العدد 690 - الإثنين 26 يوليو 2004م الموافق 08 جمادى الآخرة 1425هـ

السلطة الفلسطينية والهاوية

حميدة القيسي comments [at] alwasatnews.com

حال من الانفجار شهدها قطاع غزة، اختطافات واستقالات ومصادمات بين متظاهرين مسلحين ومؤيدي رئيس جهاز الأمن الجديد موسى عرفات، وشكل كل ذلك جداول أعمال بحثتها السلطة والمجلس التشريعي في اجتماعات عاجلة في رام الله بالضفة الغربية، ولم تسفر تلك الاجتماعات عن حل جذري لما تفجرت الأزمة من أجله، وهو الفساد في السلطة الوطنية الفلسطينية.

وتأتي تلك الأزمة بعد خطاب المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن تيري رود لارسن وتحدث فيه عن ضرورة إنهاء الفساد في سلطة عرفات، ويأتي أيضا بعد الانتصار السياسي الكبير للقضية العادلة أمام المحكمة الدولية بلاهاي. وليس من شأن تلك الأزمة إلا أن تضعف من قدرة الفلسطينيين على استثماره سياسيا، بل إنها تصرف الأنظار عن أهمية ذلك القرار الذي يدين الاحتلال، وتصرف الأنظار أيضا عن المشكلة الحقيقية وهي الاحتلال الإسرائيلي وتنقل الصراع إلى داخل البيت الفلسطيني بدلا من أن يكون مع العدو الذي قاتل ضده العرب والمسلمون لأكثر من خمسين عاما.

وكي لا يحدث ما لا تحمد عقباه، فإن على السلطة الفلسطينية بذل جهود حثيثة لقطع دابر الفساد بداخلها، وكان من الأجدى أن تقوم بذلك منذ بداية نشأتها أو منذ بداية ظهور بوادره على الأقل حتى لا يصل إلى النخاع، ويكون من بين المشار إليهم مسئولون كبار، والوقاية خير من العلاج. لكن شيئا من ذلك لم يحدث وتفاقمت تلك الظاهرة السلبية، ونجحت السلطة الفلسطينية على رغم ذلك في احتواء كل الأزمات التي نشبت إثرها، بيد أنها لا تعالج الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى تلك الأزمات، فهي تعالج كل أزمة على حدة بمبادرات فردية وتدخلات شخصية من الرئيس عرفات أو مقربين للجانبين، ولا تحاول الإجابة على السؤال الأهم: لماذا حدث هذا؟ ولماذا تكرر حدوثه؟

ويخشى الكثيرون أن يدخل الشعب الفلسطيني أو بعض قواه في اقتتال داخلي، إذ ينبغي أن يكون الفلسطينيين أكثر حكمة من أن تنشب بينهم حرب أهلية. وعلى السلطة الفلسطينية إيجاد حل لتلك المعضلة حتى لا يستغلها الطرف الآخر لترويج رؤيته بعدم وجود شريك للسلام.

إن الإسرائيليين لن يجدوا شريكا أكثر وفاء وحرصا على عملية السلام من السلطة الحالية، فقد كرست جميع مساعيها في سبيل تحقيق السلام، ففي حين ينسف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون تلك الاتفاقات نظريا وعمليا لايزال الرئيس عرفات يتمسك بها ويرددها مع كل ظهور له على وسائل الإعلام.

على اننا يجب ألا ننسى أن الاحتلال الإسرائيلي سبب رئيسي وجوهري في كل الأزمات داخل الأراضي المحتلة، فجيش الاحتلال هو السلطة الآمرة العليا هناك، كما انه يختلق المشكلات والعثرات أمام السلطة، وإن لم يختلقها فإنه يستغلها لصالحه. وليس من المتصور أن تكون السلطة الحالية فاعلة طالما بقي الاحتلال قائما. وأمام كل تلك الأزمات التي تزيد بلا ريب من عمق الهاوية التي يمكن أن تقع السلطة الفلسطينية فيها، فإننا نعتقد أن السلطة تعيش حالا هي أشبه بالموت البطيء، وحتى لا يكتب لها الآخرون شهادة وفاتها وتصبح جزءا من التاريخ، عليها أن تقوم هي ذاتها بذلك، لتشكل قيادة وطنية فلسطينية موحدة تضم مختلف الطيف السياسي الفلسطيني. وعلى تلك القيادة أن تقود النضال الوطني بكل أشكاله وألا تقدم التنازل تلو التنازل كما تفعل القيادة الحالية. صحيح أن الرئيس عرفات رمز وطني لكن هذا لا يعني قطعا، أن يبقى خالدا في منصبه حتى توافيه المنية، وفوق ذلك أيضا يبقى متمسكا بالكثير من السلطات المهمة بيده، وهو صاحب الكلمة الفصل في كل شاردة وواردة. على الرئيس عرفات أن يحيل نفسه للتقاعد بعد أن بلغ من الكبر عتيا، وذلك عوضا عن انتظار وصول الحبل إلى رقبته أو الانتحار سياسيا. وهذا هو أكثر ما سيحفظ لأبي عمار مكانته كرمز وطني ورئيس عربي اختلف عن نظرائه، وليس رئيسا مزمنا

العدد 690 - الإثنين 26 يوليو 2004م الموافق 08 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً