العدد 2796 - الأحد 02 مايو 2010م الموافق 17 جمادى الأولى 1431هـ

«غوغل» عملاق الاقتصاد المعرفي (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لو تساءل أحد منا ما هي العناصر التي تقف وراء هذا النمو الذي تتمتع به شركة غوغل والقيمة التي تمثلها؟ هل هي بستان الخوادم (Farm of Servers) التي بحوزتها أو تستخدمها؟ أم هي البنية التحتية من شبكات وقنوات اتصال التي توافرت لها القدرة على جمع ومعالجة وإعادة بث المعلومات؟ أم موجودات الأصول من مبانٍ ومعدات وأثاث... إلخ؟ مجموعة من مثل هذه الأسئلة التقليدية التي تعودنا على إثارتها عند سعينا لتحديد قيمة أي شركة أو سعر أسهمها في أسواق المال. الإجابة التي ينبغي أن نتوقعها، رغم أهمية قيمة ما بحوزة «غوغل» من تلك العناصر، لكن تلك القيمة تتضاءل وتتحول إلى فتات أمام الـ 114 مليار دولار، والزيادة التي وصلت نسبتها إلى 14 في المئة، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، هي أن القيمة الحقيقية لشركة غوغل تحددها المسافة التي تبعدها أو تقربها من اقتصاد المعرفة.

تكمن قيمة «غوغل» الحقيقية، إذاً، في كمية المعرفة التي بحوزتها وتلك القادرة على توليدها العمليات التي تمارسها، وانعكاس ذلك على القيمة المضافة التي تخلقها تلك المعرفة وتزرعها في الاقتصاد الأميركي بشكل وطني ضيق، والاقتصاد العالمي بشكل عام رحب. ولكي ندرك مدى تماثل شركة غوغل مع ذلك الاقتصاد ينبغي لنا بداية تحديد ملامح ذلك الاقتصاد المعرفي، ووضع الإطار العام لمقوماته. وسبب تحاشينا الحديث عن تعريف محدد لهذا الاقتصاد، هو شعورنا بأنه مايزال في مراحل التكون، ولم يبرز بعد كاقتصاد متكامل تحركه آليات قوانينه الراسخة القادرة على إبرازه كعلم إنساني متكامل. نقول ذلك دون أن نجحف حق تلك الاجتهادات التي حاولت أن تضع تعريفاً للاقتصاد المعرفي، حتى وهو في حالاته الجنينية الراهنة.

يشاركنا هذا الرأي د.علي الشايع من السعودية الذي يقول بخصوص تعريف الاقتصاد المعرفي إنه «من الملاحظ أنه لا يوجد تعريف واضح ومبسط للاقتصاد المعرفي ومتفق عليه دولياً، ولكن جميع التعاريف تقول إنه يعتمد على العنصر البشري، وبالتالي فمن المهم التركيز من قبل الجامعات والكليات والمعاهد على بناء الإنسان وخلق جيل مهتم بالاقتصاد المعرفي».

ومن جانب آخر فإن الاقتصاد المعرفة كما يعرفه موقع منتدى إدارة التربية والتعليم السوري، هو ذلك «الاقتصاد الذي يدور حول الحصول على المعرفة، والمشاركة فيها، واستخدامها، وتوظيفها، وابتكارها، بهدف تحسين نوعية الحياة بمجالاتها كافة، من خلال الإفادة من خدمة معلوماتية ثرية، وتطبيقات تكنولوجية متطورة، واستخدام العقل البشري كرأس للمال، وتوظيف البحث العلمي، لإحداث مجموعة من التغييرات الاستراتيجية في طبيعة المحيط الاقتصادي وتنظيمه ليصبح أكثر استجابة وانسجاماً مع تحديات العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعالمية المعرفة، والتنمية المستدامة بمفهومها الشمولي التكاملي». هناك بطبيعة الحال تعريفات أخرى تتسع أو تضيق تماشياً مع الهدف من تحديد تعريف ذلك الاقتصاد.

أما الموسوعة العلمية الشاملة فتعتبره «نمط جديد يختلف في كثير من سماته عن الاقتصاد التقليدي الذي ظهر بعد الثورة الصناعية. وهو يعني في جوهره تحول المعلومات إلى أهم سلعة في المجتمع بحيث تمَّ تحويل المعارف العلمية إلى الشكل الرقمي وأصبح تنظيم المعلومات وخدمات المعلومات من أهم العناصر الأساسية في الاقتصاد المعرفي».

أما على مستوى تحديد حيز المعرفة في اقتصاد مثل الاقتصاد الأميركي على سبيل المثال، فينبغي أن نعرف، كما يورد موقع «الموسوعة»، ، أن «نسبة المعرفة الناتجة عن التكنولوجيا تصل إلى أكثر من 50 في المئة من الإنتاج الإجمالي الأميركي، كما أن مجموع العاملين الأميركيين ممن لهم علاقة بالمعلومات والمعرفة، يبلغ نحو ثلاثة أرباع مجموع القوة العاملة الأميركية. ويتعزز هذا الاتجاه بصورة مستمرة فمن المقدّر أن 60 في المئة من المهن الأميركية الجديدة العام 2010 ستطلب مهارات متطورة لـ 22 في المئة من عمال اليوم».

ويتقل موقع «جدة بايكرز» عن وثائق الأمم المتحدة الكثير من الأرقام التي تشير إلى تنامي اقتصاد المعرفة، الذي بات يشكل حسب تلك المصادر، ما يقارب الآن «7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وينمو بمعدل 10 في المئة سنوياً. ويذكر أن 50 في المئة من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات».

ولكي لا يضلل القارئ، لابد لنا من الإشارة إلى أن الاتجاه نحو الاقتصاد المعرفي لم يعد حكراً على الدول المتقدمة في الغرب، بل أصبح سمة من سمات بعض اقتصادات الدول النامية مثل كوريا التي يقول عنها د. عبدالوهاب جودت بأنه على «مستوى الدول النامية، هناك اهتمام متزايد في إنتاج المعرفة ببلدان شرق آسيا خلال السنوات الأخيرة، وزادت العلاقة بين العلم والتكنولوجيا في مجتمعات آسيا، حيث أوضح دليل التوثيق العلمي أن إنتاج المعرفة العلمية بكوريا مثلاً يتزايد بقوة، حيث احتل الرتبة الأولى في العشر سنوات الماضية في إنتاج المعرفة، وأن الجامعات سيطرت على إنتاج المعرفة».

إذا ما تمعنا في مقومات اقتصاد المعرفة، فسنجد أنها تتجسد إلى حد بعيد في شركة غوغل التي تحولت إلى أحد عمالقة هذا الاقتصاد في فترة قصيرة نسبياً لم تتجاوز الاثنتي عشرة سنة. فقد أعلنت «غوغل» في منتصف أبريل/ نيسان الماضي أنها « سجلت قفزة بلغت 23 في المئة في إيراداتها الفصلية بفضل انتعاش الإعلانات على الشبكة العنكبوتية، وبلغت إيراداتها الإجمالية في الربع الأول من العام 2010 (6.77 مليار دولار) مقارنة مع (5.51 مليار دولار) في الربع الأول من العام 2009. وسجلت «غوغل» أرباحاً صافية بلغت 1.96 مليار دولار».

فكل ما تقوم به «غوغل» في حقيقة الأمر هو توليد المعرفة، وإغناؤها اقتصادياً بالقيمة المضافة التي تخلقها معها. بهذه المعادلة التي تبدو بسيطة في مظهرها، لكنها معقدة في جوهرها تحولت «غوغل» إلى أحد أهم عمالقة الاقتصاد المعرفي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2796 - الأحد 02 مايو 2010م الموافق 17 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:57 ص

      اظن انن بحاجة الى مشاهمة بعض الاقتصاديين لاعطاء تصوراتهم عن قدرة اسواقنا و نصيبها المفترض في التجارة المعرفية

    • زائر 1 | 9:19 م

      قوقل خدموني

      بعض الإنتماءات العرقية ناطحت المعارف والعلوم ونعني هنا العلوم التي تنصب في التنمية المستدامة ولقد كان هناك تنازع في سيادة الدولة على مورادها بين ما ينص عليها الدستور وما تنص عليه الإنتماءات العرقية

اقرأ ايضاً