العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ

لكي لا يضحك عليكم العيارون

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك كلمة مأثورة عن أحد العلماء، تحكي عن النعيم الذي يتقلب فيه بين الكتب والمعارف والتحصيل: «لو أدرك الملوك ما نحن فيه لحاربونا بالسيوف». ولأن الملوك والسلاطين كانوا يعيشون في وادٍ آخر غافلين عن هذا النعيم، فانهم تركوا العلماء - لحسن حظهم - في واديهم يهيمون ويسرحون!

اليوم، لسان حال الكثير من العاملين في المؤسسات الخيرية يكاد ينطق بهذه الحكمة التي لا يدركها الكثيرون من أبناء المجتمع. فلو أدركوا ما يمكن أن تقوم به الجمعيات والصناديق الخيرية لوضعوها في أعينهم كما يضعون أطفالهم، ودافعوا عنها كما يدافعون عن أموالهم وبيوتهم.

ولا يقتصر الأمر على جهل الكثيرين من الناس لما يمكن أن تقوم به هذه الصناديق الخيرية من دور فعّال في المستقبل، إذا ما أجادت إداراتها لعب هذا الدور، بعيداً عن التسييس والتورّط في الخلافات الصغيرة التي تتورّط فيها الكثير من الجمعيات السياسية، فينقضي العمر ويشيب الرأس من دون أن تحقّق للناس نفعاً.

المطلوب في المرحلة الحالية أن تعرف الصناديق الخيرية حجمها، وأن تتدارك أخطاء تجربتها وتراجع نفسها باستمرار، وأن تثق بما يمكن أن تقوم به في مجتمعها، مستشرفة آفاق المستقبل. فهي أصبحت جزءًا من مفردات الحياة اليومية في حياة الكثيرين، وأخذت تحتل مساحة مهمة من التغطية الخبرية المحلية، وتتم الاستعانة بها في الحصول على معلومات واحصاءات، ويسمع لصوتها في تزكية أفراد أو توزيع معونات... إلخ. بالتالي لم تعد مؤسسات من النوع الصغير، وانما أصبحت مصدراً معتبراً حتى لأصحاب القرار. فهي تجلس على كمٍّ كبيرٍ من المعلومات الدقيقة والمفصّلة عن الأسر التي تعيش في قاع الطبقة السفلى من المجتمع، بما يوفّر قاعدة معلومات جيدة ربما لا تتوافر حتى لكثير من أجهزة الدولة. ومن هنا فانها قادرة على القيام بدور مكمّل أو معاون لدور الدولة في المجتمعات المحلية في حالاتٍ معينة مثل توزيع المساعدات والتعويضات كما حدث في أزمة انقطاع الكهرباء.

أقول ذلك والنقاش مازال دائراً بشأن طرق التوزيع المعتمدة، وما يشوبها من أخطاء بسبب عدم تحديد آليات التنفيذ، وما حدث ويحدث يثير الكثير من الاشكالات على طريقة التوزيع. لن نتطرق إلى توزيع الموارد المرصودة على جميع المحافظات بالتساوي بغض النظر عن حجم كل محافظة من الناحية السكانية، وما يعنيه ذلك من ظلم غير مبرّر، وانما سنشير إلى جانب آخر، وهو كيف يتم تحديد المعايير في التوزيع؟ فالاحصاءات الرسمية لا أظنها ستسعف الحكومة في ذلك، وهنا يأتي دور الجمعيات والصناديق الخيرية، بما تمتلكه من مخزون معلوماتي دقيق، وخصوصاً إذا علمنا ان الناس يكونون أكثر انفتاحاً في البوح بحاجاتهم ومداخيلهم إلى هذه المؤسسات «المدنية» ومنها إلى الحكومة وقت إعداد الاحصاءات التي تجري كل عشرة أعوام.

من هنا يصبح من الضروري الاستماع لرأي هذه المؤسسات عند التوزيع، سواءً على مستوى الطريقة أو المعايير المعتمدة للاختيار، خصوصاً مع غياب المعايير حكومياً، فتبرز مثل هذه الثغرات التي ينفذ منها غير المحتاجين للاستيلاء على أموالٍ يفترض أن توجه للطبقات الأفقر في المجتمع، وإلاّ فان كل ما سيتم رصده من أموالٍ، وتحت أيّ مسمىً كان، سيكون مصير أغلبه إلى جيوب «العيارين»، كما حدث في عملية «تصفير» فواتير الأغنياء «المتخلفين» عن الدفع، بينما فات غالبية الفقراء والكادحين، لأنهم ببساطة يدفعون ما في ذمتهم بانتظام نهاية كل شهر. ولو روجعت الجمعيات والصناديق الخيرية... لرفعت عن كاهل الفقراء بعض العبء، ولقطعت الحكومة الطريق على أولئك العيارين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً