العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ

عودة السيستاني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عودة المرجع الديني السيدعلي السيستاني إلى العراق كانت ضرورية، وذلك لأسباب عدة منها أن موقع السيستاني هو النجف وليس لندن، وأن ذهابه إلى بريطانيا طرح مجموعة أسئلة أثارت الشكوك في توقيت موعد مغادرته النجف في فترة حرجة وحساسة تنذر بحصول كارثة سياسية في حال نفذت القوات الأميركية تهديداتها واقتحمت الصحن الحيدري.

عودة السيستاني إلى العراق كانت ضرورية لأنها على الأقل قللت من تلك الشكوك التي أثيرت بشأن مغادرته وطُرحت على الرأي العام بصيغة أسئلة. هل يعاني السيد من أزمة قلبية أم من أزمة سياسية؟ من نصحه بالمغادرة في هذا الظرف، وهل الناصح أراد الاساءة لسمعة السيد وهيبته ووقاره أم هو فعلاً أراد حمايته من السوء؟ وماذا سيفعل السيد في حال نجحت قوات الاحتلال في اقتحام الصحن الحيدري وقتلت وحرقت ونهبت؟ وماذا سيقول للناس، وكيف سيتصرف حيال كارثة لا يعلم إلا الله مدى تفاعلاتها وتداعياتها؟

كل هذه الأسئلة طُرحت حين غادر السيد موقعه في النجف وطوقت بعد ساعات قوات الاحتلال المدينة وأخذت تدكها بالقنابل والصواريخ بذريعة سحب السلاح من ميليشيات حركة مقتدى الصدر.

كانت التوقعات تشير آنذاك إلى أن العملية الأميركية في النجف لن تطول، وخلال ثلاثة أيام ستنهي قوات الاحتلال حال «التمرد» الموجودة في المدينة مستفيدة من الفوضى الأمنية والانقسام الحاصل في البيت الشيعي.

إلا أن تلك التوقعات خابت. والأيام الثلاثة طالت وزادت على الأسابيع الثلاثة، ولاتزال القوات الأميركية تهدد يومياً باقتحام الصحن الحيدري بمعونة محلية قوامها «الحرس الوطني» وبعض التشكيلات العراقية المجهزة للعب مثل هذا الدور في الحالات الطارئة.

لم يحصل الاقتحام. وكانت القوات الأميركية تتقدم يوماً وتتراجع في يوم آخر. وتبين لاحقاً ان القوات العراقية المختارة لتقوم بدور التغطية والحماية والمساندة للجيش الأميركي رفضت تلبية المهمة وتنفيذ الأوامر. وبعض تلك القطاعات العسكرية العراقية فضل الفرار أو الاستقالة أو حتى الانضمام إلى قوات الصدر حتى لا يقال يوماً إنه اسهم في ارتكاب جريمة وقعت في منطقة تعتبر من المحرمات والمقدسات في نظر عشرات الملايين من المسلمين.

لاشك في أن الأسباب التي منعت الاقتحام أو أجلت حصوله ليست عسكرية فقط. فالقوات المهاجمة تملك من القدرات والمعدات ما يجعلها قادرة على تنفيذ المهمة خلال ساعات. أسباب التأخير سياسية في جوهرها ولها صلة بسؤال: ماذا بعد اقتحام النجف وتدنيس الصحن الحيدري؟

هذا السؤال أوقف الهجوم، أو على الأقل أسهم مساهمة فعلية في تعطيل اندفاعه الأول حين وصلت القوات إلى مشارف الصحن الحيدري.

المشكلة الآن أن حكومة بغداد المتعاملة مع الاحتلال تورطت في مشروع أكبر منها، وأصبحت في موقف حرج فهي لا تستطيع أن تتراجع عن تهديداتها العنترية وأسلوبها المتعجرف والمستخف بالناس وامتدادات حركة الصدر، ولا تستطيع أيضاً أن تتقدم من دون تغطية شرعية وحقيقية من المرجعيات التقليدية. ويبدو ان الأخيرة رفضت إعطاء الإذن أو تقديم الضمانة خوفاً من حصول مكروه لا يعرف كيف يمكن احتواء تداعياته في جو محتقن وتسيطر عليه الانفعالات السياسية والدينية.

هذه المشكلة كان يجب ان تفكر فيها حكومة بغداد قبل أن تتورط في مشروع أكبر من حجمها ولا تستطيع تنفيذه من دون مساعدة عسكرية كبيرة من قوات الاحتلال. فالتفكير كان يجب ان يسبق حركة التهديدات العسكرية ولو حصل الأمر لكان بإمكان المراجع التقليدية حله عن طريق الاحتواء لا باتباع أساليب القهر والاذلال وكسر الرؤوس، وهي كلها تذكر بسياسات النظام المستبد السابق.

عودة السيستاني ضرورية جداً لأنها على الأقل تعطي ابعاداً جديدة لمشكلة لا يمكن حلها عسكرياً. فحركة الصدر يجب فهمها موضوعياً وفي إطار الأزمة العامة التي يمر بها العراق بعد الاحتلال وتقوّض الدولة وضعف البدائل الجاهزة التي استقدمتها واشنطن وأسقطتها بالمظلات فوق بغداد. ولو تعاطت حكومة بغداد مع حركة الصدر ضمن نظرة عاقلة تقرأ تداعيات الموقف موضوعياً فلمَ لجأت إلى لغة السلاح والتهديد بالبطش وقتل كل مخالف لإرادتها. فهذه اللغة مرفوضة أصلاً ودفع العراق ثمنها مئات آلاف الشهداء ولا يمكن تكرارها تحت صيغ ولافتات وعناوين واسماء جديدة استُقدمت من لندن وعواصم الغرب.

العراق بحاجة إلى لغة جديدة تقوم أساساً على عقل يجيد استخدام المنطق «التسووي» في حل معضلات متراكمة تتطلب من امثال السيستاني التدخل لحلها لا من أمثال علاوي وربعه.

لغة القوة انتهت في بغداد، وإذا كانت هناك من حاجة لاستخدامها فيجب أن توجه ضد المحتل الأميركي لا ضد الصحن الحيدري. وربما هذا ما أراد السيستاني قوله من وراء عودته إلى العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً