العدد 2793 - الخميس 29 أبريل 2010م الموافق 14 جمادى الأولى 1431هـ

الحكم الديمقراطي الصالح... المكون الرئيسي للإصلاح السياسي والاقتصادي (1)

جون سوليفان comments [at] alwasatnews.com

يمثل غياب الحكم الديمقراطي الصالح تهديدا خطيرا لبناء الديمقراطية والإصلاحات القائمة على أساس السوق في جميع أنحاء العالم. وفي بعض الدول أدى غياب الحكم الديمقراطي الصالح إلى توليد مبادئ الشعبوية والاشتراكية بل والإرهاب في بعض الأحيان. ومن هذا المنطلق، يعتبر إنشاء المؤسسات اللازمة للحكم الصالح ضروريا لمستقبل الديمقراطية والأسواق الحرة واستقرار النظام الدولي.

وتشمل النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول التي تفتقر إلى الحكم الديمقراطي الصالح عدة ظواهر، أهمها انتشار الفساد بشكل كبير وتردي أوضاع البنية التحتية وارتفاع تكاليف الأعمال وانخفاض الاستثمارات وتدني معدلات النمو والعمالة والدخل وظهور عدم الاستقرار على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي وزيادة السخط بين المواطنين.

وعلى ذلك فإننا نقدم بعض الاقتراحات الخاصة بالسياسات والاستراتيجيات التي تضع أمام القطاع الخاص والمجتمع المدني والمسئولين الحكوميين والجهات المانحة الأدوات اللازمة لإقامة الحكم الديمقراطي الصالح. كما تبرز الكثير من التجارب التي تؤكد أن الحكم الديمقراطي الصالح هو أساس الإصلاح الاقتصادي والسياسي الناجح، وأن الدول التي أقامت أسس الحكم الديمقراطي الصالح حققت نتائج تنموية ممتازة.

لم تحقق الجهود الرامية إلى التحول الديمقراطي على المستوى العالمي خلال العقود القليلة الماضية النتائج التي كانت مرجوة منها. وعلى الرغم من وجود نحو ثلثي دول العالم يمكن اعتبارها ديمقراطيات انتخابية ذات تعددية حزبية، يوصم أكثر من نصف عدد هذه الدول بعدم احترام حقوق الإنسان وحق التعبير عن الرأي وانصراف المواطنين عن المشاركة في عملية صنع القرار وإهمال حماية حقوق الملكية الفكرية وعدم تطبيق مبادئ مساءلة الحكومة. وتظل هذه الديمقراطيات الناشئة ضعيفة وغير متحررة، كما تستمر في المعاناة من انخفاض معدلات النمو وانتشار الفساد وزيادة الاستياء بين المواطنين. ونتيجة لذلك، يعارض الكثير من مواطني تلك الديمقراطيات الناشئة الإصلاحات الديمقراطية القائمة على أساس اقتصاد السوق الحر ويعتنقون المبادئ الشعبوية والاشتراكية والإرهاب. ولذلك فإن كشف جذور هذا الأداء السيئ يعتبر مسألة حيوية بالنسبة لمستقبل الأنظمة الديمقراطية القائمة على أساس السوق في العالم كله.

وعلى مدى العقود القليلة الماضية ساد الاعتقاد أن مصائب الدول النامية ترجع إلى قلة الموارد والتكنولوجيا والتعليم وسوء البنية الأساسية وبالتالي ركزت الجهات المانحة جهودها على تقديم وتحسين هذه الجوانب على أمل مساندة الديمقراطية، وأنفقت في سبيل ذلك مبالغ كبيرة ساعدت في تحقيق هذا الهدف إلى حد ما، ولكن النتيجة النهائية وهي تعميق جذور الديمقراطية لاتزال ضعيفة حتى الآن. والحقيقة أن نحو 50 دولة عانت من انخفاض نصيب الفرد في إجمالي الناتج المحلي خلال عقد التسعينيات بل ان بعض الدول أصبحت أفقر ما كانت عليه قبل ثلاثين سنة مضت.

ولا يرجع السبب في نقص الديمقراطية وسوء الأداء في كثير من الدول وعدم رضاء المواطنين عن إصلاحات السوق إلى التوصية باتباع سياسات السوق الحر بل يرجع إلى الفشل في تنفيذ تلك السياسات. إذ بينما تتعجل كثير من الحكومات والخبراء الدوليون في اقتراح الإصلاحات، يخفقون عادة أن يأخذوا في الاعتبار المشاكل المؤسسية التي تعوق تنفيذ الإصلاحات بصفة يومية. وكثيرا ما تفشل الدول لأن تنفيذ السياسات يخضع لسيطرة الفساد والآليات المؤسسية السيئة والأنظمة القانونية المبهمة وآليات تنفيذ القوانين الضعيفة ونقص الشفافية في الإدارة والعجز عن تقديم الخدمات العامة وإدارتها إدارة فعالة.

وتدل الأزمات المالية الحديثة في آسيا وروسيا وتركيا وأميركا اللاتينية على أن الفشل في دمج الحكم الديمقراطي الصالح كجزء لا يتجزأ من الإصلاحات الاقتصادية يعرض برنامج الإصلاح كله للخطر. هذه الأزمات والسخط المتزايد من الديمقراطية والأداء الاقتصادي الضعيف في الديمقراطيات الناشئة أو الصاعدة تساعد على تركيز المزيد من الاهتمام على أهمية الحكم الديمقراطي الصالح في كافة أنحاء الأرض. وقد أكدت منظمات المجتمع المدني المختلفة وممثلو القطاعين العام والخاص في الديمقراطيات الناشئة مدى أهمية الحكم الصالح في الكثير من الوثائق الملزمة مثل إعلان صنعاء وإجماع الرأي في مونتيري والشراكة الاقتصادية الجديدة لتنمية إفريقيا وغيرها.

كما أصبح الحكم الصالح شرطا من الشروط التي تطالب الجهات المانحة والولايات المتحدة الأميركية بتطبيقها.

ومن أسباب استمرار الاستياء من بناء الديمقراطية في العالم النامي أن المواطنين، في الكثير من الديمقراطيات الناشئة أو تلك التي في مرحلة التحول أو غيرها، يظلون بمنأى عن صنع القرار ويجبرون على الالتزام بالقوانين واللوائح التي تم صدورها بأسلوب لا يتسم بالشفافية والتي تفتقر إلى طريقة تعالج المظالم ولا تضمن للمواطنين حقوقهم أو تضمن تحسين الأنظمة القائمة.

ويبين «مسح الحكم الديمقراطي والديمقراطية»الذي أجرته شركة غالوب الدولية سنة 1999 أن أكثر من 60 في المئة من سكان العالم لا يحكمون بإرادة الشعب حتى ولو زعم غالبيتهم أن الانتخابات التي تجرى في بلادهم حرة ونزيهة.

وهكذا فإن مجرد إجراء انتخابات ديمقراطية لا يكفي؛ لأن الحكومات في الكثير من الدول لا تقبل المساءلة فضلا عن أن أساليبها في ممارسة السلطة تعوق جهود التنمية.

وهكذا فإن مفتاح الانتقال الناجح المستديم إلى الديمقراطية والنظام القائم على أساس السوق هو الحكم الديمقراطي الصالح، أي المؤسسات الرئيسية القابلة للمحاسبة والمساءلة. وعند الاعتماد على هذه المؤسسات تصبح الحكومة وموظفي الحكومة، بقوة الحكم الديمقراطي الصالح، عرضة للمحاسبة والمساءلة بصفة يومية؛ لأن هذه المؤسسات تلزم القادة باستشارة المواطنين وأخذ مصلحتهم في الاعتبار بحيث يتم استخدام الموارد العامة للتمسك بالحريات السياسية والمدنية الاقتصادية الأساسية وتوفير السلع العامة الضرورية للنمو بدلاً من استعمالها لزيادة ثروات الحكام والنخبة المقربة منهم.

وعلى رغم الاهتمام المتزايد بفوائد الديمقراطية والشفافية والمحاسبية وآليات السوق فإن وضع السياسات واللوائح الواضحة التي تتمسك بهذه القيم في الممارسة يحتاج إلى أكثر من مجرد النية الحسنة. إن فهم الأسس اللازمة للتنفيذ الصادق لوعود الحكم الديمقراطي الصالح هو الحد الفاصل بين النجاح والفشل في التحول إلى الديمقراطية. والصعوبة في الوصول إلى هذا الفهم الحرج هي التي تحكم بالإخفاق على الكثير من جهود الإصلاح، أيا كان حسن نواياها؛ لأنها تخلو من خريطة واضحة للطريق تحدد ماهية الحكم الديمقراطي الصالح وكيف يمكن تحقيقه.

إن هناك حاجة إلى تحديد مفهوم الحكم الديمقراطي الصالح تحديدا واضحا وتحديد الأدوات والبرامج الفعالة التي تخرجه إلى حيز التنفيذ. ويؤكد الكتيب أن تأسيس الحكم الديمقراطي الصالح هو المفتاح لمعالجة نقص الديمقراطية وتعميق الإصلاحات الديمقراطية القائمة على أساس السوق، وتوليد النمو الاقتصادي المستديم وتمكين الدول من الاستفادة من العولمة.

إقرأ أيضا لـ "جون سوليفان "

العدد 2793 - الخميس 29 أبريل 2010م الموافق 14 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً