العدد 707 - الخميس 12 أغسطس 2004م الموافق 25 جمادى الآخرة 1425هـ

الجمعيات وإبداعات الفقراء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحدثت مع أحد المختصين من العاملين بالقطاع التجاري، عن النظرة المستقبلية للعمل الخيري في البلد، وإلى أين سيقود. وتناولنا في هذا الإطار موضوع الاتحاد العام للصناديق الخيرية، وما يعلق عليه من آمال. البعض ينظر إليه من حيث المردود السريع على تقديم المساعدات الكبيرة التي تعجز عنها صناديق المناطق بصورة منفردة، فهو بهذا التصور سيكون بمثابة «الصندوق المركزي»، الذي ينتظر منه سد النواقص والعجوزات.

صاحبنا التاجر انتقد هذه النظرة ورآها خطأ استراتيجياً كبيراً ستقع فيه الصناديق الخيرية إذا ابتدأت بهذه الصورة. ورؤيته هي أن «اتحاد الصناديق» سيكرّر عمل الصناديق منفردة، فهو لن يكون أكثر من جامعٍ للمال في سلة كبيرة واحدة، بدلاً من السلال الصغيرة، بعدها سيقوم بتوزيعها، على مستوى البحرين بدلاً من أن يوزّعها كل صندوق على أهالي منطقته. أي اننا لن نتقدم خطوة إلى الأمام، و«مكانك سر» أيها العمل الخيري.

سألت صاحبي: وما هو الحل أو البديل؟ فأجاب: المطلوب من المتصدّين للعمل الخيري على مستوى «الاتحاد العام للصناديق»، أن يفكّروا بطريقة غير تقليدية، وبدلاً من الاقتصار على عملية «الجمع والتوزيع»، عليهم أن يمدّوا بأبصارهم إلى مسألة أهم وأكبر وأبعد نظراً وأكثر ثماراً، فليفكروا في مسألة الاستثمار البعيد. فالمال مهما جمعته فإن له موارد تمتصه على الدوام، فالحاجات كثيرة وستكثر مع السنين، والعوائل الفقيرة شريحة آخذة بالتوسع والامتداد، مع سريان موضة «الخصخصة» وما ستلقي به من أمواجٍ جديدةٍ على رصيف البطالة، فضلاً عن ثمار «التجنيس» المرتقبة في الآجل، وقصور سياسات التوظيف والتعليم عن مواكبة حاجات المجتمع، وفشل سياسات البحرنة. فلابد من التفكير بطريقة «تجارية»، أقرب للاستثمار للمستقبل ولو جزئياً، بدلاً من الغرق كلياً في هموم ومشروعات الحاضر. مع الأخذ في الاعتبار ان أي مشروع تجاري لكي ينهض على رجليه يحتاج إلى فترة من التأسيس، والمشروعات بعيدة المدى المرتجاة هنا، قد لا تحقق الربحية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات من ضخ المال، بعدها يبدأ المشروع بالربح كما هو معروف.

قلت: الصناديق حالياً كالمواطن محدود الدخل، كل ما يحصل عليه ينفقه على عياله، فـ «من جيبك إلى فمك»، فكيف تطالبها بالتفكير في الاستثمار؟

أجاب: الفقير أمام خيارين، أما أن يستمر على المنوال القديم و«مكانك سر»، وأما ان يفكر في توفير ولو شيء يسير للمستقبل. الفقراء أنفسهم مبدعون، ألا ترى «جمعيات التوفير»، انها أذكى خطوة قام بها الفقراء للتغلب على «أزمة الديون»، التي كبّلت الكثير من دول العالم في شرق الأرض وغربها. عبقرية الفقراء في بلادنا لم تخذلهم، فهل تخذل صناديقهم الوسائل لتوفير شيء يسير من المدخول من أجل استثماره في مشروعات بعيدة الأجل؟ هذا هو الحل، وإلا إذا استمر التفكير على طريقة السلة الكبيرة فلن يحقق الاتحاد النجاح المرغوب.

نطرح هذه المسألة للتداول لكل المهتمين والعاملين في قطاع العمل الأهلي الخيري، آملين أن نوفق «كل جمعة» في طرح ما يهم مستقبل الفقراء والطبقة المستضعفة في هذا البلد، فإذا لم تفلح السياسة في تحقيق نجاحات على مستوى الحاضر فليبادر اصحاب الهمّ العام في إصلاح ما يقدرون على إصلاحه، فالحياة ليست سياسة فقط

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 707 - الخميس 12 أغسطس 2004م الموافق 25 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً