العدد 726 - الثلثاء 31 أغسطس 2004م الموافق 15 رجب 1425هـ

كارثة الاثنين الأسود...التخطيط وأشياء أخرى!

عبدالنبي سلمان comments [at] alwasatnews.com

حتى الآن لا ندري لماذا يرفض الكثير من المسئولين لدينا على المستوى الرسمي مجرد مناقشة فكرة التخطيط الاستراتيجي كأولوية على طريق بناء الدولة الحديثة، بل أن هؤلاء جميعهم تقريباً يسهبون كثيراً في إعطاء تبريرات لم تعد قادرة على الصمود في وجه معطيات ومتغيرات أوضاعنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. حقيقة نحن لا نفهم دوافع تلك الردود التي تردنا باستمرار من قبل أولئك المسئولين عندما تثار أهمية مسألة التخطيط وضرورة الأخذ بها كنهج في مسيرة عملنا التنموي بصورته الأشمل. وباعتقادي أن رفضنا لكل تلك الإجابات والردود الهاربة دائماً من واقعها سببه أن حجم تراكم المعضلات التنموية هو فعلاً إلى ازدياد، وسبل الحل المتاحة تكاد تكون معدومة أمامنا مع هكذا تفكير وهكذا توجهات وليس أمامنا سوى أن نستمر في المطالبة بالاستماع إلى الرأي الآخر ومراجعة السلبيات والبحث عن حلول إيجابية مازلنا ننتظرها في خضم كل تلك المعوقات التي نراها تتراكم أمام أعيننا يوماً بعد آخر ومازلنا نجهل كيفية الخروج منها وقد أصبحت ككرة الثلج والتي ينذر تدحرجها وتضخمها المستمران بدمار اجتماعي واقتصادي قادم لا محالة وعلينا تكمن مسئولية وقفه سريعاً.

إن الاعتراض الذي يبديه أولئك المسئولون في أجهزة الدولة مرده إلى فكرة خاطئة لا تمت إلى العلم بصلة بل هي نتاج عجز كثيراً ما توارى خلف مطامع فردية وفئوية لأوجه محددة من الفساد المستشري في أجهزتنا وإداراتنا، فالمسئولون لدينا يقولون إن التخطيط هو عامل مساعد على تفشي البيروقراطية والمركزية وهو نتاج فكر شمولي كما يرون وبالتالي لا حاجة لنا كدولة للأخذ به، متناسين بأن أكثر الدول رأسمالية والتي نتخذ منها انموذجاً هي قائمة بالأساس على مبادئ التخطيط الاستراتيجي في كل شيء، ولو تركنا الدول الكبرى فذلك يصح أيضاً على الكثير من الدول الصغرى والتي تتشابه معنا في مواردها وحجمها السكاني والجغرافي وتركيبتها السكانية، وهي أمثلة ناجحة وكثيرة ومنها القريب ومنها البعيد. من هنا فإننا قد نفهم أسباب عدم الأخذ بمبدأ التخطيط ولكننا حقيقة لا نفهم أسباب الاستمرار فيه على رغم ما يحيط بمشروعاتنا من تراجع على المستويين الاقتصادي والاجتماعي!

وهكذا يتبدى لنا أن المرور بمنعطفات وخسائر مادية وتنموية كبيرة لم يعد في حد ذاته كافياً لاقناع مسئولينا بالعودة إلى لغة العقل والبدء في تقبل النقد بصدور رحبة دون إلقاء التهم والتراجعات على أطراف أخرى بغرض الخروج من أزمة للتحضير لدخول أخرى وهكذا دواليك!

من هنا فإنه ليس جديداً أن تمر البحرين بكارثة وطنية واقتصادية حقيقية أخيراً كتلك التي حدثت في يوم «الاثنين الأسود» عندما انقطع التيار الكهربائي عن هذه الجزيرة الصغيرة بحجمها وبعدد سكانها الذين لا يتجاوزون النصف مليون وكأن لسان حالنا يقول ماذا نحن فاعلون إذاً مع حلول العام 2010 عندما يقترب سكان البحرين من المليون؟! وخصوصاً إذا سارت الأمور على الوتيرة ذاتها فنحن في البحرين كنا ومنذ السبعينات في وضع كهربائي ومائي حرج ومازلنا وسنبقى لفترة تبدو غير قصيرة، فالوزارة ليست بقادرة على إعطاء ضمانات حتى الآن بعدم تكرار ما حدث وربما أسوأ منه، وإجابات المسئولين التي أبدوها للرأي العام وللنواب غير مقنعة ولا تعتمد المفهوم العلمي حتى ان شركة «ألبا» رفضت منطق الحكومة الذي حاول إلقاء اللوم عليها جزافاً في الأزمة الأخيرة.

ليس معيباً أن تعترف الحكومة بوجود أخطاء وخلل ونواقص بدلاً من تصوير الأمور وكأنها في أحسن حال، فنحن في البحرين تعودنا على مقولة سنوية متكررة بأن الوضع الكهربائي والمائي مستتب ولا انقطاعات هذا الصيف، وأصبح علينا الآن الاستعداد لانقطاعات حتى في فصل الشتاء في ظل عدم وجود ضمانات وتنسيق بين الجهات المسئولة في الدولة وشركة «ألبا» كمنتجين للكهرباء والماء، وفي ظل عامل آخر لابد لنا من إثارته ألا وهو عدم دفع البحرين بمشروع الربط الكهربائي الخليجي الذي كثر الحديث بشأنه منذ أكثر من ثماني سنوات، فعلى رغم أن البحرين هي أكبر مستفيد من هذا المشروع وعلى رغم أن البحرين ترأس اللجنة المعنية بتسريع وإنجاز هذا المشروع الحيوي والذي سيوفر أموالاً طائلة للاقتصاد الوطني فلا محطات جديدة ولا صيانة ولا حتى مشروعات خصخصة ربما فلماذا يعاق مشروع الربط الكهربائي ولماذا لا نكون مبادرين على الأقل بدافع مصلحة وطنية بحتة ان لم تكن مصلحة جماعية... سؤال يحتاج إلى إجابة وليس إلى مانشيتات صحافية لا تستطيع أن تصمد طويلاً أمام الحقائق المعاشة على الأرض!

من هنا فإنني اعتقد جازماً أن وضعنا كدولة تنموياً على الأقل يمكن تشبيهه بمن يمر عبر حقل ألغام كثيراً ما تنفجر واحداً بعد الآخر مسببة ردود فعل وغضب وخسائر وكوارث وعلى أكثر من صعيد، وليس قطاع الكهرباء والماء فقط لوحده، فغياب التخطيط في مؤسساتنا الرسمية ومنشآتنا الحيوية صغيرها وكبيرها هي منهجية يجد الكثير من المسئولين لدينا أنها صائبة وهم بهذا لا يريدون أن يعترفوا بأخطائهم ويتمسكون بمنطق لا يتسق مع واقع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية القائمة والمنتظرة، كما أنه يرفض أن يعترف إلى أين وصلت الدول التي امتلكت رؤى حقيقية وتخطيطاً سليماً في الوقت الذي مازلنا نسجل تراجعات مخيفة متمسكين فقط بريادتنا التاريخية في حقول التعليم والنفط والمعرفة والتجارة والتصنيع والاقتصاد وكأن ذلك يكفي كي نبلغ المستقبل. ليس ذلك تحاملاً بل إنه نقد، كثيراً ما نتردد في الافصاح عنه، وإنني هنا أسجل أن مشكلتنا في قطاع الكهرباء والماء أو في إدارة الاقتصاد أو غيرها من المشكلات ليست بالضرورة مشكلة أفراد أو قيادات أو حتى كفاءات ربما، بل انها مشكلة مركبة ومعقدة وتحتاج إلى من يفك عقدها بإرادة وتجرد مسئولية وليس بنوايا وجبر خواطر، فمن غياب الأنظمة الإدارية الصارمة وغياب مبدأ المحاسبة وقضايا الافصاح والشفافية وغياب الحوافز ومبدأ الثواب والعقاب وانعدام الضوابط الإدارية والمالية وتفشي وجوه متعددة للفسادين الإداري والمالي وابعاد الكفاءات علاوة على وجود خلل هيكلي وتنظيمي في وزاراتنا وإداراتنا الرسمية، علاوة على غياب الدراسات والأرقام وربما التلاعب بها أحياناً كثيرة، فكل هذه المعوقات هي جزء من معضلة كبرى اسمها انعدام التخطيط الاستراتيجي على مستوى الدولة.

فمجلس النواب تقدم منذ أكثر من عام بمشروع اقتراح برغبة إلى السلطة التنفيذية بضرورة الاسراع في إنشاء جهاز أعلى للتخطيط تقدمت به كتلة النواب الديمقراطيين، وعلى رغم مساندة السواد الأعظم من النواب والكتل داخل المجلس وخارجه إلا أنه لايزال غائباً في أدراج الحكومة، بل أن المؤشرات المستوحاة من رغبة الحكومة الأولية ومن خلال ردود الوزير المسئول داخل جلسات المجلس لا تفصح عن رغبة في الرد الإيجابي، ولا نعلم إلى أي مدى سيستمر الفعل الرسمي رافضاً بل معانداً على رغم ما تكشف وما سيتكشف من حقائق ومن أخطاء... والسؤال هو إلى متى سيستمر الهروب الأزلي من مواجهة الحقيقة وترك المشكلات من دون حلول، بل وترك مسئولية التخطيط الاستراتيجي على مستوى الدولة لنوايا ورغبات المسئولين وإلى أين نحن سائرون يا ترى في ظل هذا التخبط الواضح والمكلف؟!

أسئلة لابد لنا من مواجهتها بإجابات وأفعال شافية وخطط وبرامج مدروسة تعتمد الأرقام والحقائق ولا تقبل الروغان والمداراة من قبل جميع من يعنيهم شأن هذه الأرض ومستقبلها وحتى لا يكون الوقت قد صار متأخراً ولكي لا نبقى في مؤخرة الركب بعد أن كنا الرواد على مستوى المنطقة.

الأمر إذاً يحتاج إلى فعل حقيقي وليس إلى نوايا وعناوين ومانشيتات صحافية لا تصمد في وجه الحقائق الموضوعية على الأرض!

عضو مجلس النواب

العدد 726 - الثلثاء 31 أغسطس 2004م الموافق 15 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً