العدد 733 - الثلثاء 07 سبتمبر 2004م الموافق 22 رجب 1425هـ

من دروس التاريخ... عبدالرحمن الباكر وحاضرنا اليوم

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

عبدالرحمن الباكر، أحد الرموز الأعلام في بلادنا، وأحد مؤسسي هيئة الاتحاد الوطني وأمين سرها. ولابد من المرور على مقتطفات من سيرته، وبما أن الباكر كتب ملاحظاته الشخصية، فالتاريخ لا يكتب للتسلية بل للعبرة واستخلاص الدروس. والمبادئ التي رفرفت على تلك الحقبة المنصرمة من تاريخ البحرين والمنطقة من مختلف النواحي يجب إدراكها لتوجيه بوصلة العمل السياسي وما يتوافق مع أرقى المبادئ والقيم والتطلعات، واستخلاص الدروس والعبر، ومعرفة المنعطفات التاريخية في حياة شعب البحرين، وكيف كابد وعانى الرعيل الأول ومن سبقهم ومن لحقهم من مشكلات وإرهاصات ظلت قائمة وباقية لحقب كثيرة، لا يعلم إلا الله متى تنجلي تلك الظُلم عن هذه الجزيرة وبقية الأقطار العربية والإسلامية.

يرى عبدالرحمن الباكر، وكما يذكر في كتابه الموسوم «من البحرين إلى المنفى - سانت هيلانه»، أن ما كتبه ودونه يمثل «قصة شعب عربي أصيل يصارع الظلم والاستبداد ومنذ اقدم الحقب ومازال يصارعها حتى يصرعها ويخرج منتصراً بإذن الله. ولا ريب أن شعبنا العربي في البحرين سينال الظفر بإذن الله».

ويذكر الباكر زملاءه «الذين شاركوني الأسر في النضال وهما المناضلان عبدالعزيز الشملان والحاج عبدعلي العليوات»، وكذلك يذكر بإجلال إبراهيم فخرو والمرحوم إبراهيم الموسى «حملهما الأمانة بكل نزاهة واخلاص وتضحية. فلهما الأجر والثواب... والاخوة الذين ناضلوا معي ونالهم شرف السجن والإبعاد كما نالني، فمنهم من لايزال يصول ويجول على طريقته الخاصة ومنهم من ينتظر... ومنهم من قضى نحبه وقد رضي الله عنهم ورضوا عنه».

ويتطرق إلى ما قام به المستعمر ومن مشى في ركابه، بعد قضائهم على هيئة الاتحاد الوطني، ويلاحظ القارئ في السطور التالية للباكر، كيف كانت الأوضاع البوليسية في ذلك الوقت الغابر، إذ يصف الباكر الواقع بكلمات لا تعبر فقط عن تلك المرحلة النضالية في مسيرة شعب البحرين بل تتعداها إلى حقب ومراحل لاحقة بقوله: «... إعلان حال الطوارئ وتكميم الأفواه وملء المعتقلات بالأبرياء، وامتلأت البلاد بالجواسيس والمخبرين وأوقعوا الرعب في المواطنين حتى أخذ الشخص يستريب من أخيه وابنه خشية الوشاية به. وأخذ الناس لا يتحدثون إلا همساً حتى في شئونهم الخاصة، واضطروا أن يتزلفوا للكبير والصغير من ذوي النفوذ حتى ولو كان شخصاً تافهاً لكنه من أذناب ذوي النفوذ والسلطان».

ويسطر الباكر موقف قطاعات كبيرة من الطائفتين في البلاد، إذ يقول: «كانت فتنة محرم 1952م... وتمت بإيعاز من بلكريف حسب المخطط الذي رسمه الإنجليز». ويضيف: «من المؤسف أنه انساق وراء تلك الفتنة العمياء كثيرون من الشباب نسوا واجبهم الوطني وتخلوا عن مبادئهم انسياقاً وراء العاطفة الهوجاء...، وقد أسفت غاية الأسف حينما علمت بأن منهم من كان يدعي أنه فوق الطائفية والإقليمية وقد انجرف وراء هذا التيار وحمل راية التعصب الأعمى وتطورت الحال إلى أن تحولت إلى إقليمية ضيقة، محرقي، ومنامي، وكانت ضربة قوية وجهت إلى الشباب الذي كان يعمل دائماً لخنق هذه النزعة البغيضة في مهدها، وكان الذي بنيناه طيلة أربعة أعوام من جهد مضن وسهر وعرق ذهب هدراً تحت وطأة التعصب الطائفي الأعمى». إلى هنا نقف، ومن يريد المزيد عليه قراءة ص 49 والصفحات التالية من كتاب الباكر السابق ذكره.

ويتحدث الباكر عن الطبقة النفعية وحقيقة أمرها «حينما وقفت منحازة مع المستعمر والحكم ضد الشعب الثائر وأخذت تكيد وتدس الدسائس له لإحباط ثورته العارمة».

ليس غريباً أن يتحدث رجل مثل الباكر بهذه الرؤية وذلك الوصف الذي ليس وصفاً لحاضر عايشه هو بقدر ما هو وصف وتحليل لكثير من المواقف والمواقع في إطارنا المحلي والإقليمي، فالكثير من المواقف تتكرر في عدة مواقع اليوم، وانطلاقاً من البحرين إلى القطر العراقي الشقيق، فإن الطائفية والمناطقية هي ذاتها لم تتغير، والخضوع للاحتلال البريطاني في ذلك الوقت في البحرين هو ذاته الخضوع للاحتلال الأميركي في العراق، وليس في ذلك تبسيط أو تسطيح لفهم الواقع بتعقيداته، إذ تعريف الاحتلال لم يختلف وقيم المقاومة والصمود في مواجهته لم يختلف حولها أو عليها، فالمعادلة هي وقوف الشرفاء والمناضلين في خندق مواجهة الاحتلال وأذنابه، وفي الطرف الثاني من المعادلة مباركة الاحتلال والعمالة له ومباركة أعمال القتل والقصف بالطائرات. وزاد في عداد المباركين للاحتلال رفرفة «بعض الرايات الحمراء» فرحاً وطرباً ودعاية للاحتلال والعماله له!

هذا الوطن، البحرين، الذي ما كاد يلملم جراحات قرن مضى، حتى خرج علينا بعض المهرجين العازفين على وتر المناطقية، والطائفيون الذين يختزلون الوطن بأطيافه في طائفتهم، والمنبطحون المتزلفون الذين لم يكتفوا بانسلاخهم من أسمى عناصر الروح الوطنية الجامعة حتى راحوا يرفرفون الأعلام الحمراء فوق رؤوس الأميركان!

وحاملو بيرق الفرقة الأخيرة «أصحاب النخبوية ودعاة الانتلجنسيا» وبلاغات «قلنا» و«حذرنا مراراً» و«نحن» وما إلى ذلك من كلمات الأنا المفرطة، والذين لا يكفون عن تلقيننا دروس الباكر التي لا يفقهون منها حرفاً ولا يقيمون لها وزناً بين ظهرانيهم، بل ويستشهدون بالباكر وبمبادئه وهم أبعد ما يكونون عن قيم الباكر ومبادئه، فلم يدعُ الباكر للطائفية بل حاربها وكافحها، ولم يدعُ الباكر للمناطقية بل سعى للتجمع تحت راية الوطن، ولم يدعُ الباكر للانبطاح للاحتلال الإنجليزي بل دعا إلى مقاومته بشتى السبل ومختلف الوسائل. فهل بعد ذلك يبقى هذا الإنسان سعيداً أم تعيساً بما يحمل من أفكار ومبادئ ويراوغ الناس بها، وواقعه أبعد ما يكون عنها؟!

هذه بعض من دروس عبدالرحمن الباكر وصحبه الكرام، فإلى جنة الخلد ونعيماً لا يفنى... يا من أفنيتم أعماركم وزهرة شبابكم في سبيل نصرة قضايا الوطن وسيادة مبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 733 - الثلثاء 07 سبتمبر 2004م الموافق 22 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً