العدد 728 - الخميس 02 سبتمبر 2004م الموافق 17 رجب 1425هـ

نظرة على الدور الأميركي في العالم الإسلامي

محمد علي رضي comments [at] alwasatnews.com

الولايات المتحدة الاميركية دولة كبرى، أصبحت متفردة بالقرار العالمي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ولسياستها العالمية تأثير كبير ومباشر على منطقتنا العربية وعالمنا الاسلامي، بدءاً من القضية المحورية للمسلمين (فلسطين) وانتهاءً بقضايا أفغانستان والعراق ويوغسلافيا السابقة والخليج. فما هذه السياسة التي باتت تضغط على العالمين العربي والاسلامي؟

السياسة الأميركية والعقدة الفلسطينية

كل ما تقوم به «إسرائيل» في فلسطين من قتل وتنكيل وسجن وتعذيب وهدم للمنازل وتخريب للبنى التحتية وتجريف للأراضي تكون الولايات المتحدة شريكة فيه. بل إن الولايات المتحدة هي الأولى و«إسرائيل» هي الثانية، لأن الولايات المتحدة هي المساهم الأول في إنشائها، وهي التي تمدها بالأموال الطائلة وتزودها بالأسلحة وتقدم إليها الدعم السياسي والإعلامي الكبير وتدافع عنها وتبرر جرائمها في المحافل الدولية.

ولهذا صار الرأي العام العربي والإسلامي ضد الولايات المتحدة رافضاً سياستها، مشككاً في نواياها، متوجساً من كل خطواتها، يستحضر دائماً دورها البغيض في القضية الفلسطينية وانحيازها التام لـ «إسرائيل» في كل عمل تمارسه وفي كل دور تلعبه في قضايا العرب والمسلمين، حتى وإن كان ذلك الدور مفيداً وضرورياً كما حصل بتدخلها في يوغسلافيا لحل مشكلة البوسنة والهرسك.

دورها في المشكلة اليوغسلافية

جمهورية يوغسلافيا وحّدها الزعيم جوزيب بروز تيتو تحت راية الشيوعية على رغم التركيبية السكانية المختلفة فيها. فهي مقسمة عرقياً إلى صرب وكروات وألبان، ومقسمة دينيا إلى مسيحيين أرثودوكس ومسيحيين كاثوليك ومسلمين. وبعد موت تيتو بدأت الصراعات العرقية والدينية تظهر وخصوصاً عندما تولى رئاسة الدولة سلوبودان ميلوسوفيش الذي لم يكن حكيما في جمع فئات الشعب، بل أخذ يستقوى ببعض فئاته على الأخرى، مقرباً إليه الصرب وأغدق عليهم الأموال وسلحهم فكونوا ميليشيات تهاجم مناطق الكروات حيناً ومناطق المسلمين حيناً آخر. والدولة بقيادة ميلوسوفيش كانت توفر لهم الدعم المادي والمعنوي.

وانصب بطش الصرب على المسلمين أكثر من غيرهم فحاصروا مدنهم مثل سراييفو وسربينجا وماليالوكا، واجتاحوها واذاقوا أهلها العذاب ومارسوا ضدهم التطهير العرقي، ففرّ منهم من فرّ، والذين وقعوا في الأسر ساقوهم إلى المعتقلات وأذاقوهم ما لا يوصف من التعذيب والتجويع والقتل وكانوا يتلذذون بذبحهم وقطع رؤوسهم واللعب بها في مسابقات بينهم وفعلوا بنسائهم ما يندى له الجبين، من قتل واغتصاب فكانوا يعرون النساء ويتناوبون الاعتداء على أعراضهن كل ذلك يحصل بمرأى ومسمع من الدول المجاورة والبعيدة.

ولم ينقذهم من هذه المصائب والفواجع إلاّ تدخل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي هاجمت العاصمة اليوغسلافية بلغراد بالصورايخ والطائرات وألقت عليها أطنان القنابل والرئيس اليوغسلافي ميلوسوفيش ثابت في موقف العدواني تدعمه وتؤيده روسيا واليونان ودول أخرى كانت تقترح دائماً على المسلمين السعي إلى الحل السلمي والتفاوض مع الحكومة المركزية ولا تطلب شيئا من ميلوسوفيش حتى انتهى الأمر به وبالحكومة اليوغسلافية إلى الهزيمة العسكرية والاختفاء مع أركان نظامه وضباطه، إلى أن ألقي القبض عليهم وهم الآن يحاكمون في المحاكم الدولية.

فهل يلام مسلمو ذلك البلد إذا رحبوا بأميركا أو غيرها كي تخلصهم مما هم فيه من ذل وهوان وعذاب؟ أليس الصحيح أن يوجه اللوم والاستنكار إلى ميلوسوفيش وأركان نظامه الطغاة؟ وليت الذين لاموا مسلمي ذلك البلد على ترحيبهم بأميركا جاءوا بحل لتلك المعضلة أم ان واجبهم ينحصر فقط في التحذير من أميركا ونواياها السيئة وأهدافها الاستعمارية مستحضرين موقفها الظالم من القضية الفلسطينية.

لقد انتهى الأمر بيوغسلافيا إلى التقسيم، وهو أهون الشرين بالنسبة إلى المسلمين. فهم الآن يعيشون في أمان بعد الخوف والجور والاعتداء على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم، ولديهم رئيس جمهورية منتخب وبرلمان منتخب وما كان ذلك ليحصل لولا تدخل أميركا والدول الغربية الأخرى.

وبما أن ذلك البلد المسلم (البوسنة والهرسك) الواقع في أوروبا فقير وبناه التحتية مخربة بسبب الحرب، فواجب المسلمين وخصوصاً الدول الغنية أن يمدوا لها يد العون والمساعدات كي يعيش أهلها في كرامة ويحافظوا على هويتهم الإسلامية فذلك خير من صرف الأموال الطائلة على الجمعيات الإسلامية المتطرفة التي دخلت في حروب ومواجهات مع العالم كله وأدخلت معها المسلمين في تلك الحروب والمواجهات.

دورها في المشكلة الأفغانية

كانت أفغانستان مملكة تحت حكم الملك محمد ظاهر شاه حتى العام 1973م عندما أزاحه عن الحكم قائد جيشه محمد داوود وأقام حكومة عسكرية. ومنذ ذلك الحين لم تذق أفغانستان طعم الاستقرار وتوالت عليها الأحزاب ذات الاتجاهات المختلفة، ولم يتمكن أي حزب من السيطرة التامة على كل أفغانستان. وأهم التيارات التي وجدت على الساحة الأفغانية في تلك الفترة هي التيارات الإسلامية المدعومة من باكستان ودول الخليج العربية والولايات المتحدة الأميركية، وأهم رموزها برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار وأحمد شاه مسعود وصبغة الله مجددي وعبدالرشيد دوستم والسيدأحمد جيلاني؛ والتيارات اليسارية المدعومة من الهند والاتحاد السوفياتي وأهم رموزها نور الدين تراقي وحفيظ الله أمين وبابراك كارمل، الذي أتى به الاتحاد السوفياتي ونصبه حاكما في كابل.

أما أهم العرقيات في أفغانستان فهي البوشتون والطاجيك والهزارا والاوزبك. ولقد استمرت المواجهات المسلحة بين التيارات الإسلامية واليسارية لفترة طويلة قتل فيها خلق كثير من الطرفين، ودمرت البني التحتية لأفغانستان. وفي تلك الفترة توافد المتطوعون المسلمون من مختلف البلدان الإسلامية على أفغانستان وخصوصاً من الدول العربية ليقاتلوا أعداء الدين من الشيوعيين كما كانوا يصفونهم وقتها. وفي فبراير/ شباط 1990 انسحبت القوات السوفياتية من أفغانستان وأصبحت السيطرة للتيارات الإسلامية.

وتشكلت في كابل حكومة مؤقتة برئاسة برهان الدين رباني كي تهيئ لانتخاب حكومة دائمة، ولكن تلك الحكومة المؤقتة لم تدم طويلاً حتى ظهرت الاختلافات بين تياراتها على اقتسام المناصب وانشق عليهم قلب الدين حكمتيار فعادوا للاقتتال فيما بينهم. وفجأة ظهرت حركة طالبان، وهم مجموعة من الطلاب الأفغان الذين يتلقون العلوم الدينية في معاهد باكستان، وقد توفرت لهم أسباب القوة والغلبة بما تلقوه من مساعدات ودعم غير محدود.

فقد قدمت إليهم باكستان التدريب العسكري والخدمات اللوجستية والاسخباراتية والمشورات العسكرية وأحيانا تتدخل لصالحهم لحسم المعارك ضد خصومهم إذا تطلب الأمر. وقد قدمت إليهم بعض دول الخليج الأموال الطائلة والتغطية الإعلامية لفعالياتهم فيما قدمت إليهم الولايات المتحدة الدعم السياسي والأسلحة. وبهذه الإمكانات الكبيرة انطلقوا من الحدود الباكستانية متجهين شمالاً لاحتلال المناطق والمدن الأفغانية واحدة تلو الأخرى، حتى وصلوا العاصمة كابل وطوقوها، ثم هاجموها واحتلوها وأعلنوا فيها دولتهم الدينية بقيادة الملا محمد عمر، وفر منها برهان الدين رباني وأعضاء حكومته. وبعد سيطرتهم التامة على كابل اتجهوا نحو الشمال والشرق وبسطوا سيطرتهم على معظم أقاليم أفغانستان، ولم يتوقف زحفهم إلا عند إقليم بانجير إذ تصدى لهم الجنرال أحمد شاه مسعود وقواته.

وأقامت طالبان في المناطق الأفغانية التي سيطرت عليها حكما دينيا وطبقت فيها الشريعة الإسلامية بحسب رؤية زعمائها الدينيين للإسلام، ومن أولئك الزعماء الملا محمد عمر والشيخ العربي المصري أيمن الظواهري والشيخ العربي السعودي أسامة بن لادن الذي ذهب متطوعا إلى أفغانستان ليقاتل الشيوعيين وكون تنظيم القاعدة الذي دخل في حلف مع طالبان لمحاربة أعداء المسلمين في جميع أنحاء العالم. ولم يعترف بحكومة طالبان غير ثلاث دول هي باكستان والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة.

واستمر ذلك الحلف بين منظمة طالبان وتنظيم القاعدة في محاربة قوات التحالف الشمالي وفي تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية كما يراها زعماؤها الدينيون، وهي رؤية تختلف كثيرا عما يراه عامة المسلمين وخصوصاً فيما يتعلق بشئون المرأة والفنون والرياضة البدنية والتعامل مع أهل الديانات والطوائف الإسلامية الأخرى، فقد كانت لهم نظرة متطرفة أعادت أفغانستان إلى الوراء. وعلى رغم ذلك لم يتوقف الدعم عنهم والمساعدات لهم من الجهات التي تمولهم حتى وقعت حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة. واكتشفت حكومة بوش أن تنظيم القاعدة الذي يتزعمه الشيخ أسامة بن لادن هو وراء تلك الحوادث المفجعة التي حلت بأميركا، ومنذ ذلك الحين وضعت طالبان والقاعدة في مقدمة المنظمات الإرهابية وشنت عليها الحرب وحشدت قواتها على حدود أفغانستان وهاجمتها بالصواريخ ثم بالطائرات وألقت عليها أطنان القنابل وألحقت الهزيمة بطالبان وحليفتها القاعدة.

وبدأ عناصرها ينسحبون من المدن ويلجأون إلى المناطق الجبلية الوعرة، وكلما انسحبت طالبان من مدينة احتلها تحالف الشمال حتى وصلت قواتهم كابل وطوقتها ثم احتلتها. وفي النهاية شكل التحالف الشمالي في كابل حكومة مؤقتة برئاسة حامد قرضاي الذي أعادته أميركا من المنفى. واعتبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأفغان تلك العملية الكبيرة التي أزاحت طالبان عملية تحرير لأفغانستان من حكم طالبان الرجعي بحسب وصفهم. ولكن الكثير من المسلمين وخصوصاً العرب لا يرون تلك العملية تحريراً بل يرونها احتلالاً يجب مقاومته ويعتبرون حلفاءه خونة وفي مقدمتهم قرضاي وأعضاء حكومته.

وهنا يطرح سؤال: هل يرى أولئك حكام طالبان الذي مر وصفه حكماً صالحاً؟ وإذا كانوا لا يرونه كذلك فهل يرون إسقاطه والتخلص منه ممكناً من دون تدخل دولة قوية مثل أميركا؟ أم ان واجبهم ينحصر فقط في التحذير من أميركا ونواياها السيئة وأهدافها الاستعمارية مستحضرين مواقفها من القضية الفلسطينية؟ وهل توافقهم الشرائح الأفغانية التي عانت الذل والهوان تحت حكم طالبان مثل شريحة النساء اللواتي أجبرن على البقاء في المنازل ومنعهن من العمل ومن دراسة العلوم الحديثة وقهرهن على لبس والاخمرة الكثيفة وضربهن بالسياط أمام الناس إذا بدا من أجسامهن ولو شيء يسير. وكذلك شريحة الشباب الذين فرض عليهم إطلاق اللحى ومنعوا من ممارسة أكثر الأعمال الفنية والرياضية. وتعرض للعقاب الشديد كل من خالف منهم ولو شيئاً يسيراً من هذه القوانين.

أما غير المسلمين مثل الهندوس والكتابيين فقد اعتدى عناصر طالبان على معابدهم وخربوها وأهانوها، وأما المسلمون الشيعة فقد اعتبروهم كفارا وفقا لفتاوى بعض زعماء طالبان الدينيين، واستحلوا دماءهم وسلبوا أموالهم وأملاكهم وسبوا نساءهم، فهل يرجى من هذه الشرائح أن تقف ضد أميركا أوغيرها إذا قامت بتخليصهم من حكم طالبان؟

كاتب بحريني

العدد 728 - الخميس 02 سبتمبر 2004م الموافق 17 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً