العدد 716 - السبت 21 أغسطس 2004م الموافق 05 رجب 1425هـ

غموض الرؤية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت أزمة النجف تنتهي إلى غموض. وعدم وضوح «الحل النهائي» يشير إلى مأزق تعاني منه مختلف الأطراف المشاركة في صنع مشكلة كان بالإمكان تجنبها.

لاشك في أن الاحتلال يتحمل المسئولية الأولى في دفع مختلف الأطراف نحو مأزق من الصعب الخروج منه من دون كارثة. فالاحتلال هو المستفيد من كل كارثة تحل بالعراق، لأن المزيد من الخراب والدمار يبرر إلى حد بعيد ضرورة وجوده واستمراره في بلاد الرافدين. بينما اتفاق الأطراف ووحدتها وتناصرها على ضرورة طرد الاحتلال واستعادة السيادة والاستقلال يقلل الحاجة إلى قوة خارجية ترعى التسوية أو تضبط الأمن.

في هذا المعنى، الاحتلال الأميركي في العراق يحتاج دائماً إلى قوة غاشمة يستند إليها لتمرير سياساته. وهذه القوة الغاشمة لا يستقيم وضعها من دون اختراع قوى غير عاقلة تضرب يمنة ويسرة من دون وعي ولا إدراك بهدف الاساءة إلى المقاومة العراقية ومنع امتدادها الشعبي وعزلها عن الناس ورفع الغطاء الدولي عنها.

وهذا ما نجح الاحتلال في اصطناعه خلال الشهور الماضية. فمن جهة تشكلت في بغداد حكومة معينة من نخبة مختارة تتميز بالتعجرف والاستعلاء والتعاطي مع مشكلات الناس بأسلوب يسيطر عليه الغلو والتعالي على الحركات الشعبية والاستخفاف بها والتكبر عليها. ومن جهة أخرى استخدمت قوات الاحتلال تلك الحركات «المجهولة» التي تباهت بخطف الرهائن وقطع رؤوس بعضها والافراج عن بعضها الآخر مقابل «حفنة من الدولارات»، لتشويه سمعة المقاومة وعزلها دولياً ومحلياً باظهارها أنها مجرد مجموعات من المرتزقة هدفها ليس الحرية بل المال.

لعبت القوة الغاشمة إلى جانب قوة لا واعية سلسلة أدوار، قد تكون مدروسة ومرتبة، أعطت الذرائع وسدت المنافذ على الاعتراضات الدولية والعربية والعراقية على خطورة الاحتلال وتهديده أمن المنطقة. فالاحتلال بعد أن قام بمسرحية الانسحاب (إعادة الانتشار) وتغيير اسم قواته من «التحالف» إلى «المتعددة الجنسية» مستخدماً بعض قرارات دولية مبهمة، نجح في الحد من الضغوط عليه وأعطى صفات رسمية لدوره الذي لم يتبدل أصلاً وهو تشريع وجوده وتحويله من مؤقت إلى دائم... وأخيراً إعادة استخدامه لابتزاز المنطقة وتهديد أمن الدول المجاورة للعراق.

حتى الآن لا يعرف مثلاً ماذا تريد القوات الأميركية من احتلال العراق. الكل يعلم ما هي الأسباب وما هي الأهداف القريبة والبعيدة، لكن واشنطن مصرة حتى الآن على إطلاق تصريحات متعارضة لتغطية وجودها وإخفاء الدوافع الحقيقية التي تحكمت في قرار الحرب ثم في تبرير الحرب وأخيراً في تبرير استمرار احتلالها على رغم انتهاء الأهداف المعلنة من وراء اندلاعها. فهل الحرب من أجل أسلحة الدمار الشامل؟ أم وقعت بهدف إسقاط صدام حسين؟ أم جاءت إلى بلاد الرافدين من أجل الديمقراطية و«النموذج الجديد»؟ فهذه الأسئلة تحولت إلى أجوبة بعد أن احتلت واشنطن بغداد واسقطت صدام ولم تعثر على أسلحة الدمار... إلى آخر السمفونية.

بقي «النموذج». وهذا النموذج كما يبدو لن تنتهي واشنطن منه قبل معرفة نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. فإذا سقط جورج بوش فإن إدارته وعدت بإجراء انتخابات في يناير/ كانون الثاني 2005. وإذا جدد لبوش فمعنى ذلك أن إدارته نالت موافقة الناخب الأميركي على استراتيجية «الحروب الدائمة» وتكتيكات «الضربات الاستباقية». وهذا يعني البقاء في العراق والبناء على الاحتلال لتطوير الهجوم على الدول المجاورة.

كل هذه الأمور توضح الالتباسات الحاصلة الآن في العراق. فالإدارة الأميركية تريد من المماطلة كسب الوقت وجرجرة الأطراف المحلية إلى مواجهات متنقلة تنتهي إلى حلول غامضة - كما حصل في النجف - تعطل الرؤية وتزيد من الغشاوة.

عدم الوضوح هو سياسة يقصد منها ضرب الأطراف ببعضها بعضاً وإضعافها جميعاً وزيادة الشكوك وبحيرات الدم بين أبناء المجتمع الواحد حتى تتعمق الجروح والكراهية وتصبح مختلف القوى غير قادرة على النهوض والاستقطاب وإعادة تشكيل نواة جديدة لدولة متسامحة وعادلة تمثل كل أهل العراق.

نهاية أزمة النجف إلى غموض في الحل النهائي يؤسس توازنات تحافظ في النهاية على توازن القوى وتبرر لاحقاً وجود الاحتلال وحاجة الحكومة إليه من الآن إلى وقت تقرر موعده واشنطن... وليس بغداد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 716 - السبت 21 أغسطس 2004م الموافق 05 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً