العدد 726 - الثلثاء 31 أغسطس 2004م الموافق 15 رجب 1425هـ

دولة الإنسان والكفاءة والولاء الوطني

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

مشكلتي أني لا أحب أن أجامل ولا أحب أن يحجر على عقلي أحد، مهما كانت جمالية الشعار المرفوع وقدسيته وحُسن نواياه. بالأمس اتصل بي مثقف يريد أن يقنعني بضرورة وأهمية جمع التبرعات لإعادة إعمار النجف والفلوجة وما إلى ذلك. قلت له: يا سيدي الفاضل، أقدر نياتكم المخلصة، ولكن البحرين تغص بالفقراء، وإذا شئتم الدليل اطرقوا الصناديق الخيرية واسمعوا للحالات المؤلمة والموجعة التي تدمي القلب. أنا لا أفرض قناعتي على أحد ولكن من يتصل ويسألني عن حمى جمع التبرعات المتزايدة هذه الأيام ويأخذ برأيي، أقول له: «لك حق ولو كنت مكانك فلن أدفع فلساً واحداً». وبين يدي قائمة أسماء لعوائل ولجامعيين ينامون على «الحديدة»، أحد الأسماء لفتاة يتيمة تخرجت بامتياز ومن عائلة معدمة ومن سلالة رسول الله (ص)، وحصلت على قبول في جامعة بالإمارات لدراسة الطب وعندها فرصة للالتحاق أسبوع واحد فقط، لماذا لا نقوم بمساعدتها؟ ثانياً، إذا كانت الأموال بهذا المستوى من الزيادة فلنعقد لجنة شعبية تجمع أسماء الفقراء المحتاجين في البحرين لمساعدتهم وأسماء الشباب الجامعي لنقوم بإرسالهم إلى الخارج للتعلم. وللعلم، فإن هناك عوائل - بسبب الفقر - جُرّت إلى ما لا يحمد عقباه من ناحية أخلاقية، ولا أريد الدخول في التفاصيل، لأنها تدمي القلب.

أرجو ألا يزايد علينا أحد، فيقول: أنتم لا تحبون العراق أو فلسطين... هذا شيء والمنطق والواقعية والعقل شيء آخر. هذه القضايا في الدم والروح، ولكن هناك أولويات. هذا رأيي ولا أفرضه على أحد، ولكني مقتنع به، علماً بأن هناك تجاراً كويتيين وبحرينيين بإمكانهم أن يقوموا بهذه المسئولية، وخوفي أن تكون هناك ردة فعل من كثرة برامج التبرعات من قبل الناس، لأنه في العامين الماضيين أصبح جمع التبرعات للخارج صفة ملازمة وزادت بشكل متسارع، والغريب في الأمر أن الفقراء هم أكثر الناس تبرعاً، أما الميسورون فغالبيتهم «عمّك أصمخ». وأنا هنا أنصح البحرينيين بأن يقوموا بجمع تبرعات لإنشاء مصرف إسلامي أو مركز يدعم الجامعيين الفقراء وخصوصاً المتفوقين منهم، إذ ستكون الحال أفضل.

أما عن وزارة الداخلية وقرارها الذي يقضي بمنع أعضاء الجمعيات من الانضمام إلى شرطة المجتمع، فهو موقف غريب. ولكني أقول هنا للوزارة: هل تقبلين أن نقدم لك عشرات من المواطنين ولا ينتمون إلى أية جمعية سياسية، فهل ستقومين بتوظيفهم؟ ثقتنا في الوزير كبيرة، أولاً لأنه محسوب على الإصلاح، وثانياً لأفقه الرحب، وثالثاً لما صرّح به من تصريحات عبر الصحافة حال توليه الوزارة. نحن نشد على يديه ونقول - ونحن صادقون - إن أداء وزارته في يوم الاثنين عند انقطاع الكهرباء كان أداءً متميزاً تُشكر عليه وزارة الداخلية، وكل طموحنا أن يُوفق في ترسيخ شعاراته الوطنية، ولكن الأمل يحدونا باستبدال أطقم الوزارة بالبحرينيين، فلعل وزارة الداخلية البحرينية هي الوزارة التي تكاد تكون الوحيدة في العالم مليئة بالأجانب من إخوتنا الباكستانيين والهنود ومن إخوتنا الأعزاء من اليمن والأردن وسورية، وهذه السمة الفاقعة للداخلية، أعتقد أنها يجب أن تتغير وهي سمة يلحظها الأجنبي الزائر قبل الخليجي فضلاً عن البحريني. البعض يتحجج على عدم توظيف الطائفة الشيعية الكريمة في الداخلية وقوة الدفاع بالوضع السياسي السابق وبعض الحالي... ولكسر هذه الذريعة أنا مع إخوتي المتعاونين معي في دعم المشروع الإصلاحي على استعداد لإيصال قوائم من أسماء البحرينيين ممن شاركوا في التصويت على الميثاق وفي الانتخابات البرلمانية وغير داخلين في أي تكتل أو مؤسسة وعُرفوا بالتاريخ الوظيفي المستقر، فهل من شأن ذلك أن يؤهلهم لتقلد مناصب أو وظائف في الداخلية وقوة الدفاع؟... لا أطلق الكلام هكذا، عندي بعض القوائم فعلاً وسأقوم بجمع أسماء وأترك للوزارة حق السؤال عنهم، فهل تسقط هذه الذريعة؟...

أعتقد أن حجة عدم الثقة بُولغ فيها واستُغلت من قبل غالبية مسئولي الوزارات، فضلاً عن الوزارات الحساسة وخصوصاً إذا كان مدير التوظيف يحمل نزعة تكفيرية فلن يوظفك ولو كان بين يديك صك من الأنبياء. بعض الكتاب تذرّع بحوادث التسعينات، وأقول هنا كلمة: على رغم بعض الأخطاء التي حدثت في التسعينات، فإنه لولا حوادث التسعينات والنضال الشعبي لما بدأنا اليوم نتنفس الحرية ونرى اقتراباً من الديمقراطية، ولما كان هناك مجلس وطني ومجلس مناقصات واتحاد عمالي وجمعيات وحرية صحافة، و... نضال التسعينات سلسلة اقترنت بنضال الحركات الوطنية في الستينات والسبعينات... إلخ. أقول: إذا كانت حوادث التسعينات سبباً أيضاً وزادت المشكلة، فهناك جماعات كثيرة لم تتفاعل مع مطالب التسعينات، وعلى رغم ذلك ليس لها حظ لا في «الداخلية» ولا في «الدفاع»، ومازال مستوى الخدمات في مناطقها والبنية التحتية لشوارعها شبيه ببقية الأماكن.

إذاً، دعونا من كل ذلك ولنعمل لصالح البحرين، وأملي في الوزير الجديد أن يحقق ما طرح من طموحات، وأن يقوم بإحلال البحرنة بدلاً من «الأردنة» وغيرها. وهنا لابد أن أهمس في أذن السلطة بكلمة صدق من محبٍ لهذا الوطن: التهميش للقدرات سواء في مستوى التوظيف أو المناصب أو منح الدرجات والرتب والامتيازات الأخرى من منح وبعثات وفرص للتدريب بلغ في الوزارات بكاملها من دون استثناء مستوىً مخيفاً ومرعباً وبشكل لا يتقبل، وهو آخذ في الاتساع وبشكل صارخ وفاضح، وبدأ يأكل حتى الكبار والشخصيات المحسوبة على الوسطية والاعتدال، بل حتى بعض من حُسبوا على الجانب الرسمي، وتعوّد الجميع أن أرفق كل كلام بأرقام وشهادات ووثائق، وحبي للمملكة ولهذا الوطن يدفعني إلى المصارحة والبوح للسلطة بأن العملية في ازدياد وتفاقم، وكل يوم أرى حقائق وصوراً وأسماء لمتنفذين مازالوا يتفننون في إيذاء خلق الله من منطلق الانتماء الايديولوجي وخصوصاً إذا كان يحمل توجهاً تكفيرياً. وعندما أجلس مع بعض المسئولين، فإن كلاً منهم يلقي اللوم على الآخر، في الوقت الذي يقرون بذلك همساً.

أنا شخص أحترم الأرقام والوثائق، والأرقام تزيد ولا تقل، وهناك مسئولون من العيار الثقيل متورطون في ذلك، وخلال هذا الأسبوع فقط اطلعت على أمور يشيب منها الصغير تتعلق بوزارة الكهرباء، وقبل أشهر تتعلق بوزارة التربية، وقبلها بهيئتي التأمينات والتقاعد، وقبلها بالمالية والصحة والسجل السكاني والإحصاء والبلدية والنفط، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشركات الكبرى، وأنا الآن مازلت أجمع معلومات عن شركة كبرى، إضافة إلى ذلك هيئات ومؤسسات مصرفية. وأقول هنا كلمة: هل يعقل أن يتم كل هذا التمييز المرقّم والموثّق بالأدلة والأسماء والشهادات في كل هذه المؤسسات؟ هل يعقل أن يكون مصادفة؟ لا أريد أن أدخل في النيات، ولكن أقول: لابد أن يوضع حد لذلك، ونجاح الاسم يكون بترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص... أنا مازلت أطلق الصرخات، وأصرخ بأعلى الصوت: أكبر عقبة تواجه المستقبل هي التمييز الطائفي في التوظيف والامتيازات، فإذا لم يبدأ التغيير في ذلك وبخطوات قانونية جريئة يدعمها صوت وطنيين غيارى من كل الأطراف لا تهمهم التهم والمصالح الشخصية فلن يجدي شيء آخر، فلنبدأ بترسيخ نظرية المواطن الصالح أياً كان انتماؤه، ومن يكفّر إنساناً ويقصي إنساناً يُقصى غداً، ولنا عبرة مما يحدث في دول الجوار، وقديماً قيل: «الدنيا مو أم أحد».

فلنتعاون على الخير، ولنشرك أبناءنا في عملية الإصلاح والتنمية بلا تفريق، ولنرسخ ولاءنا وحبنا لتراب هذه الأرض، ولندعم جلالة الملك في مشروعه الإصلاحي، ليبقى علم البحرين خفاقاً، ولتحلق دولة الإنسان ودولة التعدد بعيداً عن الانتماء والعرق

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 726 - الثلثاء 31 أغسطس 2004م الموافق 15 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً