العدد 684 - الثلثاء 20 يوليو 2004م الموافق 02 جمادى الآخرة 1425هـ

حرب المليشيات الفلسطينية

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

انه أمر مثير للغثيان حقا أن ترى شوارع قطاع غزة تعيش حربا حقيقية لا مع المحتل بعدته وعتاده. انه لخطأ فادح أن تزدحم شوارع المدن الفلسطينية بالدماء لا في مواجهة مع العدو. انه مشهد مؤلم بكل مقاييس الصورة أن تتحول بيادر النصر إلى حرب شوارع حقيقية، فكل حزب بما لديهم فرحون.

انها لسابقة خطيرة أن يحارب الفلسطينيون أبناء جلدتهم، لم تتكرر منذ مدة طويلة جدا منذ مخيمات بيروت. واقع لا يقل عن الاحتلال والغصب والاضطهاد الصهيوني للكرامة الفلسطينية ولربما يفوق في مأسويته، لان «حرب» ذوي القربى أشد مرارة وأسوأ أثرا بالتأكيد من مجابهة دبابات العدو وطائراته.

توقيت هذه الفوضى لا يشير إلى عفوية أبدا، فبعد أيام معدودة من إصدار أعلى هيئة قضائية دولية وهي محكمة العدل الدولية قرارا تاريخيا ينص على عدم شرعية جدار العزل العنصري الذي بنته آليات شارون على أنقاض بيوتات وقرى سحقت بكاملها من ذاكرة الوجود بعد طمسها بجرافات العدو لتحل مكانها مأساة برلين، بحيث لا يتمكنون من استثمار أي قنص قانوني. ولا مجال للعفوية عندما يدعو شارون عموم اليهود في العالم إلى التوجه إلى شعب الله المختار في أرضه الموعودة. ولا مجال للعفوية عندما تعج المعتقلات النازية بآلاف الأسرى، ولا يمكن للعفوية أن يكون لها موطئ قدم في الحساب عندما تحاصر جميع القرى والمدن وتلاقي صنوف العذاب.

من أين يا ترى شهدت هذه المأساة بداياتها، أهي مرشحة للتفاعل أكثر أم لا؟ هل الاحتلال وحده الضالع فيها، ومن المستفيد من خوض حرب أهلية - لا سمح الله - على الساحة الفلسطينية؟ أهي حوادث عابرة ويتيمة أم ان من أرادها قد خطط لها وأمسك بخيوطها جيدا؟ والاهم من ذلك كله: ما ثمن هذا التخبط غير المسبوق، ومن عساه أن يتحمل هذه الكلفة الباهظة؟!

الإصلاح... مفردة سحرية ومطاطة في آن واحد، فمن له حق فرض الاصلاح على الفلسطينيين؟ وأي اصلاح تتطلع إليه أعين القوم وتركن إليه أفئدتهم، هل يعني الإصلاح في قاموس البعض كبح جماح المقاومة بحجة فرض الأمن والسيادة الوطنية؟ وهل الاصلاح يتأتى عبر تغيير أشخاص وتكريس سياسات؟ أينشد من هذا النمط من الاصلاح أن يقوم به فاسدون ثبت بالدليل القاطع تورطهم في جرائم فساد وتبييض أموال. توقفوا قليلا لتقرأوا المشهد جيدا، لا مجال للهروب، ففاقد الشيء لا يعطيه ولن يعطيه. فكثيرا ما وقع الفلسطينيون ضحية لخلافات الكبار، وقدموا الكثير جراء «حرب السلاطين» على رقي الكراسي وتسنم المراكز ومواقع القرار المفتقد أصلا.

قبضة الحديد التي راهن عليها طويلا الرئيس الفلسطيني عرفات وسطوته الأحادية على الوضع في الأراضي المحتلة طيلة عقود من الزمن، لم يتمخض عنها ترتيب البيت الفلسطيني، بحيث نسي الفلسطينيون ونسي العالم معهم وجود مؤسسات وطنية دستورية، ولم نسمع يوما عن قضاء فلسطيني نزيه يحكمه مبدأ فصل السلطات، وتحجيم دور منظمة التحرير الفلسطينية وتكبيلها عن الحراك السياسي، لم يسمح بولادة مؤسسات حقيقية قادرة على المساءلة والمحاسبة أو القيام بدور الرقابة على ما يفعله القائد التاريخي، فضلا عن أنباء غير سارة تتناقل يوما بعد يوم لتكشف فضائح جديدة من مسلسل الفساد المالي والإداري في مختلف أجهزة السلطة يواكبها تزايد مطرد في حسابات بعض القادة والمتنفذين في كبار المصارف العالمية. وبالنتيجة فما نراه الآن لا يعدو كونه فاتورة لتلك السياسة الخرقاء التي يجني الفلسطينيون ثمارها اليوم.

المطلوب اليوم وبإلحاح وقبل الشروع في أي مخرج سليم هو أن يئوب الفلسطينيون إلى رشدهم، ويرجعوا إلى وحدتهم، ويرتبوا صفوفهم وبيتهم الداخلي للتحسب من ذلك الأكثر الذي يتربص بهم في الطريق، فهذه هي ساحة المواجهة الحقيقية. والكثير من القواعد الشعبية التي ترزح تحت وطأة الاحتلال والفقر والأمية تطالب «أبوعمار» بالقيام بمبادرة مدروسة وسريعة لتقليل الخسائر بأقل مستوى ممكن، وكثرة أخطاء الماضي لا تعفي مبدأ التصحيح من خلال تفعيل دور العمل التشريعي والعمل على ضمانة القضاء وإفساح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني، وخلق أجواء ايجابية وتنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها في الخريف المقبل أيا تكن المعوقات.

إذن ما الرسالة المتوخاة من تعاقب استقالات المسئولين السياسيين والأمنيين وسقوط حكومتين في ربيع واحد. الجواب هو الدعوة إلى السيطرة على الوضع عبر الرجوع إلى صوت الحكمة والعقلنة بعدما انفلت الزمام اثر تدهور الوضع الأمني بدرجة غير مسبوقة، وهو أمر لا يقبله أي فلسطيني شريف غيور على شعبه ووطنه وقضيته، لان الإصلاح والمقاومة هما عملية واحدة وتراتبية، مؤشر دقيق في معادلة صعبة ومحيط دولي قاس. أي ان التفريط بأي منهما سيفضي إلى خسران الرهان، وهذا ما على الفلسطينيين أن يتوخوه. وكفى الله الفلسطينيين شر الاقتتال

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 684 - الثلثاء 20 يوليو 2004م الموافق 02 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً