبات السكوت عنها مسألة غير مبررة عند قطاع متضرر أخذ يعبر عن نفسه من خلال تلك الحركات الناقمة أو المتمردة في هذا المكان أو ذاك. المشكلة قديمة ولكن التطورات التي شهدتها السلطة الفلسطينية في السنوات العشر الأخيرة زادت من تفاقمها، وخصوصا عندما دشن ارييل شارون سياسة الاجتياحات المتتالية وتطويقه للقيادة التاريخية.

حصار السلطة في رام الله أسهم في إنتاج سلسلة وقائع ميدانية:

أولا: أضعف رقابة السلطة وأبعد عرفات عن إشرافه على ترتيب التوازن الداخلي في البيت الفلسطيني.

ثانيا: أضعف الوحدة الفلسطينية التي توزعت على مراكز قوى جديدة، أطلقت فصائل مسلحة تمارس مهمات عسكرية من دون العودة الى توجيهات القيادة التاريخية.

ثالثا: لعبت الانتفاضة في إنتاج موازين قوى مختلفة عن تلك التي كانت موجودة قبل توقيع اتفاق أوسلو. فالساحة الفلسطينية التي تعرضت لرقابة السلطة باتت في موضع مستقل بسبب انشغال السلطة واستمرار المواجهات مع الاحتلال.

رابعا: انشغال الساحة بالكفاح ضد الاحتلال ومحاصرة القيادة التاريخية وبروز اتجاهات سياسية في ظل الانتفاضة لم يمنع شريحة الفساد من الاستمرار في تطوير علاقاتها مع شبكة إسرائيلية امتهنت تسليك مصالحها في إطار صفقات متبادلة.

حصار القيادة في رام الله لمدة ثلاث سنوات لم يكن مجرد حادث عابر في توازنات السلطة الفلسطينية، فهو أدى من حيث الوقائع الميدانية إلى إضعاف رقابة عرفات وعزله عن التطورات التي طرأت على الساحة، وولد سلسلة تناقضات تتراوح بين نمو قوى نضالية جديدة وبين تعزيز رموز الفساد مواقعها من خلال تطوير صلاتها ببعض الأجهزة الإسرائيلية. وما حصل في قطاع غزة هو صورة مصغرة عن تحولات سياسية قد تشهدها السلطة الفلسطينية في مرحلة «ما بعد عرفات» وفي فترة تستعد خلالها حكومة شارون لإعادة انتشار قواتها في القطاع.

خطورة ما يحصل الآن، ان تلك التطورات تتداعى بمعزل عن سلطة عرفات ورقابته، وهذا ربما قد يؤدي الى نمو تناقضات تناحرية داخل «البيت الفلسطيني» بين تيار سياسي قليل الخبرة يغلّب صراعه مع الفساد على كفاحه ضد الاحتلال وبين كتلة من الفاسدين تغلّب مصالحها الخاصة مع سلطات الاحتلال على حساب الانتفاضة مستفيدة من توازنات إقليمية مضطربة في توجهاتها أو في ظل إدارة أميركية تدعم المشروع الإسرائيلي من دون تردد.

انشغال القيادة التاريخية بنفسها وعدم قدرتها على التحرك خارج دائرة جغرافية محددة أعطى فرصة لرموز الفساد في نقل نشاطهم من الإطار الفلسطيني وتوسيعه ليرتبط مصلحيا بالاحتلال. وهذا ربما يكون من أسباب حركة الاحتجاج التي اندلعت ضد شريحة محسوبة على السلطة أو مرتبطة تقليديا بحركة فتح.

ربما تكون الحركة ردة فعل على ذاك السلوك السلبي الذي بدأ يظهر منذ فترة وأخذ يضغط على القيادة التاريخية للتنازل أو المساومة على حساب الأهداف التي حددتها الانتفاضة. هذه مجرد فرضية، ولكن الوقائع تشير الى ما يؤكدها. فهناك الآن أكثر من مركز للقوى أخذ يجذب الشارع الفلسطيني الى خارج دائرة الاهتمام التقليدي الذي تركزت عليه الانتفاضة وهو مقارعة الاحتلال وطرده من الأراضي التي اتُفق في أوسلو على إعادتها تمهيدا لقيام دولة مستقلة. هذه الدولة كما تبدو مؤجلة في ظل موازين القوى الحالية وهذا ما رددته حديثا الإدارة الأميركية حين ذكرت انها تستبعد قيامها في العام 2005، كما سبق ووعدت إدارة واشنطن بذلك.

المشكلة إذا معقدة. ولاشك في أن حكومة شارون هي المستفيدة من تفكك الجبهة الفلسطينية الداخلية وبروز اتجاهات متعارضة بين نمو كتلة مسلحة لا تأتمر بتوجيهات القيادة التاريخية وبين نمو شريحة من الفاسدين استغلت محاصرة عرفات في مقره الرئاسي لتطوير علاقاتها مع الاحتلال. الفساد في السلطة ليس جديدا، والرد عليه هو في إعادة الاعتبار لمنطق الوحدة. فالوحدة تمنع التفكك وتسعف الشعب على تجاوز الكثير من المحن ومن بينها محنة الفساد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 684 - الثلثاء 20 يوليو 2004م الموافق 02 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً