العدد 691 - الثلثاء 27 يوليو 2004م الموافق 09 جمادى الآخرة 1425هـ

«يوليو»: شهر الخيرات والثورات

فرنسا ومصر والعراق والجزائر

أنور الحايكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شهر يوليو/ تموز هو شهر الثورات بلا منازع. فبلدان كثيرة تحتفل باستقلالها أو بنجاح ثورتها ضد الطغم الفاسدة عبر التاريخ التي حكمتها، وضد «الأوضاع السياسية والاجتماعية» المهينة للإنسان وكرامته؛ والثورات هذه التي نتحدث عنها تختلف كليا عن «قلب نظام الحكم» فالثورة إذا ما نجحت أسقطت «الدستور» وزلزلت النظام الحاكم القائم وأسلمته إلى مزبلة التاريخ، بل ربما إلى المزبلة الحقيقية، في حين أن «قلب نظام الحكم» يهدف «إلى توزيع السلطة السياسية» بين الفرقاء أو الأحباء.

فالصور كثيرة، منها ما يقوم به ابن يقلب نظام حكم أبيه أو عم يقوم بقلب نظام حكم ابن أخيه أو العكس أو نائب يقوم بطرد رئيسه كما حصل في العراق بعد الثورة إذ أسقط عارف، قاسم، وأسقط البكر، عارف، وفي ليلة يعم فيها السحاب الأسود كل العراق ويخيم الظلام الدامس على بغداد قتل صدام حسين أحمد حسن البكر بالسم اذ دسه له في لقمة «تمّن»؛ وبما اننا هنا معنيون بالثورات فسنسوق أمثلة، هنا، على ذلك، ونترك شأن الانقلابات إلى حينها، وأكبر الثورات، نبدأها بالجدول الآتي:

الثورة الفرنسية

يعتبر 14 «يوليو» عطلة رسمية في فرنسا، ويسمى هذا اليوم بـ «يوم الباستيل» حين هجم العامة من الناس على سجن الباستيل لحماقة لويس السادس عشر الذي طلب النجدة الأجنبية لقمع هذا الشعب المتضور جوعا، بعد أن رفضت قواته المسلحة النزول إلى الساحة وضرب الشعب؛ وهذا الهجوم الفذ على سجن الباستيل ألهم الشعب الفرنسي في كل أرجائها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب «وهز جميع ملوك وأباطرة أوروبا» يوم ذاك، وفيه انتهى «الحكم الملكي» وبه بدأت «الجمهورية الأولى»، الجمهورية التي لها موقع جليل في التاريخ وقادت العالم إلى الحرية كنموذج يحتذى به منذ العام 1789 ميلادي حتى هذه الساعة. وكان مهد الثورة هذه «الحقل والشارع والأسواق» وكان «سبيلها وعر وشاق» ولم يكن لرجالها حظ في «فرصة التعلم» ولم يكونوا ممن يتقن «الكلام المنمق الذي يخفي وراءه المكر والخديعة» ولم يكن يستر «اجسادهم شيء». فقد كانت ثورة حمراء بكل المعايير، فيها لعبت المقصلة دورا لم تلعبه مقصلة أخرى في التاريخ فقد قامت «بالانتقام الفظيع من هؤلاء الذين كانوا يسقونها كأس العذاب، ومن هؤلاء الذين يتآمرون على الحرية التي اهتدت إليها». فيها «ابلى ابناء فرنسا بلاء حسنا». وهي ثورة اختلف المفكرون والفلاسفة في «أسبابها» فمن قائل: «أنها حركة عقلية» جاء بها رواد عصر التنوير في القرن الثامن عشر، ورأى آخرون إنها «ثورة الطبقات المحرومة» ضد «الطغيان الاقطاعي» ورأى آخرون انها «توطيد لسلطة البرجوازية الرأسمالية الحديثة ضد نظام اقتصادي واجتماعي مقيد وعتيق» ورأى آخرون «أن السبب المباشر للثورة كان دون شك حال الإفلاس التي كانت عليها خزانة الدولة». مع ما كل ما قيل عن الثورة وما سيقال فإن أكبر حسناتها «اعلان حقوق الإنسان» و«التشريعات» ضد الاكليريوس (رجال الدين) وجلبت شعار «الحرية والمساواة والإخاء».

ثورة 23 يوليو

كان من المفترض أن نكتب في صحافتنا عن هذه الثورة في اليوم الذي حدثت لنتذكرها جميعا لكن شيئا من هذا لم يحصل إلا في مواقع صغيرة وخجولة جدا؛ ففي ليلة 23 يوليو العام 1952 حين كانت القاهرة العاصمة المصرية العظيمة يوم ذاك وحتى الآن، تنعم بهدوء السكينة، وذلك لسبب «سريان قرار منع التجوال الذي صدر عقب حريق 26 يناير/ كانون الثاني 1952 حتى الساعة السادسة صباحا»، كان بعض «حاملي التصاريح من أطباء وصحافيين وعساكر من الشرطة والجيش» يتجولون كل في شأنه. في تلك الليلة حدثت ثورة قلبت موازين الأمور في مصر والأمة العربية تسمى «ثورة 23 يوليو» «دبرها لفيف من ضباط الجيش المصري الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر عند منتصف الليل إذ تم الاستيلاء على «مبنى الاذاعة والمرافق الكبرى بالقاهرة» وتم اعتقال ثلة كبيرة من الوزراء والقادة. وفي صباح اليوم ذاك اذاع اللواء محمد نجيب بيانا إلى الشعب «أعلن فيه قيام الجيش بحركة تستهدف صالح الوطن». وفي مساء يوم 26 يوليو ومن «رصيف في قصر رأس التين خرج الملك فاروق من مصر وسجل التاريخ هذه اللحظات التاريخية وكان شعب الاسكندرية يقف خارج القصر شاهدا ومترقبا لحدث تاريخي مهم. وتم إلغاء دستور 1923، وإلغاء الاحزاب السياسية وأكد الثوار عروبة مصر وأقاموا الوحدة مع سورية وطرد المستعمر وتم تأميم قناة السويس. ومهما قيل عن ثورة 23 يوليو حتى هذه الساعة لا يمكن له أن يعلن عن الحقيقة الصارخة التي جاءت بها هذه الثورة في توعيتها للشعوب العربية وتقريبها لها فكرة النضال من أجل الكرامة الانسانية ومن أجل وطن يكون فيه المواطن سيد الموقف.

ثورة «14 تموز» في العراق

في 14 يوليو/ تموز 1958 أعلنت «إذاعة بغداد» البيان رقم واحد، إذ أعلنت فيه «سقوط النظام الملكي» في «العراق» وبذلك حررت «العراق» من رقبة الامبريالية والاستعمار. ونصب «مجلس سيادة»: برئاسة الفريق نجيب الربيعي ومجلس وزراء برئاسة الزعيم الركن عبدالكريم قاسم، وفيه أيضا العقيد الركن عبدالسلام عارف، وفي اليوم نفسه قتل الملك فيصل الثاني وولي العهد عبدالإله ورئيس الوزراء نوري السعيد وفي ذلك اليوم عاد إلى العراق 12 ألف عسكري من الحدود الأردنية العراقية. كما ألغي الدستور للعام 1924 وجاء محله دستور مؤقت تم الإعلان عنه في 27 يوليو 1958 نذكر من مواده: «العراق جمهورية مستقلة ذات سيادة» دين الدولة الإسلام. العراق جزء من الأمة العربية.

الحوادث توالت على هذه الثورة وبقيت الحرب مشتعلة بين أطراف كثيرة. ففي العام 1961 وفي الرابع عشر من رمضان (8 فبراير/ شباط) أعدم عبدالكريم قاسم بطريقة مرعبة. جاء رفيق دربه عبدالسلام عارف مع البعث ثم انقلب على البعث ولقي مصرعه في حادث طائرة 1966. جاء شقيقه عبدالرحمن عارف اطاح به البعث في 17 يوليو 1968 وجاء أحمد حسن البكر الذي جاء ذكره أعلاه ثم جاء صدام حسين الذي أخرجته أميركا من منفاه الاختياري. مر العراق بأزمات لم تمر على أية دولة عربية أخرى من الناحية السياسية والناحية الاستعمارية. واليوم هذا البلد العريق يملك فرصة ذهبية لتحويل الأنهار الأربعة التي تجري على سطح أرضه وباطنها إلى منجم حقيقي للعدالة الإنسانية وللتعايش السلمي بين جميع أفراد شعبه مهما اختلفوا في العقائد والايديولوجيات.

ثورة المليون شهيد

بعد أن قدم الشعب الجزائري مليون شهيد ثمنا لتحرره من رقبة الاستعمار الفرنسي الذي كان ينظر إلى الجزائر لا على انها مستعمرة يتوجب حلبها كما البقرة، بل على أنها قطعة مهمة من الأراضي الفرانسية المقدسة، وبعد أن قدم هذا الشعب العظيم أرتالا من الدماء والرؤوس أصبح هذا البلد العربي حرا مستقلا وبجدارة يندر وجودها في التاريخ في الرابع من يوليو العام 1962. مصادر أخرى تشير: «ففي 3 يوليو 1962 كانت هناك دولة معدّة للبناء». جاء أحمد بن بلة كأول رئيس للجمهورية الجزائرية الحرة يدعمه رفقاء دربه الأبطال المناضلون الاشاوس: «جبهة التحرير الوطني» التي فاوضت «من أجل الاسقلال». واختارت هذه الثورة «الاشتراكية» طريقا سياسيا لها. ووضع للجمهورية دستورا في العام 1963 توقف العمل به بعد 13 يوما لسبب النزاع الجزائري المغربي الذي على أثره أُسقط الرئيس الجزائري بن بلة وعزل من السلطة في 19 يونيو/ حزيران 1965 وتسلم رفيق دربه هواري بومدين و«مجلس الثورة» المكون من 26 عضوا السلطة وعلى أثر ذلك تم إلغاء دستور 10 يوليو 1965 وأعلن بومدين نفسه «المؤتمن الوحيد على السلطة» إذ جمع في يده: رئاسة الجمهورية، وأمانة الحزب، ووزارة الدفاع، أي الجمهورية والحزب والجيش حتى وفاته العام 1979. تعيش الجزائر الآن حالا سياسية خاصة بها، نرجو أن تخرج منها كما خرجت فيما مضى كما المارد عظيما.

طبعا هناك ثورات كثيرة، غير أنها لم تحصل في شهر الخيرات والثورات، منها على سبيل المثال، «ثورة الحسين» «ثورة البراق» «الثورة الروسية» «الثورة الأميركية» «الثورة البريطانية» «الثورة السوداء» «ثورة الزنج» «الثورة الصناعية» «الثورة العراقية» «الثورة العربية» «ثورة العشرين» «الثورة الفلسطينية الكبرى» «الثورة المصرية» «ثورة الملاكمين» وهي ثورة سياسية ليس لها علاقة برياضة الملاكمة التي حدثت في الصين، «الثورة الإسلامية في إيران» أو ما يعرف بـ «ثورة الإمام الخميني» وهناك «ثورة الفول» و«ثورة الزهور» ثورات جلها كانت ضد الطغيان وضد استغلال الإنسان للإنسان بأي شكل من الأشكال.

غير أن هذا الشهر له صولات أخرى نذكرها هنا باختصار. ولد «الاتحاد الاشتراكي العربي» في الرابع من يوليو العام 1962 بقيادة جمال عبدالناصر وهو مؤسسه الشرعي. جرى أول تفجير نووي في «نيومكسيكو» بأميركا في 16 يوليو 1945. وها هي أميركا الآن تطالبنا بان لا نفعل ذلك. نشبت الحرب بين الكوريتين في 25 يوليو 1950. في الأول من يوليو 1997 تسلمت الصين هونغ كونغ من بريطانيا وعادت إلى الصين. في الأول من يوليو ينهي ياسر عرفات 27 عاما في المنفى ويعود إلى فلسطين. في الخامس من يوليو العام 1954 الـ «بي بي سي» تدشن أول برنامج إخباري متلفز. في الخامس من يوليو 1991 بنك الاعتماد والتجارة يغلق أبوابه في بريطانيا نتيجة تلاعبات مصرفية. في 17 يوليو 1979 تتسلم جبهة التحرير الوطنية في ساندونيستا الحكم بعد حكم الدكتاتور سموزا وعائلته لمدة 46 عاما. في 18 يوليو اكتشفت جثة خبير الأسلحة عن العراق في العراق ديفيد كلي. في 20 يوليو تركيا تجتاح قبرص العام 1974. في 20 يوليو هتلر ينجو من محاولة اغتيال العام 1944. في 20 يوليو العام 1960 بندرنايكا تدخل التاريخ كأول امرأة ترأس وزارة في العالم. في 21 يوليو 1969 أميركا تدخل التاريخ من جديد بوضع أول رجل على سطح معبود العشاق: القمر، بقيادة نيل أرمسترونغ. في 12 يوليو العام 2003 يقتل كل من عدي وقصي أبناء صدام حسين بعد معركة حامية الوطيس. في 22 يوليو ناجي سالم العلي فنان الكاريكاتير يقتل في شوارع لندن. في 23 يوليو العام 1974 يسقط الحكم العسكري في اليونان. في 25 يوليو العام 2000 طائرة من نوع كونكورد تتحطم بعد اقلاعها من مطار شارل ديغول. في 25 يوليو 1978 أول طفل أنابيب يعلن في مانشستر في بريطانيا. في 25 يوليو 1943 يتنازل موسليني عن السلطة في إيطاليا. في 26 تأمم مصر قناة السويس العام 1956. في 29 يوليو 1981 يتزوج الأمير تشالز الأميرة ديانا التي راحت ضحية مؤامرة تفتقد إلى الخيال والكمال والحكمة. في 30 يوليو 1966 تدخل بريطانيا مجددا التاريخ بفوزها بكأس العالم للمرة الأولى منذ بدايتها في العام 1930.

وكما تبين لنا بهذا السرد العشوائي فإننا الأمة العربية لم يكن لنا نصيب من هذه الفعاليات الإنسانية سوى في الثورة على النظم السياسية التي كانت قائمة آنذاك.

ها هو شهر يوليو يقارب على الانتهاء ولا نرى في مستقبل نهايته أي بارق أمل لثورة تعيد الإنسانية إلى صوابها الذي حادت عنه غير أننا نرى خيرا كثيرا اتيا من وراء الأفق

إقرأ أيضا لـ "أنور الحايكي"

العدد 691 - الثلثاء 27 يوليو 2004م الموافق 09 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً