العدد 2794 - الجمعة 30 أبريل 2010م الموافق 15 جمادى الأولى 1431هـ

محمد البنكي الأخ الذي لم تلده أمي

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لم أكن أعرف محمد البنكي رحمه الله ولا سمعت به وكانت علاقتي محدودة بالبحرين ماعدا الدبلوماسيين البحرينيين. وذات يوم وأنا في مكتبي بوزارة الخارجية المصرية كمساعد للوزير للتخطيط السياسي والاقتصادي قالت سكرتيرتي هنا شخص من البحرين يريد التحدث معكم. وجاء صوت ودود قائلاً أنا محمد البنكي من جامعة البحرين سوف أزور مصر بعد أيام وطلب مني رئيس الجامعة آنذاك ماجد النعيمي أن التقي معكم. فرحبت به وأنا لا أعرف ما هو هدفه وماذا يريد.

حضر مكتبي فوجدته إنسانا لطيف المعشر ودوداً وصريحاً قائلاً إنني باسم الجامعة أوجه لكم دعوة من رئيس الجامعة لزيارة البحرين والاطلاع على جامعتها وما تقدمه في مجال التعليم الأكاديمي، وقصة طويلة لا مجال للحديث عنها في هذا المقال المخصص لشخص تعرفت عليه في أرض الكنانة في مكتبي بالخارجية ثم تعمقت العلاقة معه في أثناء عملي بجامعة البحرين ووجدت فيه خمس خصال:

الأولى: الهدوء والبساطة فهو يتحدث مع كل من يتعامل معه ويرحب به وكأنه أهم شخص في الكون، هذه الروح الودودة جعلتني أعجب به أشد الإعجاب وأقدره كبير التقدير.

الثانية: الحرص على العمل والتفاني فيه وقد كان مكتبي في الجامعة بمركز الدراسات الدولية آنذاك بجوار الإدارة التي كان يترأسها وكلما حزبني أمر أو موضوع أرغب في الاستشارة والتعرف عليه كنت ألجأ إليه ولم يتوان عن تقديم النصح الصادق ولكنني لاحظت أنني ما ذهبت إلى مكتبه إلا وجدته يعمل باستمرار وهو لا يضيع وقته هباء وكأنه يرغب باللاشعور في الاستفادة من كل دقيقة فيه لإدراكه اللاشعوري بقصر الزمن المتبقي له في هذه الحياة. ولذلك كان كثير الانجاز ما بين عمله الإداري كمدير لإدارة العلاقات العامة والإعلام إلى عمله الثقافي كمثقف بحريني متميز إلى دراساته الجامعية لإنهاء رسالة الدكتوراه إلى تقديمه النصح والمشورة لمن يطلب منه ذلك.

الثالثة: العرفان بالجميل لأصدقائه ورؤسائه الحاليين والسابقين فلم اسمعه أبداً يتحدث بلغة سلبية عمن عمل معهم سواء كرؤساء أو كمرؤوسين وكأنه كان مبعوث العناية الإلهية لتعليم الآخرين أدب الإسلام وسلوكيات المسلم الحق.

الرابعة: تعدد معارفه ومعلوماته فالمعرفة - وليس القناعة - هي كنز لا يفنى. ولذلك قال الرسول الكريم «منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال» وكان محمد البنكي طالب علم في الأدب وفي الفلسفة وفي السياسة وفي التاريخ ولذلك عندما كنت أتحاور معه أو استفسر عن شيء يجيب بوضوح ومصداقية وبعلم سواء كان هذا الأمر يتعلق بالبحرين أو بمصر أو غيرها من بلاد العالم الرحب.

الخامسة: التغاضي عن نقد الآخرين له مهما كان ذلك. ولقد كان لي موقف معه في إحدى محاضراته عندما كان رئيساً لجريدة الوطن ألقى محاضرة في مركز الشيخ محمد بن خليفة المعروف بالنسبة لي بأنه مركز الشيخة مي لأنها الشخصية الفريدة والمتميزة التي جذبتني لحضور ندوات هذا المركز والتعرف على أنشطته وكانت دائماً تستقبل ضيوف الندوات واقفة عند مدخل المركز وعلى وجهها ابتسامة عريضة، كانت محاضرة البنكي رحمه الله عن المرأة وتطرق فيها لأشهر «داية» ولدت كثيرا من البحرينيين اسمها أم جابر ثم عن تجربة عائشة عندما عادت من الخارج وغير ذلك، ولا أذكر الآن ماذا كان اعتراضي على ما تناولته المحاضرة ولكن يبدو أنني نسيت الصداقة والمودة وركزت على الجانب العلمي الأكاديمي في نقدي، وبعد المحاضرة استرجعت ما حدث ووجدتني كنت قاسياً في تعليقي على ما ذكره، ولكن وجدته حتى اللحظة الأخيرة من حياته لم يتغير وبالعكس تواصلنا كثيراً عندما كان رئيساً لجريدة الوطن واستمرت المودة حتى اللحظة الأخيرة، وكان آخر لقاء لنا في معرض الكتاب في فبراير/ شباط الماضي عند افتتاحه وهو يسير عملاقاً مبتسماً خلف الوزيرة وفرحت لعودة الصحة والعافية له بعد رحلته الطويلة مع المرض إذ كنت أتواصل معه عبر الهاتف وعبر الرسائل التلفونية عندما كان في ألمانيا وفي السعودية، ثلاث ملاحظات سجلتها للتو شهادة للحق وللتاريخ في هذه الشخصية الفريدة والمتميزة التي انتقلت إلى رحاب الله تعالى وقبل أيام من هذا الحدث الجلل ذكر لي صديق مشترك هو صلاح فضل وكان يزور البحرين انه يشعر بألم شديد للحالة الصحية لمحمد البنكي.

رحمة الله الواسعة تتغمده وإلى لقاء على الخير في جنات عدن وأجزل الله له خير الجزاء وألهم أسرته الصبر على المصاب الجلل.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2794 - الجمعة 30 أبريل 2010م الموافق 15 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:45 ص

      شهادة للحق وللتاريخ و الامانة العلمية

      القناعة كنز لا يفنى. ولذلك قال الامام علي (ع) «منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال» الكلمتين السابقتين كلتيهما للامام ، ويمكن للتوثيق تبحث عنهما في الكلمات القصيرة في نهج البلاغة وتتأكد من ذلك .للتوضيح وشكرا جزيلا ....

اقرأ ايضاً