العدد 747 - الثلثاء 21 سبتمبر 2004م الموافق 06 شعبان 1425هـ

خطوة صحيحة... ومتأخرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الاتفاق الذي جرى أمس بين المسئولين في بيروت ودمشق على إعادة انتشار الجيش السوري في لبنان وتموضع بعض قطاعات في نقاط استراتيجية وحساسة لأمن البلدين هو خطوة في الاتجاه الصحيح. فالاتفاق جاء في وقت صعب تخوض فيه دمشق وبيروت سباقاً مع الزمن ولمسافات قصيرة. وهو في منطقه الخاص لا يخرج عن تلك التفاهمات التي جرت في الطائف بين اللبنانيين. كذلك إعلان إعادة انتشار القوات السورية ليس جديداً فهو الخامس من نوعه في السنوات الثلاث الأخيرة والأول بعد صدور القرار الدولي السيئ 1559.

الاتفاق الأخير الذي أعلن أمس يختلف في شروطه الدولية والإقليمية عن تلك الانسحابات (إعادة الانتشار والتموضع) التي جرت سابقاً. فالظروف الآن اختلفت وبدأت تثير تفسيرات متنوعة لموضوع الوجود السوري في لبنان. في السابق كانت الانسحابات (إعادة الانتشار) تحصل في إطار اتفاق الطائف وأيضاً أعطيت تفسيرات أخرى بعد انسحاب «إسرائيل» من جنوب لبنان إثر هزيمة الاحتلال وفشله في تحقيق أغراضه. الآن دخلت على خط إعادة الانتشار تفسيرات جديدة تعطي أبعاداً دولية وإقليمية لكل حركة تقوم بها سورية بالتفاهم مع السلطات اللبنانية.

ومهما كانت المعايير واختلاف الشروط والظروف تبقى الخطوة التي أعلن عنها صحيحة في أبعادها الاستراتيجية، لأنها جاءت في سياق سحب الذرائع من الولايات المتحدة وتعطيل محاولات واشنطن للاستفادة من القرار 1559 واتخاذه وسيلة للضغط أو لتمرير مشروعاتها السياسية التي أعلنتها الإدارة مراراً.

نزع الذرائع من أمام «كتلة الشر» التي تتخذ من «البنتاغون» منطلقاً للعدوان على الدول العربية والإسلامية كان خطوة رورية ومهمة وجاءت في إطار تصحيح ذاك الخطأ الذي ارتكب حين اندفع مجلس النواب في حماس للتمديد من دون أخذ الظروف في الاعتبار ودرس المخاطر المترتبة على تلك الخطوة المغامرة.

الآن حصل ما حصل وصدر القرار الدولي الذي كان بالإمكان تجنب صدوره لو اتخذت خطوة إعادة الانتشار قبل حصول التفاهم الأميركي - الأوروبي. إعادة الانتشار الآن صحيحة ومهمة وتدخل في سياق نزع الذرائع وربما تساعد على تخفيف لهجة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن لبنان في الشهر المقبل ولكنها لن تكون كافية لإرباك ذاك التحالف الذي نهض بين الكتل الدولية في مجلس الأمن. فالقرار صدر وهناك مجموعة نقاط يتضمنها وهي كلها تصب في مصلحة المشروع الإسرائيلي المدعوم أميركياً.

كان يفضل أن يحصل الاتفاق على إعادة الانتشار قبل صدور القرار 1559، ولو حصل الأمر لكان وقع الاتفاق أكثر قوة وربما أسهم في تعطيل القرار أو تأجيل صدوره. فالتوقيت مهم وأحياناً تحصل مفارقات كبرى في لحظات.

كان بإمكان دمشق وبيروت القيام بمناورة دبلوماسية في تلك الفترة. ولو حصلت لكانت المناورة أحدثت تأثيرها «السحري» وأربكت التفاهم الأوروبي (الفرنسي تحديداً) الأميركي وشجعت روسيا والصين على تعطيل القرار أو التهديد باستخدام حق النقض.

الاتفاق الأخير صحيح وهو خطوة في سياق التنافس الزمني لنزع الذرائع ولكن «كتلة الشر» في البنتاغون ستعمد إلى تفسيره وفق تصوراتها، معتبرة إياه من نتاج ضغوطها واستفزازاتها وخصوصاً أنها تربطه بحزمة من الملفات المتعلقة بالجانبين الفلسطيني والعراقي.

المشكلة الآن أن سقف الوضع اللبناني ارتفع وتحول الملف من أدراج البنتاغون والكونغرس وكواليس السياسة الإسرائيلية إلى مجلس الأمن، وبات بإمكان واشنطن التذرع بالقرار 1559 عند الحاجة واستخدامه كواسطة لكسب نقاط في لبنان وغيره.

وهذه النقطة يجب أخذها في الحسبان عند مراجعة الملف اللبناني وما تضمنه القرار الدولي. فالقرار ذكر مجموعة نقاط من بينها الوجود الأجنبي. وتلك النقاط لها صلة بما تسميه واشنطن «السيادة» و«الميليشيات اللبنانية» و«غير اللبنانية» وغيرها. وهذه كلها أدوات مختلفة قابلة للتأويل والتفسير والاستخدامات المختلفة، وكان بالإمكان تجنبها لو أدرك المعنيون بالشأن اللبناني الأبعاد الاستراتيجية لمثل تلك الخطوة الدولية.

الاتفاق الذي جرى أمس بشأن إعادة الانتشار خطوة في الاتجاه الصحيح لأنه يقلل من الضغوط ويسحب بعض الذرائع... ولكنه في النهاية جاء في وقت متأخر وكان بالإمكان التوصل إليه قبل صدور القرار الدولي لا بعده

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 747 - الثلثاء 21 سبتمبر 2004م الموافق 06 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً