العدد 744 - السبت 18 سبتمبر 2004م الموافق 03 شعبان 1425هـ

نخب بلا جذور وأحزاب بلا جمهور

الاستقواء بالخارج على الداخل

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة قول في علم تحليل الظاهرات مفاده ان: «الانطباع أقوى من الحقيقة». ان ما تقوم به المعارضات «الاصلاحية» الليبرالية العربية والاسلامية في اكثر من بلد «شرق اوسطي» من تحركات وما تختاره من اسلوب تحريضي ضد انظمة الحكم في بلدانها، ونوع «الخطاب» الذي تختاره في المحاججة والجدال معها، وما تقوم به من جهة اخرى الحكومات «الاصلاحية» سواء الليبرالية منها أو المحافظة في اكثر من بلد عربي واسلامي ضد أحزاب المعارضة لديها، اسلامية كانت أو قومية أو حداثية، انما يعطي «الانطباع العام» بأن ثمة «ما يسترو» واحد يحرك مجموع هذه التحركات والتحركات المضادة اسمه او عنوانه «الخارج».

لسنا هنا في منزلة مقاضاة أحد، ولا في موقع الحكم على أحد بالخطأ أو ارتكاب الخطيئة، ولا في موقع تقييم أو تقويم حركة الاحزاب والقوى أو الانظمة والحكومات التي هي محل اختبار هذه القاعدة، لكن ما ذهب اليه الزميل أحمد الربعي في عموده اليومي الشرق اوسطي حديثاً، استوقفني طويلاً، وجميعنا يعرف الربعي بميوله الليبرالية المعروفة، وكونه نائبا برلمانيا ووزيراً سابقا في الحكومة الكويتية تداول السلطتين التشريعية والتنفيذية في بلاده و«خبر» العمل والتعامل مع «المعارضات» العربية طويلاً. فقد كتب معلقاً على زيارة عضو المؤتمر الوطني العراقي مثال الالوسي إلى «إسرائيل» بالقول: «مهما كانت درجة الخلاف بين الانسان وحكومته الا ان الاستقواء بالخارج يظل مسألة خطيرة» و«ان الارتهان للخارج لإحداث تغييرات في الداخل هو مسألة تحتاج إلى إعادة نظر... وأن يسمح الانسان لنفسه بأن يكون اداة لتحقيق مصالح خارجية على حساب المصالح الوطنية فهو مسألة تستحق النقاش».

وإذ أشيد بهذا الموقف الذي اعتبره «جديداً» للربعي وظني ان موقفه الثابت والمتين ضد «إسرائيل» هو الذي أملاه عليه قبل ان يكون موقفه المنهجي من مسألة التعامل مع الخارج، الا انني مع ذلك اجد الفرصة مناسبة لأطرح مجموعة من الأسئلة على النخب العربية والاسلامية الحاكمة والمعارضة معاً، وكذلك للنخب المعلقة في الهواء والتي تسعى إلى اعطاء «الانطباع» بأنها لا تميل إلى أولئك ولا إلى هؤلاء، وهي النخب التي ينتمي إليها زميلنا الربعي فأقول:

أولاً: اذا كان الاستقواء بالخارج على الداخل مذموماً وخطيراً وهو كذلك، فهل هو كذلك فقط لأن المعارضات تلجأ اليه فيما هو حلال على الحكومات في مقابل شعوبها مثلاً؟!

ثانيا: هل الاستقواء بالخارج على الداخل مذموم ومرفوض فقط لو كان منظما وفي اطار سياسات حزبية أو فصائلية متنازعة، بينما هو مسموح للأفراد أو الشخصيات خصوصا اذا كانت محصنة ولأي سبب كان؟!

ثالثاً: هل الاستقواء بالخارج على الداخل محرم فقط بحدود الوطن أو القطر الواحد، أم انه يجب ان يكون محرما أيضا بحسابات «الخارج» عن الامة العربية والاسلامية مقابل «الداخل» في الامة الاسلامية والعربية وهو ما يشمل العلاقات بين دول الجوار الثقافية والحضارية والدينية؟!

رابعاً: ثم اولاً واخيراً ما هو حكم الاستقواء بالخارج على الداخل حرباً وغزواً وعدواناً سافراً لا يريد ان يُبقي ولا يذر، وكان ولايزال مستعداً للتحايل على العالم والكذب الشامل عليه وتلفيق اي شيء وباية طريقة ممكنة ومتوافرة من اجل تحقيق مصالح عليا لهذا الخارج على حساب المصالح الوطنية والقومية والعقائدية العليا للاوطان الضعيفة والمستضعفة بحجة ان حاكمها أو «مستعمرها الوطني كما هي الحال مع صدام حسين ما هو اسوأ من عنف الاجنبي وهمجيته ما يجعلان الانسان يتحالف مع الشيطان؟! كما ورد في عمود الزميل الربعي.

أسئلة تلح عليّ يوميا كما تلح على الكثير من الناس في الوطنين الكبيرين العربي والاسلامي على ما أظن، ونحن نتابع ما يجري من تدمير وإبادة وحرائق منظمة تلتهم اوطاننا واحداً بعد الآخر ابتداء بفلسطين ومروراً بالعراق ولا ندري انتهاءً بمن، فيما النخب الموالية والمعارضة وكذلك التي تسعى لمنح الانطباع للناس بأنها «حيادية» الولاء، تقف متفرجة على جهنم اوطانها من دون ان تبذل جهداً ملموسا واحداً في غلق أحد ابواب هذا الجحيم المتنقل مع الاسف الشديد.

ان عمل الآلوسي هو من جنس الخيانة العظمى بحق الدين والوطن والامة بل الانسانية لا شك في ذلك ولا ريب ولا جدال، لكن السؤال الكبير هو: من سمح لخطوة الآلوسي ان تحصل بهذه البساطة وهو الذي سيأتي مبرراً لها ليسمع صوته جهاراً نهاراً على الفضائيات العربية، ولا شك ان كثيرين قبله فعلوها سراً أو جهاراً وسيأتي اليوم الذي ستكشف تحركاتهم جميعاً من دون أن تهتز لهم شعرة!

ماذا لو جاء الآلوسي وغيره وقال انه لم يكن الا «قطعة» في وصلة غنائية طويلة! وانه انما قام بها دفاعاً عن مصالح وطنه العليا! وانه فضل ان يعملها جهاراً نهاراً افضل من ان يعملها «تحت الطاولة» كما يحبذ وزير خارجية عربي اشتهر بمثل هذا القول؟ وافصح أو فضح الكثير مما هو مستور أو مغمور. هل سيصبح عند ذلك مبرراً وحلالاً؟!

لا شك عندي ولا للحظة واحدة في ان السبب فيما نحن فيه هو السماح لانفسنا كأفراد أو كاحزاب أو كقوى أو كانظمة أو كحكومات ضعيفة أو عاجزة تفتقر فيه إلى الدعم الشعبي الكافي لتبرير أو لتشريع أو «لتحليل» خطواتنا أو تحركاتنا الانانية أو الحزبية أو الفئوية، الامر الذي يدفعنا للاستعانة بالخارج لتطويع الداخل المستعصي علينا بسبب غربتنا أو تغربنا عنه. والبداية قد تكون بسيطة ولا تجلب الانظار، وقد نظنها مبررة مشروعة في أول الامر، لكن سرعان ما تكبر وتكبر فينا حتى يصعب قبولها عند البعض منا فنصبح نرمي بعضنا بعضا بالارتماء في احضان الاجنبي فيما يبرر كل واحد منا لنفسه ما يظن بانه الاصلح من غيره والأكثر غيرة على مصالح وطنه العليا!

هناك مثل ايراني مشهور يقول: «الماء من المنبع فاسد». وما جرى للآلوسي ليس سوى مظهر من مظاهر الفساد التي دخلت في حضيضه قوى ونخب «عراقية» و«عربية واسلامية» عدة، وللأسف الشديد ازعم انها احزاب بلا جمهور، ونخب بلا جذور، منها من لا يزال في طور «سرقة» فرنك واحد بينما وصل بعضها إلى طور سرقة مصرف بكامله، ان لم يكن مصارف استناداً إلى المثل القائل: «إللي يسرق فرنك يسرق بنك».

خلاصة القول: ان اقدار أوطاننا أمانة في اعناقنا، وعندما نفشل في حماية هذه الأوطان بجهودنا وقدراتنا الذاتية فان التاريخ سيغفر لنا عجزنا و«قصورنا» في أداء مهمة الدفاع عنها اذا ما اعترفنا بذلك وصارحنا الناس بضعفنا وهواننا وطلبنا منها ان تشهد لنا بذلك. لكن التاريخ لن يرحم ابداً من فرط بالوطن وبمقدراته من خلال رهنه للخارج ووضعه في سوق «المناقصات» الدولية من أجل الفوز بمقعد للحكم هو له الآن أو آخر مرشح للفوز به

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 744 - السبت 18 سبتمبر 2004م الموافق 03 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً