العدد 723 - السبت 28 أغسطس 2004م الموافق 12 رجب 1425هـ

أزمة في لبنان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يفترض أن يجتمع مجلس النواب اللبناني الأربعاء المقبل لتعديل المادة 49 من الدستور بناء على توصية رفعها مجلس الوزراء بشأن المسألة. وفي حال وافقت الغالبية النيابية على التعديل يفتح الطريق أمام الرئيس الحالي إميل لحود لإعادة ترشيح نفسه لنصف ولاية جديدة (ثلاث سنوات).

الأزمة المتوقعة ليست جديدة. فمنذ تأسيس دولة «لبنان الكبير» في سبتمبر/ أيلول 1920 مال كل رئيس إلى التجديد أو التمديد وفي كل مرة كانت تحصل تدخلات تمنع حصول الأمر. وبعد الاستقلال تجددت أزمة الرئاسة دورياً. ففي عهد الرئيس بشارة الخوري حصلت «ثورة بيضاء» في العام 1952 أطاحت به وجاءت بكميل شمعون إلى رئاسة الجمهورية. وفي نهاية عهد شمعون قامت «ثورة حمراء» في العام 1958 حين فكر الرئيس في تجديد ولايته وانتهت الانتفاضة الشعبية بتدخل الأسطول السادس ونزول القوات الأميركية إلى بيروت بطلب من الرئيس لوقف الانهيار العام.

وبانسحاب شمعون من المنافسة توافقت الولايات المتحدة مع مصر عبدالناصر (الجمهورية العربية المتحدة آنذاك) على اختيار قائد الجيش اللبناني الجنرال فؤاد شهاب. وفي نهاية عهد شهاب حاولت الأجهزة التجديد للرئيس دورة ثانية في العام 1964 إلا أن تردد الرئيس ومخاوفه من تكرار تجربة شمعون دفعاه للانسحاب من المنافسة تاركاً الباب أمام الرئيس شارل حلو القريب من «المدرسة الشهابية».

وحين انتهت ولاية حلو في العام 1970 طرحت فكرة التجديد وسحبت بسرعة خوفاً من انقسام البلاد بين جماعة «النهج» وجماعة «الحلف». والحلف تأسس كقوة مارونية تتمتع بشعبية كبيرة في الجبل اللبناني. وانتهى الأمر بمعركة «كسر عظم» بين مرشح النهج إلياس سركيس ومرشح الحلف سليمان فرنجية وفاز الأخير بغالبية صوت واحد.

الصوت الواحد رجح كفة الحلف وعزز الافتخار اللبناني بالديمقراطية والنموذج الدستوري الوحيد في منطقة المشرق العربي. إلا أن الصوت الواحد لم يكن كافياً لمنع اندلاع الحروب الأهلية - الإقليمية في لبنان في العام 1975 وقبل سنة واحدة من انتهاء ولاية الرئيس فرنجية. وفي ظل الحرب والانقسام الدموي والمجازر الطائفية انتخب الرئيس إلياس سركيس وتسلم ولايته تحت القصف والضغوط وبقي في منصبه من العام 1976 إلى اجتياح ارييل شاورن لبنان في العام 1982.

حتى في ظل الاحتلال الإسرائيلي لم يخالف اللبنانيون الدستور فجرت الانتخابات التي رافقتها المقاطعة والرشوات في وقت كانت بيروت محاصرة من كل الجهات وفاز بشير الجميل بمنصب الرئاسة. وقبل أن يتسلم ولايته رسمياً اغتيل في حادث انفجار وقع في مكتب حزب الكتائب في الأشرفية. فسارعت الكتل النيابية إلى عقد جلسة استثنائية للبرلمان وانتخبت شقيقه أمين حتى لا يقع لبنان في أزمة فراغ دستورية.

وفي عهد أمين الجميل حصلت خروقات كثيرة وانقسامات أهلية طاولت مختلف الطوائف وبدأت الليرة اللبنانية بالانهيار ومع ذلك حرص اللبنانيون على ألا تكون ولاية ثانية للرئيس الجميل فغادر القصر الرئاسي في اليوم الأخير تاركاً البلاد في أزمة دستورية بعد تعيينه قائد الجيش آنذاك ميشال عون رئيساً للبلاد.

خطوة الجميل في العام 1988 أربكت مختلف الأطراف وأوجدت حالات من الفراغ سمحت لنهوض انقسامات سياسية تسلحت هذه المرة بالدستور. إلا أن انعقاد الكتل النيابية وتوافقها على صيغة دستورية جديدة عرفت بـ «اتفاق الطائف» فتحت الطريق لعودة الحياة النيابية وانتخاب الرئيس رينيه معوض. وقتل الأخير في حادث تفجير بعد إلقاء خطاب الاستقلال وبعد أكثر من شهر على تسلمه منصبه.

حادث اغتيال الرئيس لم يعطل اللعبة الدستورية فاجتمع المجلس النيابي واختار الرئيس إلياس الهراوي ليستمر في ولايته الأولى إلى العام 1995. ولكن الرئيس السابق مال إلى تمديد ولايته ثلاث سنوات متذرعاً بأن السنوات الأولى من عهده لم يمارس فيها صلاحياته كاملة بسبب وجود منافسه المعين في القصر الرئاسي ميشال عون. فعون استمر يدّعي أنه الرئيس الحقيقي إلى مطلع خريف 1990 ولم يخرج من القصر إلا بعد أن تدخلت سورية عسكرياً.

الآن كما يبدو أن لبنان دخل في مأزق دستوري. فالرئيس الحالي يريد تكرار تجربة الرئيس الهراوي بتعديل مادة دستورية تمنح التجديد والتمديد. وهذا الأمر قد يفتح الباب مجدداً أمام أزمة سياسية مديدة ستكون كل الأطراف فيها خاسرة وغير مطمئنة لشرعيتها. فالرئيس في حال مدد له لن يكون كما كان عليه أمره في ولايته الدستورية الأولى. والمعارضة الدستورية ستجد الآن ذريعة للمخالفة تتجاوز حدود ما هو مقبول ومشروع في القانون. والولايات المتحدة التي تعتبر أكثر دولة مخالفة للقوانين والمواثيق والقرارات الدولية ستجد أمامها فرصة ذهبية للتدخل في شئون لبنان... وربما أوسع من حدوده

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 723 - السبت 28 أغسطس 2004م الموافق 12 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً